ثمة صِدق في الإعلان مع وصول هذه الملحمة المحبوبة عن الامتياز البريطاني إلى محطتها الأخيرة، في وقتها وبشكل متقن.
«حان وقت المضي قدماً»، يُتمتِم روبرت كراولي، اللورد غرانثام (هيو بونفيل) بحزن خافت قرب نهاية فيلم «داونتن آبي: الوداع الكبير».
سنفتقده هو وطرقِه المتزمتة؛ فعلى مدى 15 عاماً، 6 مواسم تلفزيونية، فيلمَان طويلَان، وعدد لا يحصى من تبديلات الأزياء، قدّمت عائلة كراولي وعائلاتهم الممتدة للمشاهدين وَهماً مصمَّماً بدقة عن خضوع سعيد، حيث لا يعرف الخدم مكانتهم فقط، بل يحرسونها بشراسة. بالنسبة إلى سكان «داونتن»، فإنّ مضغ امتيازاتهم بينما يواجهون ضمور أهمّيتهم المتزايدة هو أسلوب حياة.
تلك الحياة لا تختفي بقدر ما تُعيد ترتيب حجمها، إذ يُسلّم الحرس القديم الشعلة إلى الجيل الأصغر. ولئلّا نقلق من التغيير الجذري، فإنّ نصّ جوليان فيلوز يفيض بالثوابت المطمئنة: الليدي ماري (ميشيل دوكيري) ستكون غير كتومة، كارسون كبير الخدم (جيم كارتر) سيتحفظ بصدمة، اللورد غرانثام سيجد دوماً ما يثير غضبه، والعائلة ستواجه الانهيار المالي.
أمّا المزعج دوماً مولسلي (كيفن دويل)، الذي كان تابعاً ثم صار كاتب سيناريو ناجحاً، فلا يزال أحمق، على رغم من أفضل محاولات زوجته الصبورة (راكيل كاسيدي) لإدخال بعض العقل في رأسه.
إنّه صيف 1930، والعائلة في لندن تستمتع بعرض أوبريت نويل كوارد «بيتر سويت». هذه المرّة، تأتي الاختيارات الموسيقية معبّرة للغاية، من نسخة أغنية «أنا قديم الطراز» تنطلق من جهاز كارسون، إلى ماري التي تتلقّى إهداءً غنائياً من كوارد بعنوان «فتاة غنية مسكينة». وهي فعلاً بحاجة لِمَن يُبهجها: فـ«داونتن» غارق كعادته في الديون، وروبرت يرفض بيع مقرّه في لندن لتمويل تحديث الضيعة المستمر.
والأسوأ أنّ نخبة المقاطعة المتعجرفة علمت بطلاق ماري، وباتت غير مرحّب بها في المجتمع الراقي. لا يبقى أمامها إذاً إلّا أن تسكر وتسقط في السرير مع غاس سامبروك (أليساندرو نيفولا)، الأميركي المراوغ الذي يبدو قريباً بشكل مقلق من عمّها هارولد (بول جياماتي).
وقد جاء هارولد إلى المدينة ليعترف لشقيقته كورا (إليزابيث ماغفرن) بأنّه أضاع ميراثها بالمضاربة في العملة الأرجنتينية، وليكشف أيضاً أنّ سامبروك لديه خطة ليضع يده على ما هو أكثر من أغطية ماري الفاخرة.
أمّا في أقبية الخدم، فعدد أقل من الموظفين يكشف عن سياسة شدّ الأحزمة لدى العائلة. ديزي (صوفي ماشيرا)، الخادمة الحادة في المطبخ، تتولّى مهمّة الطهو بدلاً من السيدة باتمور (ليزلي نيكول). خادمة كورا، آنا، حامل (كما في الواقع الممثلة جوان فروغات)، وكارسون يتقاعد.
ونعرف أيضاً أنّ السيدة باتمور تُفكّر بقلق في فقدان عذريّتها القديمة، وأنّ كارسون والسيدة هيوز اكتشفا اللذة الجسدية. ولو أنّني، شخصياً، كنتُ سأفضّل لو بقيتُ في جهل بما يفعله «أهل الأسفل» في «أسفلهم».
كقداس مرح لما تبقّى من الإمبراطورية، يوجّه «الوداع الكبير» عيناً نحو المستقبل وأخرى نحو الماضي. أرواح الراحلين تحوم فوق الفيلم، أبرزها فيوليت، الكونتيسة الأرملة (التي نفتقدها بشدة ماغي سميث)، إذ يُفرَغ منزلها وتُمنَح كرسيّها المفضّل لقطة وداعية حنونة.
لكن لا يوجد الكثير ممّا يدعو للبكاء، إذ ينسّق المخرج سايمون كورتيس بمهارة، سلسلة من التفاعلات القصيرة أقرب إلى حلقات متفرّقة، ويجمعها في كلٍّ مُرضٍ إلى حدٍّ كبير.
قواعد المجتمع في طَور التغيير، حتى لو كان اللورد غرانثام يتمنّى العكس.
«إنهم وَدودون جداً مع بعضهم البعض، أليس كذلك؟» يعلّق وهو يراقب بارو (روبرت جيمس-كولير)، خادمه السابق، وصديقه الوسيم (دومينيك ويست).
بإيجاد جيوب صغيرة من الفكاهة وسط المؤامرات وصراع الطبقات، يقدّم الفيلم بالضبط ما يُريده محبّو «داونتن»: تصوير شهي (بعدسة المبدع بن سميثارد)، مشاهد مذهلة، والليدي ماري وهي تُجرّب أكبر عدد ممكن من الفساتين الرائعة.
سيستغرق الأمر 15 عاماً أخرى قبل أن يخترق صعود الاشتراكية قشرة الأرستقراطية الجامدة؛ أمّا الآن، فأقصى ما قد يحدث لعائلة كراولي هو طردهم من حفلة راقصة. أو، لا سمح الله، أن تكون غرفة النوم وغرفة المعيشة في الطابق نفسه.