معركة غير متكافئة بين العجز العربي وغطرسة إسرائيل!
معركة غير متكافئة بين العجز العربي وغطرسة إسرائيل!
جوزف القصيفي نقيب محرري الصحافة
Thursday, 11-Sep-2025 07:31

سواء تحمّلت إسرائيل المسؤولية الكاملة عن محاولة تصفية قيادة حركة «حماس» في قطر، أو شاركتها واشنطن بأخذ العلم والخبر وعدم الممانعة في القيام بهذه المحاولة، فإنّ النتيجة واحدة، وتتلخّص بأنّ تل أبيب هي صاحبة اليد الطولى في منطقة الشرق الأوسط عموماً، والدول العربية خصوصاً، تُغير، تقصف، تقضم أراضي وتُلحقها بدولتها، ولا تراعي دولاً كان لها الدور الكبير والفاعل في وساطات جرت سابقاً وتجري حالياً على مستوى الوضع الفلسطيني، وخصوصاً في غزة، حيث تتواصل المذبحة الصهيونية في حق أبناء القطاع، لاقتلاعهم من أرضهم.

الدوحة قالت إنّ أحداً لم يخطرها بالغارة قبل حصولها، بل بعد 10 دقائق من بدئها. وهذا يعني بصريح العبارة، أنّ إسرائيل لا تقيم وزناً للدول العربية كافة، ولا تتعاطى معها إلّا من زاوية ما يمكن أن تحققه لدولتها من مكاسب أمنية واقتصادية، تمهيداً لإسقاط سلام يكون مفصّلاً على مقاسها، ولا يحقق أهداف القرارات الدولية 194 /48 الخاص بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين، و242، و338، وهما ينطلقان من قاعدة: الارض مقابل السلام. إسرائيل ضربت حق العودة من خلال عملها الميداني والديبلوماسي لتحقيق «ترانسفير» جديد لأبناء غزة والضفة الغربية، وعرب 1948، الأمر الذي حوّل هذا القرار الأممي مجرد ورقة غير قابلة للصرف والتطبيق بعد الوقائع الميدانية التي فرضتها. كذلك جوّفت قرارات قمة بيروت العربية التي عُقدت في آذار 2002 من مضمونها.

 

من الواضح بعد الذي حصل والمرشح أن يحصل على أثر الحرب في لبنان ونتائجها الكارثية، وتدمير البنية العسكرية الهجومية والدفاعية لسوريا واقتطاع المناطق الاستراتيجية من أراضيها المحاذية لدولة إسرائيل، وخصوصاً هضبة الجولان، ومرتفعات في جبل الشيخ، وفي ضوء عدم الاستقرار الأمني في العراق، والقلق الأردني الدائم من خطط «الترانسفير» التي تهدّد مرتكزات الدولة في حال تنفيذ أي منها في اتجاهه، والحذر المصري الدائم مما يجري في القطاع، معطوفاً على تحدّيات إقتصادية، أنّ «دول الطوق» التي تحيط بالدولة العبرية باتت في حال من الإرباك السياسي الشديد، والضعف الكبير الذي يستحيل معه مقاومة تل ابيب، والوقوف في وجه أطماعها التوسعية على صعيد السياسة والاقتصاد، وذلك بسبب تفوقها العسكري والخرق الأمني العريض الذي حققته وتحققه. إنّ شلل دول الطوق وعجزها ينسحبان على الدول العربية كافة، وجعلا من «جامعة الدول العربية» هيكلاً بلا روح. حتى بيانات الإستنكار والإدانة باتت تصدر عنها بـ«القطارة»، فيما غاب العمل العربي المشترك في كثير من المجالات، وأي لقاء حول أي موضوع يلازمه الطابع البروتوكولي فحسب.

 

على أنّ الإعلام العربي تجاوز الأولويات التي كانت تُعتمد في التعامل مع إسرائيل وأحداثها، لا بسبب العولمة والتقانة الحديثة والعصر الرقمي، بل لغياب الخطاب العربي الموحّد والخطة العربية الواضحة تجاه القضية الفلسطينية، وما طرأ عليها من تطورات. وإذا أردنا اختصار المشهد العربي الراهن نستخلص آلاتي:

 

1- غياب وحدة الصف والموقف.

2- إختلاف القراءات بين حكومات الدول حول مستقبل العلاقة مع إسرائيل، وتوصيف هذا الكيان ودوره وكيفية التعاطي معه.

 

3- انتهاء مرحلة الكفاح المسلح ومحاولة الذهاب إلى الحل الممكن، أي حل الدولتين. وهو ما تعارضه إسرائيل.

4- العجز حتى آلان عن تفعيل موضوع «حل الدولتين»، فيما تل أبيب تعمل على تصفير إسرائيل من أي وجود فلسطيني، ولا تعرض سوى حل واحد: الأمن مقابل السلام. أي الانصياع لشروطها في موضوع السلام مقابل أن تتوقف عن تهديد الأمن العربي والعبث به.

 

5- لم يعد التطبيع مجرد شعار، بل أصبح حقيقة واقعة، وهو يتقدّم على كل الجبهات، وما يمنع الذهاب إليه هو المذبحة القائمة في غزة. ولسوف يعود إلى الواجهة بعد الانتهاء من الحرب على القطاع. وهو تطبيع بين دول عربية والدولة العبرية، وليس بين شعوب هذه الدول والشعب الإسرائيلي.

 

وهناك أمثلة مشابهة من التاريخ غير البعيد. إنّ غياب العمل العربي الجماعي في مواجهة ما تقترفه إسرائيل، سيكون مدمّراً على دول الجامعة العربية، التي لم تعد تمتلك الّا العنوان والمقر والمكاتب، وتفتقر إلى الامكانات، لا لعلة فيها، بل لأنّ المعنيين هم على تباين في الرأي والرؤية، وعاجزون عن صوغ خطة عربية موحّدة لمواجهة التحدّيات التي تفرضها عليهم إسرائيل. من هنا يبرز دور النخب السياسية والفكرية والثقافية العربية في بلورة تصور جديد، يساعد الدول في الخروج من مربع الحيرة، والتردد، ورسم ملامح المرحلة المقبلة بحبر المصلحة الاستراتيجية العربية الشاملة، لضمان وجودها وتثبيت حضورها في المعادلات الدولية والإقليمية التي تنطلق كالمحادل، آخذة في طريقها كل من ليست له القدرة على إيقافها عند حدود مصالحه الوطنية والقومية.

theme::common.loader_icon