أخصائية تغذية
أيلول هو شهر عالمي للتذكير بمخاطر السمنة لدى الأطفال، لكنّ الواقع اللبناني يتجاوز مجرّد التنبيه. فالأرقام تشير إلى أزمة متفاقمة تستدعي تحرّكاً عاجلاً.
بحسب منظمة الصحة العالمية، بلغت نسبة الأطفال والمراهقين الذين يعانون من السمنة في لبنان عام 2022 نحو 18,6%، وهي من الأعلى في المنطقة.
وإذا أُضيفت نسبة مَن يعانون من زيادة الوزن، يتبيّن أنّ أكثر من ثلث الأطفال اللبنانيِّين معرّضون لمخاطر صحية جدّية، في ظل دراسات وطنية سابقة أظهرت أنّ السمنة تجاوزت 13% وزيادة الوزن لامست 38%.
أسباب تفاقم الظاهرة
تتشابك عوامل محلية وعالمية لخلق هذا الواقع.
فالنظام الغذائي اللبناني التقليدي، القائم على الخضار والحبوب والبقوليات، تراجع أمام أنماط غربية تعتمد على الوجبات السريعة والمشروبات الغازية والأطعمة المصنّعة.
ومع الأزمة الاقتصادية، أصبحت الخيارات الغذائية محدودة وأكثر مَيلاً للأطعمة الرخيصة ذات القيمة الغذائية المتدنية. يُضاف إلى ذلك الإفراط في الجلوس أمام الشاشات وغياب المساحات العامة الآمنة، ما قلّص النشاط البدني للأطفال.
كما تلعب الإعلانات الغذائية غير المنظّمة دوراً في تعزيز استهلاك المنتجات الغنية بالسكّر والدهون. والأخطر أنّ كثيراً من الأهالي لا يدركون أصلاً أنّ أبناءهم يعانون من وزن زائد، بل يعتبرونه «وزن صحة»، ما يُعيق التدخّل المبكر.
المدرسة: مساحة للتغيير
تلعب المدرسة دوراً أساسياً في التصدّي لهذه الظاهرة. فقد أظهر برنامج Health-E-PALS، الذي نُفّذ في بعض المدارس اللبنانية، نجاحاً في رفع الوعي الغذائي وتشجيع النشاط البدني. وذلك، عبر إدخال التربية الغذائية والرياضة في المناهج اليومية خطوة أساسية، إلى جانب توفير وجبات مدرسية صحية كالسندويشات المصنوعة من خبز القمح الكامل مع الخضار، والعصائر الطبيعية من دون سكر، والوجبات الخفيفة المغذية مثل المكسرات أو الخضار المقطعة.
خيارات منزلية بديلة
المنزل هو نقطة البداية. تحضير وجبات خفيفة مغذية مثل الخضار والفاكهة الطازجة مع اللبنة أو الحمص، المكسرات غير المملّحة مع الفواكه المجففة، أو المخبوزات المنزلية المصنوعة من دقيق القمح الكامل، يمكن أن يشكّل بدائل عملية للحلويات والوجبات المصنّعة.
كما أنّ تقديم الزبادي الطبيعي أو فطائر صغيرة من الزعتر والجبنة قليلة الدسم يساعد في ترسيخ عادات غذائية صحية.
الأسرة: خط الدفاع الأول
يلعب الأهل دوراً محورياً في غرس العادات السليمة. وتؤكّد الدراسات أنّ إشراك الأهل مباشرة في برامج التوعية مع اختصاصيّي التغذية يؤدّي إلى نتائج أفضل في ضبط الوزن وسلوكيات الأكل.
فاستعادة المطبخ اللبناني التقليدي الغني بالألياف وقليل الدهون مثل المجدّرة، التبّولة، الفتوش، والفاصوليا، هو خيار عملي وصحي. كذلك، فإنّ تقليص وقت الشاشة وتشجيع أنشطة عائلية بسيطة كالمشي أو ركوب الدراجة يمكن أن يُحدث فرقاً ملموساً.