ماذا يحدث لعقلك عندما تتقاعد؟
ماذا يحدث لعقلك عندما تتقاعد؟
Monday, 01-Sep-2025 06:34

يمثل التقاعد محطة مفصلية في حياة الإنسان، فهو انتقال من روتين يومي مليء بالعمل والتحدّيات إلى فراغ واسع يمكن أن يكون نعمة أو نقمة.

على رغم من أنّ هذه المرحلة قد تبدو استراحة مستحقة بعد سنوات طويلة من الجهد، إلّا أنّ الدراسات تشير إلى أنّها قد تحمل مخاطر على صحة الدماغ، مثل التدهور الإدراكي والاكتئاب، ما لم تُدار بوعي وتخطيط.

تأثيرات التقاعد على الإدراك والمزاج
خلال سنوات العمل، يبقى العقل في حالة استنفار دائم بفعل التواصل الاجتماعي والتحدّيات الذهنية اليومية. ومع توقف هذه الأنشطة فجأة، يبدأ الدماغ بالتكيّف مع قلة الاستخدام، وهو ما قد يفتح الباب أمام التراجع الطبيعي في القدرات العقلية.
أظهرت أبحاث أوروبية واسعة أنّ الذاكرة اللفظية تنخفض بشكل أسرع بعد التقاعد مقارنةً بفترة العمل، بينما أشارت دراسات أخرى إلى أنّ بعض المهارات، مثل التفكير التجريدي، لا تتأثر بالقدر عينه. كما رُبط التقاعد المفاجئ بزيادة أعراض الاكتئاب وفقدان الإحساس بالقيمة الذاتية.
وتتباين التأثيرات تبعاً لطبيعة العمل السابق. فالأشخاص الذين شغلوا مناصب عليا قد يواجهون تراجعاً أكبر لارتباط هويّتهم العميق بوظائفهم.
في المقابل، المتقاعدون مبكراً أو الذين مارسوا أعمالاً أقل تطلّباً قد يختبرون انحداراً تدريجياً أقل حدّة. كما أنّ النساء غالباً ما يحافظن على نشاط اجتماعي وعائلي بعد التقاعد، ما يحميهنّ نسبياً من التدهور الإدراكي.

أهمية التخطيط المبكر
يتفق الخبراء على أنّ التقاعد لا ينبغي أن يُترك للصدفة، بل يستلزم تخطيطاً مسبقاً. فالانتظار حتى آخر لحظة لاتخاذ القرارات يجعل التكيّف أصعب. من الأفضل إدخال أنشطة جديدة قبل سنوات من التوقف عن العمل، سواء عبر ممارسة الرياضة، تعلّم هواية، أو الانخراط في أنشطة اجتماعية. الهدف هو الانتقال بسلاسة من نمط حياة قائم على العمل إلى آخر غني بالنشاطات.

البحث عن غاية جديدة
قد يترك فقدان الدور المهني فراغاً كبيراً في حياة المتقاعد، لذلك من الضروري إيجاد غاية بديلة تمنح معنى للحياة. وتشير الأبحاث إلى أنّ الأشخاص الذين يحتفظون بإحساس واضح بالهدف يعانون تدهوراً أقل في القدرات الذهنية مع التقدّم في العمر. على سبيل المثال، أثبت التطوّع فعاليّته في إبطاء الشيخوخة البيولوجية وتعزيز النشاط العقلي، فضلاً عن منح شعور بالإنجاز والانتماء.

الحفاظ على الروابط الاجتماعية
العزلة الاجتماعية من أبرز التحدّيات التي يواجهها المتقاعدون، وقد تؤدّي إلى الاكتئاب وتراجع الإدراك وحتى الوفاة المبكرة. لذلك، لا بُدّ من تعويض غياب العلاقات المهنية ببدائل اجتماعية منتظمة، سواء عبر لقاءات مباشرة أو افتراضية. وتُعدّ الأنشطة التي تشجع على التفاعل الفكري، مثل أندية القراءة أو النقاشات الثقافية، أكثر فائدة من التسلية السلبية كالتلفاز أو الاستماع السلبي لوسائل الإعلام.

الانفتاح على تجارب جديدة
إبقاء الدماغ نشطاً لا يقتصر على العمل وحده. فممارسة الإبداع (سواء بالكتابة، تجربة وصفات جديدة، أو الانخراط في الفنون) تساهم في تحفيز القدرات العقلية وتعزيز الإحساس بالمعنى. كذلك، تبقى الرياضة عنصراً أساسياً للحفاظ على صحة الدماغ والجسم معاً.

theme::common.loader_icon