تُختصر الجغرافيا الوطنية للبنان غالباً بالرقم الرمزي 10452 كلم²، الذي ارتبط باسم الرئيس المنتخب بشير الجميّل، وهو الرقم الذي شكّل منذ إعلان دولة لبنان الكبير سنة 1920 وحدة قياس للسيادة والوطنية في الوعي العام اللبناني. غير أنّ هذا الرقم، على رغم من رسوخه في الخطاب السياسي والثقافي، لا يعكس بدقّة الواقع الميداني، حيث توجد مساحات تاريخية وجغرافية ما زالت خارج السيادة اللبنانية الكاملة، إمّا بفعل الإحتلال أو نتيجة قرارات استعمارية سابقة.
بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، عمل الفرنسيّون والبريطانيّون في اتفاق سان ريمو عام 1920 على تعديل ما كانوا اقتسموه في اتفاقية سايكس- بيكو 1916 في ما خصّ لبنان. ويُبيّن الرسم (أدناه) مساحة لبنان الكبير بحسب ترسيمي سان ريمو وبوليه – نيوكومب. فبحسب ترسيم بوليه - نيوكومب عام 1923، فقد اقتُطِع شريط حدودي طويل ضُمَّ إلى الإنتداب البريطاني، ويشمل أكثر من 30 قرية ومزرعة اشتهرت باسم القرى السبع، تبلغ مساحته التقريبية 187 كلم². وبهذا الاقتطاع الناتج من ترسيم بوليه - نيوكومب أصبحت مساحة لبنان الكبير 10,265 كلم² تشمل مزارع شبعا ومنطقة النخيلة العقارية.
وعليه، هل إنّ مساحة لبنان وفق الرقم الـ 10,452 كلم²، تستلزم استعادة المساحة الضائعة منها والمتمثّلة بأراضي القرى السبع اللبنانية المحتلّة؟
أولاً: مزارع شبعا
تقع غرب مرتفعات الجولان المحتل وشرق كفرشوبا وجنوب شبعا، وتُقدّر مساحتها بنحو 27 كلم². وعلى رغم من ثبوت لبنانيّتها في السجلّات العقارية اللبنانية منذ الإنتداب الفرنسي، فإنّ إسرائيل لا تزال تحتلها منذ حرب حزيران 1967، بحجة أنّها جزء من الجولان السوري. ولم تحسم الأمم المتحدة المسألة نهائياً، لكنّها تعترف بموقف الدولة اللبنانية القاضي بانتماء هذه الأراضي للبنان.
ثانياً: القرى السبع
تتوزّع القرى السبع على الحدود الجنوبية وتشمل: هونين، النبي يوشع، قدس، تربيخا، إبل القمح، المالكية، وصلحا. كانت هذه القرى لبنانية الهوية والسكّان، لكنّها أُلحِقت بفلسطين الإنتدابية بموجب ترسيم الحدود الفرنسية - البريطانية عام 1923؛ فقد عدّلت لجنة «بوليه - نيوكومب» الحدود بإزاحة الخط المتفق عليه في اتفاقية 1920 نحو كيلومترين إلى الشمال، لتبدأ من رأس الناقورة وتسير إلى الجنوب قليلاً من قرية «علما الشعب» ثم تنحرف شمالاً على حساب لبنان عند حدود رميش ويارون، ويستمر الانحراف حتى شمال غرب المطلّة، ثم تنحرف مجدّداً على حساب لبنان، فتمرّ بجسر البراغيث وجسر الحاصباني بدلاً من مرورها بتل القاضي وتل دان، بهدف تأمين المياه لمنطقة الإنتداب البريطاني. بموجب هذا الترسيم خسر لبنان عدداً من القرى، أهمّها القرى السبع» (1). وبعد عام 1948، هُجِّر سكّانها ولم يتمكّنوا من العودة إليها، لتصبح تحت السيطرة الإسرائيلية حتى اليوم.
دلالة الرمز والمساحة الفعلية
إنّ الرقم 10452 كلم² يُشكّل رمزاً وطنياً جامعاً، لكنّه لا يُغطّي المساحة اللبنانية التاريخية بكاملها. فمزارع شبعا والقرى السبع المحتلّة ومنطقة النخيلة العقارية جميعها تكشف أنّ ما هو خارج السيادة الفعلية يُشكّل «المساحة الضائعة» التي تستوجب مقاربة وطنية جامعة تتجاوز الخلافات الداخلية، وتربط بين حقّ التحرير وحقّ التنمية.
إنّ المسألة ليست تقنية فحسب، بل هي قضية سيادة وهوية وذاكرة جماعية. فالتمسّك بالـ 10452 كلم² لا يلغي حقيقة أنّ لبنان يملك حقوقاً ثابتة قد تتجاوز هذا الرقم، وأنّ استعادة هذه الحقوق - بالوسائل القانونية والدبلوماسية والمقاوِمة - تبقى جزءاً من مشروع الدولة اللبنانية العادلة والقادرة.
1- القرى السبع المحتلّة: دراسة قانونية - اجتماعية،
المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق، بيروت، ط. 2، 2024، ص. 53.