اعتاد جاك غريليش (30 عاماً) على أن يحصل على بعض الراحة خلال فترات التوقف الدولية. ويقترب من عام كامل منذ آخر مرّة مثّل فيها غريليش منتخب إنكلترا، لكن إذا استمر على المستوى عينه الذي أظهره في أول مباراتَين (وقليلاً أكثر) من الموسم الجديد في الدوري الإنكليزي الممتاز، فإنّه بالتأكيد يمكن أن يتوقع استدعاءً من توماس توخيل للجولة المقبلة من المباريات في تشرين الأول.
صحيحٌ أنّ الوقت ما زال مبكراً جداً لتقييم الأرقام، لكنّ تمريرات غريليش الحاسمة الـ4 مع إيفرتون تعادل ضعف ما قدّمه في الموسمَين السابقَين معاً في الدوري، مع مؤشرات إلى أنّه وجد حياة جديدة تحت قيادة ديفيد مويز.
بعد فوز إيفرتون على وولفرهامبتون، أوضح مويز: «الأمر لا علاقة له بي، دعوني أخبركم، كل الفضل يعود لجاك ولعقليّته الخاصة، ورغبته في أن يكون أفضل. ما يمنحنا إياه جاك هو شيء على الحافة، نأمل أن تكون حافة الإبداع وربما تسجيل الأهداف».
إحصاءات التمريرات الحاسمة قد تكون تصويراً مضلِّلاً لإبداعه، لكنّها تطرح سؤالاً مثيراً: هل بداية غريليش المذهلة مجرّد صدفة إحصائية مبكرة؟ أم أنّ هذا يشير إلى عودته للتألّق كما في أستون فيلا، حين مُنح حرّية أكبر؟
لنبدأ بتذكير سريع حول إبداع غريليش الأوسع في مواسمه الأخيرة بالدوري الإنكليزي. يمكننا النظر إلى مؤشر التمريرات المتوقعة (xA)، الذي يقيس القيمة المتوقعة للتسديدة الناتجة من تمريرة حاسمة، لكل 90 دقيقة، ممّا يعكس المردود الفعلي في خدمة زملائه.
إنّ مؤشره ظل أكثر ثباتاً بكثير من معدّل تمريراته الحاسمة الفعلي، ما يشير إلى أنّ بعض التباينات الإحصائية لم تكن لصالحه خلال فترة وجوده في مانشستر سيتي، بالنظر إلى جودة الفرص التي صنعها.
كان هذا توجّهاً مدرَكاً لدى غريليش في بداياته مع سيتي، فكان المشجّعون ينتقدون تراجع تمريراته الحاسمة مقارنةً بموسمه الأخير في أستون فيلا، حين حقق أداءً أعلى من المتوقع.
في مقابلة مع BBC عام 2022، أوضح غريليش: «جلستُ مع المدرب والمحلّلين في سيتي، وأروني إحصاءات تهمّ أي لاعب هجومي، لكنّها ليست الأهداف أو التمريرات الحاسمة. أشياء مثل التمريرات المتوقعة، لأنّها تعكس المرّات التي تضع فيها الكرة على طبق لزميلك، لكنّه لا يُنهيها».
ولم يكن مخطئاً. ففي موسم 2021-22، كان غريليش خامس أعلى لاعب في الدوري بالتمريرات المتوقعة في اللعب المفتوح لكل 90 دقيقة، بين كل مَن لعبوا أكثر من 900 دقيقة. لكنّ معدّله الفعلي في التمريرات الحاسمة وضعه في المركز الـ 69 بتلك القائمة.
من المبكر جداً تحليل بيانات هذا الموسم، لكن إذا شهد معدّل تمريراته الحاسمة مع إيفرتون قفزة معاكسة حادة، فإنّه يستحق بلا شك بعض «التفوّق الإحصائي» على المدى القصير.
