إقرأوا هذا الكتاب وتبارزوا بالوطنية
إقرأوا هذا الكتاب وتبارزوا بالوطنية
جوزف الهاشم
Friday, 19-Sep-2025 07:36

إقرأوا هذا الكتاب، واحجبوا وجوهكم عن أنظار العالم المتحضّر، واختبئوا خلف سخرية الزمان وأقدام التاريخ.

 

إقرأوا كتاب «نيل باتريك» الصادر في شهر آب الماضي بعنوان: «الدولة الفاشلة في الشرق الأوسط».

 

«نيل باتريك» هو أحد أبرز الصحافيّين الغربيّين المتعمّق في شؤون منطقة الشرق الأوسط بكل مضامين تاريخها وأحداثها والأنظمة فيها والأحزاب، ولَهُ مع أبرز رؤسائها جولاتٌ وكتبٌ وكتابات.

 

ماذا قال هذا «البتريك» عن الدول الفاشلة في الشرق الأوسط؟

 

«قسَم الكاتبُ دولَ المنطقة إلى ثلاثة أقسام: المغرب والأردن ودول الخليج تتّسم بالإستقرار، وقسمٌ آخر يحكمه العسكر، وقسمٌ ثالث تحكمه الميليشيات وهي: اليمن والعراق وسوريا ولبنان... وهذه الدول ترعاها قوّة إقليمية أو كيانات موازية لسلطة الدولة الرسمية فأصبحت شبه دولة، ممّا يُسبّب انقساماً في الهويات واندلاع الحروب الأهلية».

 

لن أتبسّط في ما قيل عن نظام الأسدَين في سوريا... وعن حكم الميليشيات والأحزاب في العراق، حيث كلُّ كتلة سياسية جناحٌ مسلّح يواجه الدولة... ولا عن سلطة الحوثيّين التي أدخلت الدولة في حروب أهلية.

 

بل أرهب ما يعنيني هذا الذي قالَهُ عن لبنان:

 

«في لبنان: الأحزاب تقدّم الأمن والخدمات الإجتماعية لمحازبيها، بينما الحكومة ترزح تحت رحمة الدمار المالي، والوضع الميليشياوي في لبنان الذي يحتكر قرار الحرب والسلم أَضعفَ الدولةَ وجعلها أقرب إلى الإنهيار، وأنّ هناك عاملاً مشتركاً في هذه الدول الفاشلة الأربع وهو على الأخص العامل الإيراني».

 

هل هذا هو لبنان الذي نتبارز للدفاع عنه، نقاتل ونتقاتل ونستشهد من أجله، لنجعله دولة فاشلة؟

 

وهذا اللبنان الذي كان سويسرا الشرق، ودرّة الشرقَين، وقبلةَ الغرب، وعاصمة العالم الحضاري، ورائد الفكر والشعر والأعلام والأدب، في عالم العرب، هذا الوجه الحضاري المشرق، وهذا الفارس العربي العريق، جعلناه بدويّاً متخلّفاً يسير في الصحراء خلف أذناب الخيل ولا يمتَطي صهواتِها؟

 

هذا اللبنان: الذي وصَفَهُ النبيّ بأنّه «جبلٌ مقدّس وأحدُ جبال الجنّة الأربعة (1)، جعلناه جبلاً وثنيّاً وجعلناه مزرعة، وجعلناهُ غابةً، وجعلناهُ مثلاً لسخرية الدول، ودولة فاشلة وشبه دولة، في كتاب «نيل باتريك»؟

 

هذا اللبنان: الذي باركَتْ خطى المسيح جنوبَهُ: في «تخوم صيدا وصور والمدن العشر» والتفّ حول القرى الحدودية (2)... جعلناه مسرحاً لخطى العدو المدنّسة، وبلدةُ «قانا» التي أقام فيها المسيح عرساً، أقيمتْ فيها المآتم.

 

ولبنان الذي رأى فيه الإمام موسى الصدر «وطناً فريداً لا نملك غيره، أرضُهُ تعكس السماء والجغرافيا تمثل التاريخ» (3)، هذا اللبنان جعلناه أرضاً محكومةً بالنوازل وجغرافيا محكومةً بالزلازل.

 

اليابان التي كانت أرضاً معروفةً بهزات زلزالية، استطاعت براعةُ العقل الهندسي فيها أن تقيم الأبنية الحصينة في وجه زلزلة الأرض، حتى لا تصبح اليابان دولة فاشلة.

 

«والساموراي» اليابانية حين خسرتْ المعركة لجأ أعضاؤها إلى لعبة «الهاراكيري»: فطعنوا بطونهم بالخناجر لمسحِ عار الهزيمة.

 

ولبنان الذي كان إسمه لبنان منذ أربعة آلاف سنة، وهو أقدم دولةٍ في التاريخ، لأنّكم جعلتموه دولةً فاشلة وشبهَ دولة، تفضّلوا وامسحوا عنكم عارَ الهزيمة بطعن البطون بالخناجر.

 

1- إبن الأثير: «الكامل في التاريخ» ج1 - ص: 138 - الطبري: «تاريخ الرسل ج1 - ص: 124.

2- مرقس: 7/13.

3- من نداء إلى العقل للإمام الصدر: 7/1/1976.

theme::common.loader_icon