إعادة بناء أكاديمية أياكس على صورة كرويف
إعادة بناء أكاديمية أياكس على صورة كرويف
جاكوب وايتهيد- نيويورك تايمز
Saturday, 30-Aug-2025 07:17

يُشير جاسبر فان ليوين إلى أنّ «الناس كانوا يظنّون، عندما بدأ مشروع كرويف، أنّ لا أحد يهتم بعد الآن إذا فازت فرق الفئات العمرية الصغرى. هذا غير صحيح. إذا دخلت بوابات أياكس كلاعب، فعليك أن تريد الفوز. هذا يجب أن يكون في حمضك النووي. لكن أنت كمدرب، لا يجب أن تفعل كل ما بوسعك للفوز بالمباراة. أتذكّر أنّني كنت أمزح مرّة مع مدرب تحت 15 عاماً. قلتُ له: «انظر، إذا كان لقب بطل تحت 15 بهذه الأهمية، فلماذا لا يظهر في الصحف أبداً؟. لن يظهر أبداً لأنّه غير مهمّ. قد يكون مهمّاً لك، لكنّه ليس كذلك للعالم بأسره. المهمّ هو أن تطوّر الموهبة الاستثنائية في فريقك. إذا نجحت في ذلك، فسيملأ هو الصحف. هذا هو دورك في الأكاديمية».

من خلال محادثات كهذه، يتضح لماذا كانت معركة إصلاح أكاديمية أياكس معركة من أجل روح العملاق الهولندي. بعدما استعاد الأسطورة يوهان كرويف وأتباعه السيطرة على «دي توكوومست» (المستقبل) عام 2011، بدأوا العمل مع جيل من اللاعبين الشباب الذين أصبحوا اليوم في ذروة مسيرتهم.

 

قد يكون مضى نحو عقد منذ رحيل كرويف بسبب سرطان الرئة، لكنّ إرثه ما زال حيّاً بقوة. كتب كرويف عبارته الشهيرة في صحيفة «دي تليغراف» في أيلول 2010، عقب الهزيمة 2-0 أمام ريال مدريد: «هذا لم يَعُد أياكس». خلال عام واحد فقط، أدّى تعقيد الهيكل الإداري للنادي، إلى جانب تضارب وجهات النظر بشأن مستقبل الفريق، إلى نزاعات وصلت إلى المحاكم، فحاول كرويف منع تعيين لويس فان غال مديراً للنادي.

 

يشرح روبن يونغكيند، أحد المقرّبين من كرويف والركيزة الأساسية في الأكاديمية: «أياكس شركة مدرجة في البورصة، وجمعية تضمّ مئات الأعضاء، كثيرٌ منهم في النادي منذ زمن طويل، وكلّهم يحملون الشغف. لكنّ الهيكل يجعل الأمور صعبة في الإدارة. لأنّهم لا يتفقون جميعاً على الاتجاه. وكان المال مشكلة كبيرة، فلم يكن هناك مجال لتحسين تدريجي أو تغييرات صغيرة. كان الوضع إمّا أن تُصلِح أو أن يستمر أياكس في المعاناة. وكانت هذه الصدمة الإصلاحية تولّد مقاومة».

 

كان محوَر شكوى كرويف اعتقاده أنّ الأكاديمية لم تعُد تُنتِج مواهب عالمية المستوى، والنادي عالق في جمود، قادر على الفوز بالدوري أحياناً، لكنّه بلا وزن حقيقي على الساحة الكبرى.

 

بعد أن أقنعوه بالعودة من برشلونة عام 2011، بدأ كرويف يعمل مع مدرّبين وإداريِّين متوافقين معه لتطبيق إصلاحات جذرية، مستفيداً من خبراته الأسطورية كلاعب ومدرب.

