يعملان معًا، وكأنهما يرسمان بخيوط الضوء والظلّ ملامح كونٍ يعيش في المنفى الدائم.
أعمالهما ليست تسجيلًا للتاريخ، بل مساءلة له. في كل فيلم، في كل معرض، يطرحان سؤالًا معلّقًا: كيف نصوغ صورة لمدينة مفقودة؟ كيف نحفظ أثرًا لزمن محذوف من السجلات؟ كيف نمنح الغياب شكلًا ليصير حاضرًا؟
كل صورة هنا ليست مجرد أثر بصري، بل سؤال وجودي مفتوح في عتمة الوقت. بدا المعرض، بالنسبة لي، وكأنه يردّ على السؤال الذي طرحه أوغسطينوس (القرن الرابع الميلادي): ما هو الزمن؟ قال عبارته الشهيرة: "إذا لم يسألني أحد، فأنا أعرف. وإذا سألتُ نفسي، لا أعرف."
لقد فرّق أوغسطينوس بين الزمن الكوني، الذي يسيل في اتساعه إلى الأبدية، وبين تجربتنا الداخلية للوقت: ماضٍ يثقل الذاكرة، مستقبل يظلّ وعدًا، وحاضر يتفلّت من بين أيدينا.
في الخيام، ينقلب الزمن على نفسه: من معتقل إلى متحف إلى ركام. وفي العمل Under the Cold River Bed، تُعرض عينات تُظهر طبقات من الأرض والزمان، التي تحافظ على أثر الألم والذاكرة. أما 180 Seconds of Lasting Images، فتبدو الصور كأنها تُحاول جمع ما ضاع من العمر في مدة قصيرة، مثيرة للتأمل في ما نحتفظ به وما نفقده. وأما ذكرى النور، فهو تذكير بأن الزمن قد يطفئ الألوان، لكنه لا يطفئ الضوء.
هكذا بدا المعرض كأنه يواصل ما بدأه أوغسطينوس قبل قرون: محاولة الإمساك بالوقت وهو يتفكك، وتحويله إلى صورة أو أثر. في أعماق البحر، يختفي اللون بعد الآخر، لكن الضوء يولد من كائنات دقيقة، ليذكّرنا أن الزمن لا يطفئ كل شيء، بل يترك مجالًا لبدايات جديدة.
وربما هنا تكمن قوة الفن: أن يربكنا، أن يعيد ترتيب وعينا، وأن يجعل من الغياب حضورًا، ومن الصمت سؤالًا لا ينطفئ. لقد كانت الأعمال ملهمة بعمق، لكنها أيضًا مُزعجة في صدقها، لأنها تعكس أشياء نحاول دومًا تفادي مواجهتها، وتضعنا وجهًا لوجه مع ما نخشى أن نراه في ذواتنا وفي ذاكرتنا. كنت أبحث عن هذا الانبهار، عن تلك اللحظة النادرة التي تجعلني أتسمّر أمام عمل فني وأسأل نفسي: كيف لم أفكّر بذلك من قبل؟ ابتكار أصيل لا يكتفي بأن يُعرض، بل يوقظ الأسئلة ويفتح جرحًا في الزمن نفسه.