كانت حملة البرازيل في تصفيات كأس العالم 2002 تُشعر، في ذلك الوقت، وكأنّها وصلت إلى أدنى نقطة ممكنة.
تنقّل الاتحاد بين 4 مدرّبين مختلفين خلال 4 سنوات، استدعوا 104 لاعبين مختلفين. خسرت البرازيل أمام الإكوادور، باراغواي، بوليفيا وتشيلي السيئة للغاية. لم تفشل البرازيل يوماً - ولا تزال - في التأهّل إلى كأس العالم، لكنّ الاحتمال بقيَ قائماً حتى المباراة الأخيرة. الفوز على فنزويلا أنقذ ماء الوجه في النهاية، لكنّه كان على الحافة.
فحملة التصفيات المؤهلة إلى كأس العالم 2026، التي اختُتمت الليلة الماضية بخسارة 1-0 أمام بوليفيا، لم تكن سيّئة إلى ذلك الحدّ. بل كانت أسوأ.
خسر «سيليساو» 6 مباريات أمام 5 منتخبات مختلفة. تعرّض إلى هزيمة على أرضه في التصفيات للمرّة الأولى في التاريخ. الأرجنتين سحقته في بوينس آيرس. وأنهى المجموعة المكوّنة من 10 منتخبات في المركز الخامس برصيد 28 نقطة من 18 مباراة. إنّه أقل رصيد له على الإطلاق في هذا النظام من التصفيات.
وستكون البرازيل ممتنّة لقرار الـ»فيفا» توسيع كأس العالم إلى 48 منتخباً ابتداءً من الصيف المقبل، ممّا رفع عدد المقاعد المؤهلة مباشرة عن أميركا الجنوبية من 4 إلى 6؛ وفق النظام القديم، كانت ستّتجه إلى ملحق قاري وإلى أكبر أزمة وجودية يمكن تخيّلها. أمّا الآن، فالإحباط واليأس يتسرّبان ببطء.
أولاً، نتيجة بوليفيا هي أقل ما يُقلق البرازيل. المباراة جرت في إل ألتو، على ارتفاع يزيد عن 4000 متر فوق سطح البحر. بوليفيا لم تخسر يوماً مباراة تصفيات هناك. كارلو أنشيلوتي أجرى 9 تغييرات على التشكيلة التي هزمت تشيلي 3-0 قبل 5 أيام فقط. حصلت بوليفيا على ركلة جزاء مثيرة للجدل وسهلة للغاية.
أوضح أنشيلوتي متجاهلاً القلق: «هذه المباراة كانت استثناء بكل معنى الكلمة»، وأعطى انطباعاً واضحاً بأنّه لا ينوي أن يُضيّع الكثير من النوم بسببها. وربما يكون ذلك نهجاً عقلانياً بالنظر إلى حجم القضايا الأخرى المطروحة أمامه.
نحن على بُعد 9 أشهر من كأس العالم، ولا يزال أنشيلوتي في مرحلة استكشاف مهامه. أشرف على 4 مباريات فقط. الأولتان (تعادل سلبي مع الإكوادور وفوز صعب 1-0 على باراغواي) كانتا محبطتَين، لكنّهما جاءتا بعد فترة قصيرة جداً من تولّيه المهمّة، بالتالي لم يكن من العدل استخلاص استنتاجات قوية. كانت مباراة تشيلي أكثر إيجابية، لكنّ تشيلي سيّئة للغاية. ثم جاءت مباراة بوليفيا اللاهثة، أشبه بمعسكر تدريبي على المرتفعات أكثر منها مباراة كرة قدم.
حتى من دون هذه المبرّرات، لا يوجد الكثير ليُبنى عليه؛ ومعها، يُصبح الأمر بلا قيمة تقريباً. بالكاد وجد أنشيلوتي وقتاً ليتعرّف على الأجواء، ناهيك عن تشكيلة فريق على صورته.