 

أحد هؤلاء كان يونغكيند، الذي تخصّص في البداية في تدريب ألعاب القوى، ثم التحق بأياكس لتحسين القوة والانفجار البدني للاعبي الأكاديمية. أمّا فان ليوين، فجاء لاحقاً مستشاراً، بدأ بتقييم هياكل الأكاديمية، قبل أن يُصبح مسؤول استقطاب المواهب.

 

بالهاتف، وضع كرويف مع يونغكيند ورئيس الأكاديمية ويم يونك خطة إصلاح، خطّوها على ورق حائط من شقة مستأجرة عبر Airbnb، قبل عرضها على مسؤولي النادي، ومن بينهم ماركو فان باستن، دينيس بيركامب، وفرانك ريكارد.

 

يتذكر يونغكيند: «ذهبتُ مع ويم لشرب قهوة قبل لقاء كل هؤلاء النجوم وكرويف. وبينما نسير في الشارع قلتُ: ويم، هل أحضرت الخطة؟ فردّ: لا، وأنت؟ اكتشفنا أنّنا تركناها في المقهى. عدَوتُ مسرعاً وأحضرتها، ولحسن الحظ كانت لا تزال هناك».

 

كان غياب نادل متحمّس كفيلاً بتغيير مسار أياكس. في ختام مناقشات استمرّت أشهراً، حصل كرويف وأتباعه على اتفاق: السيطرة على الأكاديمية، مع زيادة ميزانيتها بنسبة 25%.

 

يشرح فان ليوين: «كان ذلك مثيراً للجدل. لكن بحسب طريقة الحساب، فإنّ مبيعات اللاعبين الذين تخرّجوا من الأكاديمية تجاوزت 400 مليون يورو. وبما أنّ ميزانيتنا بلغت نحو 8 ملايين فقط، يمكنك تخيّل العائد الاستثماري».

 

لكن آنذاك، لم يكن أياكس الذي يعرفه الجميع. كانت كرة مارتن يول مملة، واللاعبون البارزون الذين خرجوا خلال العقد السابق اقتصروا على دالي بليند، يان فيرتونغن، وكريستيان إريكسن. يُضيف يونغكيند: «كان السؤال: كيف يمكننا استعادة أسلوبنا الهجومي؟ عامل كبير بالنسبة لنا كان اختفاء كرة الشارع، فالمستوى الفني والبدني والذهني تغيّر مقارنة بالسبعينات والثمانينات وبداية التسعينات. لذا كان علينا إعادة تعريف نموذجنا القديم لكرة القدم الجميلة وإعادة ابتكاره في المجتمع الجديد».

 

إحدى أولى القضايا التي عالجوها كانت هيكل الأكاديمية. تقليدياً، كان المدربون يتقاضون رواتب تصاعدية: يحصل مدربو الفئات العمرية الأكبر (مثل تحت 16 عاماً) على راتب أعلى من مدربي تحت 9 سنوات.

 

ويُتابع يونغكيند: «برأيي في التطوير، كان هذا غير منطقي تماماً. إذا كان ثمة فارق، فهو يجب أن يكون بالعكس. في التطوّر البشري، ما هي أهم سنوات حياتك؟ من الولادة حتى السادسة، حين يتشكّل الدماغ. عقولهم أكثر مرونة وقابلية لامتصاص المعلومات. في النهاية، كل سنة مهمّة. لذا تساءلنا: لماذا يحصل مدرب -19 على 3 أضعاف راتب مدرب -7 أو -8؟ هذا خلق حلقة مفرغة من التفكير القائم على الأداء. كيف أُثبِت أنّني مدرب جيد؟ بالفوز، بلعب أفضل اللاعبين في أفضل المراكز. ثم أترقّى. لكنّ الجميع يُريد أن يكسب أكثر لقاء العمل عينه. لذلك، كسرنا هذه الحلقة وقرّرنا أن يتقاضى الجميع الراتب عينه».

 

أجزاء أخرى كانت عملية أكثر من كونها فلسفية. ضمن شبكة الكشافة، كان النموذج القديم المعروف باسم TIPS (المهارات التقنية، الذكاء، الشخصية، والسرعة) بحاجة إلى تحديث. الكثير من أفكار كرويف كانت حبيسة رأسه فقط.

