أخصائية تغذية
عندما نسمع كلمة «كرياتين»، قد يتبادر إلى ذهننا فوراً مُكمِّلات يستخدمها الرياضيّون لبناء العضلات وزيادة القوّة البدنية. لكنّ الكرياتين ليس حكراً على عالم الرياضة، فهو مركّب طبيعي يُنتَج في الكبد والكليتين ويُخزَّن في العضلات والدماغ. وظيفته الأساسية هي العمل كخزان للطاقة؛ إذ يساعد في إعادة تدوير ATP (أدينوزين ثلاثي الفوسفات)، وهو الجزيء الذي يُمثّل «العملة الأساسية للطاقة» التي تحتاجها كل خلية في الجسم لتعمل بشكل طبيعي.
لماذا يهمّ الدماغ؟
الدماغ من أكثر أعضاء الجسم استهلاكاً للطاقة. وفي مرض ألزهايمر، تظهر مشكلات واضحة في إنتاج الطاقة العصبية، ممّا يضعف قدرة الخلايا العصبية على أداء وظائفها مثل الذاكرة والتفكير. من هنا بدأ الباحثون يتساءلون: هل يمكن أن يساعد الكرياتين، المعروف بدوره في دعم الطاقة العضلية، في تعزيز الطاقة في الدماغ أيضاً ودعم الخلايا العصبية المرهَقة؟
دراسة أولية تحمل بوادر أمل
دراسة حديثة حاولت الإجابة عن هذا السؤال، شملت 20 مريضاً مسنّاً بمتوسط عمر 73 عاماً، مصابين بمرض ألزهايمر المحتمل، تناولوا مُكمّل الكرياتين مونوهيدرات بجرعة عالية (20 غ يومياً) على مدى 8 أسابيع.
النتائج كانت لافتة:
- ارتفعت مستويات الكرياتين في الدماغ بنسبة 11% مقارنة بالقيمة الأساسية.
- ارتفع الكرياتين في الدم بنحو 35%.
- التزم المرضى بتناول المكمّل بنسبة 90% تقريباً، من دون تسجيل آثار جانبية خطيرة.
هذه المعطيات تؤكّد للمرّة الأولى على البشر، أنّ الكرياتين الفمَوي يمكنه بالفعل أن يزيد من مستوياته في الدماغ، ما يُشير إلى إمكانية دعمه لطاقة الخلايا العصبية.
آلية العمل المحتملة
الكرياتين يعمل كـ»بطارية مساعدة» داخل الخلايا، إذ يعزّز قدرة الدماغ على إنتاج ATP جزيئات الطاقة الأساسية. في ألزهايمر، تعاني الخلايا العصبية من نقص في الطاقة، فإنّ زيادة توافر الكرياتين قد توفّر لها احتياطياً إضافياً يُساعدها في مواجهة الإجهاد الأيضي والحفاظ على وظائفها.
على رغم من النتائج المشجّعة، يهمّ التذكير أنّ الدراسة صغيرة ومفتوحة، ولم تبحث في ما إذا كان ارتفاع الكرياتين في الدماغ يترجم فعلاً إلى تحسن في الذاكرة أو الوظائف الإدراكية. كما أنّ الجرعات المستخدمة كانت عالية (20 غ يومياً)، وهي ليست مناسبة للجميع، خصوصاً كبار السن أو مرضى الكلى أو مَن يتناولون أدوية متعدّدة. لذلك، لا يُنصح أبداً بتناول الكرياتين كمُكمّل لمرض ألزهايمر إلّا تحت إشراف الطبيب.
ما الذي يمكن فعله الآن؟
حتى تتضح الصورة عبر تجارب سريرية أكبر وأكثر دقة، يبقى التركيز على استراتيجيات مثبتة علمياً لدعم صحة الدماغ، مثل اتباع نظام غذائي متوازن غني بالخضار والفواكه والحبوب الكاملة والأسماك (على غرار حمية البحر الأبيض المتوسط)، ممارسة النشاط البدني بانتظام، الحصول على نوم جيد، وإدارة التوتر.
الكرياتين لم يعُد مجرّد مُكمّل رياضي، بل أصبح موضوعاً لأبحاث علمية تستكشف دوره كداعم لطاقة الدماغ لدى مرضى الزهايمر. هذه الدراسة فتحت الباب لآفاق جديدة، لكنّها لا تزال خطوة أولى تحتاج إلى تأكيد من خلال أبحاث أكبر وأطول أمداً.