لمعركة الناجيات من سرطان الثدي.. درع جديد للمواجهة
لمعركة الناجيات من سرطان الثدي.. درع جديد للمواجهة
ساندي بو يزبك

أخصائية تغذية

Tuesday, 19-Aug-2025 07:03

بعد انتهاء رحلة العلاج من سرطان الثدي، تواجه الناجيات تحدّيات طويلة الأمد لا تقتصر على الجانب النفسي بل تمتد إلى الجسدي أيضاً. فالعلاجات الكيميائية والإشعاعية تترك آثاراً جانبية مثل فقدان الكتلة العضلية وزيادة نسبة الدهون وضعف اللياقة العامة.

مع تزايد الاهتمام بتحسين نوعية الحياة بعد العلاج، برزت التمارين الرياضية كأداة علاجية تكميلية، ليس فقط لتعزيز اللياقة، بل أيضاً للتأثير على مسارات بيولوجية مرتبطة مباشرة بالسرطان.

 

يرتبط التحوّل الأساسي في فهم دور التمارين بمفهوم «الميوكينات»، وهي بروتينات تفرزها العضلات أثناء الانقباضات وتعمل كرسائل بيولوجية تربط العضلات بأعضاء أخرى كالكبد والجهاز المناعي والدهون.

 

وقد أثبتت أنّها تُقلّل الالتهاب، تساعد في حرق الدهون، وتحدّ من نمو الخلايا السرطانية.

 

أكّدت دراسة نشرتها مجلة Breast Cancer Research and Treatment هذه الفرضية عبر تجربة شملت 32 ناجية من سرطان الثدي.

قُسّمت المشاركات إلى مجموعتَين: الأولى أدّت تمارين مقاومة مثل الضغط ورفع الأوزان، والثانية مارست تمارين متقطعة عالية الشدّة على أجهزة المشي والدراجات.

 

النتيجة كانت مدهشة: كلا النمطَين من التمارين رفع مستويات الميوكينات في الدم بشكل ملحوظ. والأهم أنّ عيّنات الدم المأخوذة بعد التمارين أظهرت قدرة على كبح نمو خلايا سرطان الثدي في المختبر بنسبة 20 إلى 30%.

 

حتى الخلايا السرطانية الأكثر عدوانية، مثل سرطان الثدي الثلاثي السلبي، أبدت استجابة واضحة لهذا التأثير.

مع ذلك، شدّد الباحثون على ضرورة التعامل مع هذه النتائج بتفاؤل حذر. فهي تكشف تأثيراً حاداً بعد جلسة واحدة، لكن لا يمكن اعتبارها علاجاً نهائياً.

 

أمّا عن سبب اعتماد الباحثين على تمارين المقاومة والتمارين المتقطّعة عالية الشدّة، فهو أنّ لكل منهما آليات مختلفة: الأولى تزيد الكتلة العضلية وتحفّز مسارات بناء البروتين، فيما تُركّز الثانية على تحسين كفاءة القلب والرئتَين وحرق الدهون.

 

وعلى رغم من اختلاف المسارات، إلّا أنّ كليهما يؤدّي إلى إفراز الميوكينات. وهذا يعزّز فكرة «الوصفة المخصصة للتمارين»، فيختار المريض ما يناسب حالته وتفضيلاته، بدلاً من نمط واحد للجميع.

 

ولا يمكن تجاهل دور التغذية كحليف أساسي. فالأنظمة الغذائية المعتمدة على النباتات والغنية بالفواكه والخضروات والحبوب الكاملة، بالإضافة إلى البروتينات الكافية، تساعد في دعم التأثيرات الإيجابية للتمارين.

 

بعض العناصر الغذائية مثل الكركمين في الكركم، أحماض أوميغا-3، البوليفينولات، وفيتامين D، أظهرت قدرة على تقليل الالتهاب وتحفيز إنتاج الميوكينات، ما يجعلها مكملة مثالية للنشاط البدني.

 

الخلاصة أنّ هذه الدراسة فتحت الباب أمام مقاربة جديدة لرعاية الناجيات من سرطان الثدي، تقوم على دمج التمارين الرياضية والتغذية كجزء من العلاج التكميلي.

 

العضلات لم تَعُد مجرّد وسيلة للحركة، بل غدت جهازاً نشطاً يفرز جزيئات قادرة على محاربة السرطان. وعلى رغم من أنّ الطريق لا يزال طويلاً لإثبات الفعالية السريرية على المدى البعيد، إلّا أنّ ما تحقق حتى الآن يمنح أملاً كبيراً في مستقبل تتكامل فيه العلوم الطبية مع أنماط الحياة الصحية في مواجهة هذا المرض.

theme::common.loader_icon