وليس هذا انتقاداً للإيطالي، بل انعكاس للوضع الذي أُلقيَ فيه. فقد أمضى الاتحاد البرازيلي 3 سنوات يتخبّط مع رامون مينيزيس وفرناندو دينيز ودوريفال جونيور، مضيّعاً الجزء الأكبر من التحضير للمونديال. بالطبع لا توجد هوية واضحة. كيف يمكن أن توجد أصلاً؟
الجدول الزمني يزيد الأمور وضوحاً. البرازيل لن تلعب أي مباراة رسمية قبل مباراتها الافتتاحية في كأس العالم. ستواجه كوريا الجنوبية واليابان الشهر المقبل، ومن المتوقع أن تبرمج مباراتَين مع منتخبَين إفريقيَّين في تشرين الثاني، لكنّ الخصوم المفضّلين (المنتخبات الأوروبية الكبرى) غير متاحين قبل آذار. وبالنظر إلى أنّ المنتخبات الأوروبية أخرجت البرازيل من آخر 5 نسخ للمونديال، يمكن فهم التفضيل، وكذلك الإحباط.
على أرض الملعب، ما زالت نقاط الضعف التي كانت ظاهرة قبل وصول أنشيلوتي موجودة. لا يوجد أظهرة من المستوى الأول. الوسط يبدو ضعيفاً أمام المنافسين الكبار. كاسيميرو، الذي استدعاه أنشيلوتي، قد يمنح بعض الأمان الدفاعي، لكنّه تخطّى أفضل مستوياته بكثير. برونو غيمارايش لعب جيداً أمام تشيلي، لكنّ مستواه تأرجح بشكل كبير خلال العام الماضي.
ومع ذلك، هناك بعض أسباب التفاؤل. بعد فترة جفاف، بدا فجأةً أنّ البرازيل تملك وفرة من المهاجمين: جواو بيدرو وماتيوس كونيا يقدّمان مستويات جيدة ويوفّران ميزة اللعب في مراكز أعمق إذا لزم الأمر؛ ريتشارليسون يبدو مركّزاً وجاهزاً بدنياً مجدّداً بعد فترة إعداد كاملة مع توتنهام. كما استُخدِم فينيسيوس جونيور كمهاجم صريح في فترة التوقف الدولي الأخيرة، وهي خطوة تشير إلى أقصى ما يمكن أن يصل إليه أنشيلوتي البراغماتي من «رؤية كبرى».
وفي الأدوار المساندة، الخيارات كثيرة أيضاً. رافينيا سيبدأ بلا شك، لكنّ إستيفاو، لويس هنريكي وغابرييل مارتينيلي أثبتوا حضورهم. لوكاس باكيتا عاد. رودريغو وسافينيو قد يعودان إلى الحسابات. وهناك دائماً الزر الأحمر الكبير المسمّى «نيمار».
بمجرّد قراءة هذه القائمة من الأسماء، يمكن تفهّم سبب حرص أنشيلوتي على الحديث أخيراً عن حجم المواهب المتاحة لديه، معتبراً أنّ «البرازيل تملك 70 لاعباً يمكن أن يذهبوا إلى كأس العالم»، وهي جملة أثارت ضجة في موطنه الجديد.
قد تكون هذه في الواقع أكبر مهام أنشيلوتي. فكرة القدم البرازيلية، على رغم من ثقتها المفرطة أحياناً، هشة أيضاً لأنّ الإخفاقات المتكرّرة للمنتخب خلال العقدَين الماضيَين استنزفت رصيد الثقة. حتى مع بروز البرازيليِّين في المسابقات الأوروبية الكبرى، هناك قلق دائم بشأن حالة «خزان المواهب».
ربما لا يملك أنشيلوتي الوقت الكافي لصياغة فريق مثالي. لكنّه يستطيع، على الأقل، رفع المعنويات، وبث بعض الإيمان في المشروع بأكمله. كان تعليق «الـ70 لاعباً» خطوة ذكية، وأقرب إلى مدرسة الكاريزما. تصريحه الهادئ بعد مباراة بوليفيا أضاف نقاطاً أخرى: «أعتقد أنّنا سنكون في حالة جيدة في كأس العالم. لديّ ثقة كاملة». فالمفاجآت ممكنة دائماً. فقط انظروا إلى ما حدث في كأس العالم 2002.