لطالما اعتُبر الدماغ البشري عاجزاً عن التعافي بعد السكتة الدماغية أو إصابة قوية، بخلاف العظام أو الكبد القادرين على التجدّد. لعقودٍ، سيطر ما سمّاه الأطباء بـ»العدمية العصبية»، أي الاكتفاء بالتشخيص والانتظار، فيما يُترك المريض لمصيره وإرادته في العلاج الفيزيائي. لكن تطوّرات علمية حديثة بدأت تهزّ هذا الاعتقاد الراسخ.
في آذار 2024، استفاقت ديبرا ماكفيان في أحد مستشفيات كالغاري، لتكتشف أنّ نصف جسدها الأيسر مشلول. جلطة دموية قطعت الأوكسجين عن جزء من دماغها، ولم يستطع الأطباء أن يقدّموا أي توقع واضح لمسار تعافيها.
بعد أيام، أُبلغت عن تجربة سريرية لحبوب دواء يُدعى «مارافيروك»، طُوّر أساساً لعلاج فيروس نقص المناعة (الإيدز)، لكنّ الدراسات أشارت إلى إمكانية مساعدته الدماغ في إعادة بناء شبكاته العصبية.
تردّدت بداية بسبب حجم الحبوب، لكنّها قرّرت المشاركة: «لم أرد أن أبقى في كرسي متحرّك طوال حياتي».
هذه التجربة لم تأتِ من فراغ. أمضى الطبيب توماس كارمايكل، رئيس قسم الأعصاب في جامعة كاليفورنيا - لوس أنجلوس، سنوات في تحدّي المقولة الكلاسيكية لعالم الأعصاب الشهير سانتياغو رامون كاخال عام 1928، بأنّ الدماغ البالغ «مساراته ثابتة لا تتجدّد».
فخبرته في مراكز إعادة التأهيل أظهرت أنّ مرضى السكتات قادرون على استعادة بعض القدرات تدريجاً، ما يُشير إلى أنّ الدماغ يملك آليات كامنة لإعادة التنظيم. وكشفت أبحاثه أنّ الخلايا العصبية السليمة قد تُطلق امتدادات جديدة تُعيد ربط المناطق المعزولة، ولو بشكل محدود.
لكن لماذا يتوقف هذا التعافي عند حدود معينة؟ هنا جاء الاكتشاف المفصلي عام 2015: الجين CCR5 الذي ينشّط جهاز المناعة بعد الإصابة، يتبيّن أنّه يضع حداً لمرحلة اللدونة الدماغية.
أي أنّ الدماغ نفسه يغلق نافذة التجدّد مبكراً. تجارب على فئران تفتقد هذا الجين، أظهرت قدرة أعلى على التعافي، كما بيّنت دراسات لاحقة على مئات المرضى أنّ حاملي الطفرات في هذا الجين يتفوّقون في الذاكرة والانتباه بعد السكتة.
الصدفة لعبت دوراً آخر. فدواء «مارافيروك»، الذي طوّرته شركة «فايزر» قبل نحو عقدَين لمنع فيروس الإيدز من دخول الخلايا عبر مستقبل CCR5، قد يكون المفتاح لإطالة فترة التعافي العصبي. وأظهرت دراسات مخبرية ثم أبحاث سريرية أولية، أنّ الدواء يعزّز إعادة تشكّل الروابط العصبية ويحسن استعادة الحركة واللغة.
صحيحٌ أنّ الدواء ليس مثالياً، إذ يخترق الحاجز الدموي الدماغي بجرعات محدودة، لكن مجرّد إثبات إمكانية التدخّل الدوائي لفتح نافذة تجدّد الدماغ يمثّل ثورة في الطب العصبي.
المستقبل، كما يرى كارمايكل وزملاؤه، قد يحمل «حبوب إعادة التأهيل العصبي» التي تُكمل دور العلاج الفيزيائي وتعيد الأمل لملايين المرضى.