الولايات المتحدة تُهدِّد الصين بـ«تنّين» صاروخي
الولايات المتحدة تُهدِّد الصين بـ«تنّين» صاروخي
د. خالد العزّي
Friday, 19-Sep-2025 07:13

في ظلّ التوترات المتزايدة في منطقة شرق آسيا، بدأت الولايات المتحدة واليابان تعزيز تعاونهما العسكري لمواجهة التحدّيات الأمنية، خصوصاً في ما يتعلّق بالصين.

من خلال المناورات العسكرية المشتركة ونقل أسلحة متطوّرة إلى اليابان، تسعى الدولتان إلى إرسال رسالة قوية بشأن دفاعهما عن مصالحهما الاستراتيجية.

 

-1 المناورات العسكرية المشتركة بين الولايات المتحدة واليابان

 

من المقرّر أن تشارك اليابان في الدفاع عن تايوان من خلال المناورات العسكرية المشتركة مع الولايات المتحدة تحت مسمّى «التنين الحازم»، المستمرّة من 11 إلى 25 أيلول. وعلى رغم من أنّ هذه المناورات تُجرى بشكل دوري بين البلدَين، إلّا أنّ هذه النسخة ستكون استثنائية، إذ سيُسلِّم الجيش الأميركي للمرّة الأولى الجيش الياباني نظام صواريخ «تايفون» متوسط المدى، بالإضافة إلى نظام NMESIS البحري المُصمَّم خصّيصاً لضرب السفن. وأشارت سائل الإعلام اليابانية، إلى أنّ نشر هذه الأسلحة سيكون موقتاً، لكنّ استخدام الكلمة بين علامتَي اقتباس يُثير الشكوك حول احتمال بقاء هذه الأسلحة على الأراضي اليابانية لفترة أطول.

 

الهدف من هذه المناورات، كما تؤكّد الصحافة اليابانية، هو تعزيز قدرة الردع ضدّ الصين، التي تعتبرها طوكيو تهديداً استراتيجياً. كما أنّ هذا التحرّك يوحي بأنّ اليابان والولايات المتحدة قد يجدان نفسَيهما في موقف يتطلّب الدفاع عن تايوان مستقبلاً. ويأتي هذا التنسيق العسكري بين الحليفَين في وقت تتزايد فيه التوترات في شرق آسيا بسبب السياسات العدوانية التي تنتهجها بكين.

 

-2 التوترات مع الصين وروسيا: أبعاد الاستراتيجية العسكرية اليابانية

 

يُثير نشر الصواريخ الأميركية في اليابان قلقاً ليس فقط في الصين، بل في روسيا أيضاً. ففي عام 2019، كانت معاهدة القوى النووية متوسطة المدى (INF) بين الولايات المتحدة وروسيا تحظر نشر هذا النوع من الصواريخ في أوروبا وآسيا. لكن بعد انسحاب واشنطن من المعاهدة، أصبحت الخطط العسكرية الأميركية أكثر مرونة، ممّا يتيح لها نشر صواريخ في مناطق أخرى مثل اليابان. وتعتبر الصين، التي تشعر بأنّها مستهدفة من هذه الأسلحة، نشرها في اليابان تهديداً مباشراً لأمنها، خصوصاً أنّ هذه الصواريخ قد تصل إلى مناطق شرقها الأقصى.

 

من جانبها، تنفي الحكومة اليابانية أن يكون نشر الصواريخ مرتبطاً بالتهديدات الروسية، مشيرةً إلى أنّ الهدف الأساس هو تعزيز الاستعدادات الدفاعية ضدّ هجوم محتمل، خصوصاً في ظل الأوضاع الأمنية المتوترة في شرق آسيا. وعلى رغم من أنّ هذه الأسلحة قد تُستخدَم لأغراض دفاعية فقط، إلّا أنّ نشرها يعكس تحوّلاً في الفكر العسكري الياباني، الذي كان يعتمد على الدفاع الحصري من دون الانخراط في تحالفات هجومية.

 

-3 التحوّلات في السياسة الدفاعية اليابانية والتهديدات المستقبلية

 

لطالما اتبعت اليابان سياسة «الدفاع الحصري»، التي تمنعها من امتلاك قدرات هجومية أو السماح بنقل أسلحة هجومية إلى أراضيها. ومع ذلك، بدأت هذه السياسة في التغيّر تدريجاً بعد إصدار وثيقة «استراتيجية الأمن القومي» لعام 2022، التي نصّت على «اكتساب وسائل لشنّ هجوم مضاد»، زيادة الإنفاق العسكري، وتعزيز التعاون مع الدول التي تتبنّى مواقف مشابهة لليابان.

 

في هذه الوثيقة، أشير بوضوح إلى الصين باعتبارها التهديد الرئيس الذي يجب على اليابان مواجهته عبر تحالفاتها العسكرية.

 

في هذا السياق، يرى المحلّلون اليابانيّون أنّ اليابان وافقت على نشر الصواريخ الأميركية بسبب القلق المتزايد من توسع الصين وزيادة قدرتها العسكرية التي تُهدّد الاستقرار في شرق آسيا. وتُؤكّد أنّ اليابان تسعى إلى اتخاذ خطوات استباقية لحماية مصالحها القومية، خصوصاً في ضوء تصاعد الأنشطة العسكرية الصينية وتهديداتها.

 

وتشير المعلومات الروسية إلى أنّ نشر صواريخ نووية أميركية في اليابان يُعدّ خطوة تصعيدية في التوترات بين الولايات المتحدة وحليفتها اليابان من جهة، والصين من جهة أخرى.

 

وعلى رغم من أنّ هذه الصواريخ موجّهة أساساً إلى الصين، إلّا أنّ روسيا لا يمكنها تجاهل هذه التحرّكات، إذ يمكن للصواريخ الأميركية أن تصل إلى الشرق الأقصى الروسي، ممّا يزيد من تعقيد الوضع الاستراتيجي.

 

في النهاية، إنّ المناورات العسكرية المشتركة بين الولايات المتحدة واليابان تُمثل خطوة مهمّة في تعزيز التعاون العسكري بين البلدَين في مواجهة التهديدات المتزايدة في شرق آسيا، خصوصاً تلك التي تمثلها الصين.

 

وعلى رغم من أنّ نشر الصواريخ الأميركية في اليابان يُعدّ تصعيداً في العلاقات مع الصين وروسيا، فإنّه يعكس تحوّلاً في السياسات الدفاعية اليابانية التي كانت تلتزم منذ فترة طويلة بسياسة «الدفاع الحصري».

 

في الوقت عينه، يفتح هذا التحوّل الباب أمام مزيد من التصعيد في المنطقة، مع احتمالية أن يؤدّي إلى المزيد من التوترات بين القوى الكبرى. وعلى رغم من أنّ هذه التحرّكات تهدف إلى تعزيز الاستعداد الدفاعي لليابان، فإنّ التحدّيات الاستراتيجية التي تواجهها في ظل الأوضاع الحالية قد تضعها في موقف أكثر تعقيداً مستقبلاً، خصوصاً إذا استمرّت الصين في توسيع نفوذها العسكري في المنطقة.

theme::common.loader_icon