الشق الآخر من النقاش حول مردود غريليش يتعلّق بدوره التكتيكي مع فريقه الجديد. هل تحرّر؟ هل بات رجلاً طليقاً؟ هل حصل أخيراً على الحرّية؟ إلى حدٍّ ما، لكنّ المسألة ليست بهذه البساطة. فالأمر ليس أنّ غريليش مُنح فجأة الإذن ليفعل ما يشاء. بل يتعلّق بتبايُن الأسلوب والمبادئ بين مويز وبيب غوارديولا.
يقوم نهج غوارديولا على تضييق الملعب واستخدام المبادئ التمَوضعية لدفع الخصم إلى ثلثه الدفاعي. وبما أنّ فريقه يترك مساحات واسعة خلفه، يُكلّف غوارديولا لاعبيه بكسر الدفاعات في المساحات الصغيرة، مع الحفاظ على بنية تحمي من الهجمات المرتدة.
في نهاية فترة غريليش مع سيتي، كانت المشكلة أنّه لم يحصل على ما يكفي من التحرّكات الداعمة حَوله لخلق مواقف خطيرة. مثلاً، ضدّ أستون فيلا، تمسك يوشكو غفارديول بموقعه خلف الكرة، بينما وجد غريليش نفسه معزولاً ومحاصراً بلاعبَين من فيلا. مع خيارات هجومية قليلة، كان التمرير إلى الخلف أفضل حل للحفاظ على الاستحواذ، فيما ظل دفاع فيلا مرتاحاً.
وهذا بالضبط أسلوب سيتي في التحكّم. لم تسِر الأمور كما خُطِّط لها في الـ 12 شهراً الأخيرة، لكنّ الفكرة الأساسية هي امتلاك الكرة كوسيلة دفاعية وإبقاء الخصم بعيداً من المرمى. قد يُنظر إلى هذا المثال على أنّه إهدار لإمكانات غريليش، لكنّه كان بالضبط ما يطلبه منه مدربه.
بالمصادفة، ضدّ فيلا في موسم 2023-24، يُحاصَر غريليش مجدّداً، لكنّ خطة سيتي مصمّمة لسحب بنية دفاع فيلا نحو جانب الملعب لخلق مساحات في الجانب الآخر. وحين مرّر غريليش الكرة لردري، كان دفاع فيلا قد انزاح، ما أتاح لرودري لعب كرة قطرية إلى الجناح جيريمي دوكو ليستغلها في الجهة الأخرى.
الفعل بسيط، لكنّ غريليش كان يؤدّي تماماً ما هو مطلوب وفق التعليمات التكتيكية.
في المقابل، أسلوب مويز في التحكم يكون غالباً من دون الكرة. كما ظهر في أول مباراة ضدّ برايتون، انضمّ غريليش إلى خط الوسط في تشكيل 4-4-2 مدمج عند الدفاع، إذ تُغلق المساحات في وسط الملعب. وإذا استعاد إيفرتون الكرة، يتوافر تلقائياً فضاء أكبر لاستغلاله في التحوّلات.
كان غريليش غالباً صمام الأمان للضغط في سيتي، فيحتفظ بالكرة، يجذب الخصوم نحوه، ثم يُمرّر أو يحصل على خطأ. أمّا في إيفرتون، فأصبح مَن يُفجِّر ذلك الصمام. الآن، لدَيه حرّية فقدان الكرة بطريقة لم تكن مناسبة لأسلوب غوارديولا.
حين لا يخلق أو يُسدِّد بنفسه، يكون غريليش مغناطيساً للأخطاء (لم يتعرّض أي لاعب لعدد أكبر من مخالفاته (485) في الدوري منذ موسم 2019-20).
هذا سيعزّز واحدة من أبرز نقاط قوّة إيفرتون، إذ لم يحقق أي فريق معدّلاً أفضل من أهدافه 5,9 لكل 100 كرة ثابتة الموسم الماضي. بالنسبة إلى المدافع، الأمر أشبه بالاختيار بين سُمَّين: ابتعد عنه وسيعاقبك، اقترب كثيراً وتتحمّل خطورة خبراء الكرات الثابتة.