 

يشرح فان ليوين: «كان علينا تحويلها إلى منهجية قابلة للتطبيق. عندما دخلتُ نظام الشباب في أياكس، فوجئتُ قليلاً بأنّنا نستخدم ملف Excel قديماً ضخماً يحوي أسماء 1200 لاعب من أنحاء هولندا».

 

كان دي يونغ مجرّد مثال على نجاحات أياكس مع اللاعبين الناضجين متأخّراً. فقد لاحظ المدربون وجود «تأثير العمر النسبي» في الأكاديمية، أي كثرة تمثيل اللاعبين الأكبر سناً والأكثر نضجاً جسدياً ضمن كل فئة عمرية، حتى وصلت النسبة في وقت ما إلى 70% من مواليد النصف الأول من العام.

 

إحدى طرق المواجهة كانت بتغيير البنية. بدلاً من تنظيم كل شيء وفقاً للفِرق الفردية (-10، -11...)، أصبح اللاعبون يُعتبرون ضمن مجموعات أوسع: 6-9 سنوات، 9-12، 12-15، 15-18. وعلى رغم من أنّهم لعبوا في مسابقاتهم الخاصة أيام العطلة، إلّا أنّ فلسفة التدريب باتت قائمة على هذه الفئات الأوسع.

 

كان التحدّي الآخر: كيف تختبر الناضجين مبكراً؟ يشرح فان ليوين: «أحد الأمثلة هو راين خرافنبرخ الذي كان في أكاديمية أياكس منذ صغره، وكان لاعباً مذهلاً. أطلقنا عليه لقب الثعبان، لطريقته في التحرّك، كان طويلاً نسبياً وذو نضج بدني. لكنّه لم يكن يتغلّب على الخصوم بقوّته، بل بسلاسته ولمساته الحريرية. لكنّ الجميع رأى موهبته، لذلك تلقّى الكثير من الضجة الإعلامية، وأحياناً مرّت تجربته في الأكاديمية بسهولة. لذا لم يواجه صعوباته إلّا حين لعب مع يونغ أياكس، ومع الفريق الأول، مرّ بلحظات صعود وهبوط».

 

تغيّرت مراكز بعض الناضجين مبكراً لصقل جوانب أخرى من لعبهم. الإخوة تيمبر (يورين وكوينتن) مثال على ذلك، إذ جرى استقطابهما من فيينورد لتنمية مهاراتهما بالكرة. اعتادا اللعب معاً في قلب الدفاع، نادراً ما يتعرّضان إلى الاختبار. لكنّ المثال الأوضح كان ماتياس دي ليخت.

 

اليوم، يُنظر إلى أياكس باعتباره نموذجاً نادراً في الكرة الأوروبية: نادٍ لا يملك إمكانيات مالية خارقة، لكنّه قادر على الصمود والمنافسة بفضل فلسفة راسخة.

 

إنّها فلسفة تعود إلى يوهان كرويف، الرجل الذي لم يكتفِ بتغيير أسلوب اللعب، بل زرع في النادي فكرة أنّه لا بُدّ أن يكون مختلفاً، أن يلعب بطريقته الخاصة، وأن يظل وفياً لجوهره مهما تغيّرت الظروف.

 

وهكذا، فإنّ أياكس الذي شاهدناه يُعيد اكتشاف نفسه في السنوات الأخيرة، ليس سوى استمرار لدرس قديم علّمه كرويف للعالم: كرة القدم لا تعني فقط الفوز، بل تعني كيف تفوز، بأي أسلوب، وبأي رؤية.بدلاً من تنظيم كل شيء وفقاً للفِرق الفردية (تحت 10، تحت 11)، أصبح اللاعبون يُعتبرون ضمن مجموعات أوسع: 6-9 سنوات، 9-12، 12-15.

theme::common.loader_icon