علاقة ترامب ببوتين على المحك في قمة ألاسكا عالية المخاطر
علاقة ترامب ببوتين على المحك في قمة ألاسكا عالية المخاطر
بيتر بيكر- نيويورك تايمز
Friday, 15-Aug-2025 06:43

لطالما أحجم الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن توجيه انتقادات لاذعة لشخص الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على رغم من شكاواه الأخيرة من تصلّب روسيا في إنهاء الحرب في أوكرانيا.

بينما كان الرئيس ترامب يتطلّع هذا الأسبوع إلى اجتماعه البارز والخطير مع الرئيس بوتين، توقف لحظة للتأمّل في العلاقة الغامضة والمرتبكة بين الرجلَين: «انسجمتُ جيداً مع بوتين».
المثير للاهتمام أنّه استخدم صيغة الماضي. فعلى مدى الأسابيع القليلة الماضية، أبدى ترامب إحباطاً نادراً من رفض الزعيم الروسي التوصّل إلى سلام في أوكرانيا. لكنّ ترامب، عندما توسع في الشرح أوائل هذا الأسبوع، بدا متحمّساً للعودة إلى صيغة الحاضر حين يجلس الرجلان معاً في ألاسكا اليوم الجمعة.


إنّ مَيل ترامب نحو الحاكم الحديدي للكرملين حيّر كثيراً من الأوساط السياسية والديبلوماسية على مدى العقد الماضي، متحدّياً المسلّمات، مثيراً التحقيقات، معيداً تشكيل الانتخابات، وقالباً التحالفات. والآن، تواجه هذه العلاقة اختبارها الأهم، بينما يسعى ترامب إلى التوسط لوقف الحرب في أوكرانيا: فهل هو مستعد لممارسة ضغط جاد على نظيره الروسي؟ هل سيتمكن بوتين مجدّداً من استمالة الرئيس إلى وجهة نظره؟ أم أنّ صداقتهما تمرّ فعلاً بمرحلة انهيار؟


على رغم من شكاواه الأخيرة من تصلّب الموقف الروسي ومطالبته بإنهاء الحرب، لا يزال ترامب يتجنّب توجيه انتقادات حادة لشخص بوتين، مفضّلاً استخدام عبارات مثل «مُحبط» و«غير سعيد». وبدلاً من ذلك، صوّب أشدّ هجماته نحو ديمتري ميدفيديف، الرئيس الموقت السابق الذي لجأ إلى خطاب متشدّد، كطريقة لتجنّب استهداف بوتين مباشرةً.


في الأيام الأخيرة، بدا أنّ ترامب يعود إلى موقفه السابق مطلع العام، حين كان يوجّه قدراً أكبر من اللوم على الحرب إلى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، على رغم من أنّ بوتين هو مَن غزا جاره في المقام الأول ورفض المقترحات الأميركية لوقف إطلاق نار غير مشروط.
أوضح جون بولتون، مستشار الأمن القومي لترامب في ولايته الأولى، وأحد منتقديه الآن: «من الواضح أنّ بوتين دفع الأمور أبعد ممّا كان ترامب مستعداً لتحمّله، وهذا يُفسّر سبب سماعنا خلال الشهر أو الأسابيع الستة الماضية مزيداً من التعليقات السلبية عن بوتين. صديقه لا يساعده هنا، إنّه لا يحقق اتفاقاً».


لكنّ بولتون يرى أنّ ترامب لم يتخلَّ عن صديقه. فبدعوَته بوتين إلى الأراضي الأميركية على رغم من العقوبات الأميركية وأمر الاعتقال الدولي الصادر بحقه لارتكاب جرائم حرب، يكون ترامب قد كافأ الزعيم الروسي، وحرّره فعلياً من عزلة دولية فرضها عليه سلفه، الرئيس جو بايدن، وقادة أوروبا.


وأضاف بولتون عن ترامب: «إنّه ببساطة لا يعرف ما يكفي ليتجنّب أن يُخدع. إنّه يُريد أن ينسجم، يظنّ أنّه صديق لبوتين، ولا أعتقد أن ّبوتين يظنّه صديقاً له. بوتين بارد الدم إلى أقصى حدّ».
واعتبر محلّلون مخضرمون في العلاقات الأميركية- الروسية، أنّ تعبير ترامب مؤخّراً عن الإحباط لا يُشير إلى قطيعة حقيقية مع بوتين، على الأقل حتى الآن.


وأوضحت أنجيلا ستنت، مسؤولة الاستخبارات الوطنية عن الشأن الروسي في عهد الرئيس جورج بوش الابن: «لا أعتقد أنّ هناك تحوّلاً جوهرياً في نظرة ترامب إلى بوتين أو في رغبته بتحقيق إعادة ضبط للعلاقة. صحيح أنّه عبّر قبل أسابيع عن إحباط من بوتين وأشاد بزيلينسكي، لكنّ ذلك بدا وكأنّه تبخّر بمجرّد أن أدرك أنّ بوتين لن يوافق على أي شيء قبل الموعد النهائي الذي فرضه ترامب» لوقف إطلاق النار.


ويُشير مايكل ماكفول، السفير الأميركي لدى روسيا في عهد الرئيس باراك أوباما، إلى أنّه لاحظ التحول اللحظي في نبرة ترامب قبل أسابيع: «لكن في الآونة الأخيرة عاد إلى طبيعته السابقة. عاد مجدّداً إلى إلقاء اللوم جزئياً على زيلينسكي في غزو بوتين، ورفض اقتراح زيلينسكي بعقد اجتماع ثلاثي، وبدأ يتحدّث عن أنّ زيلينسكي سيتعيّن عليه تقديم تنازلات كبيرة، من دون أن يقول شيئاً عن التنازلات التي ينبغي على بوتين تقديمها».


ستكون زيارة بوتين إلى ألاسكا أول زيارة له إلى الولايات المتحدة خارج إطار الأمم المتحدة منذ عام 2007، عندما دعاه بوش إلى مجمّع عائلته في كينيبنكبورت بولاية مين. وبعد عدة اتصالات هاتفية ومساعٍ قام بها مبعوثه الخاص ستيف ويتكوف، أعلن ترامب إنّه يُريد الجلوس في غرفة واحدة مع بوتين لكسر الجمود.


وأضاف ترامب مطلع الأسبوع: «الرئيس بوتين دعاني للانخراط. هو يُريد الانخراط. أعتقد، وأؤمن، أنّه يُريد إنهاء الأمر. لقد قلتُ ذلك مرّات عدة، لكنّني شعرتُ بالإحباط، إذ كانت لديّ مكالمة رائعة معه، ثم تُطلق الصواريخ على كييف أو أي مكان آخر، وتجد 60 شخصاً ممدّدين على الطريق يحتضرون».


لكنّ ترامب يعتقد أنّه قادر على إيصال رسالته إلى نظيره الروسي: «سأذهب للتحدّث إلى فلاديمير بوتين، وسأقول له: يجب أن تنهي هذه الحرب، يجب أن تنهيها».
ومع ذلك، سعى هو ومستشاروه إلى تقليل التوقعات بشأن تحقيق اختراق فوري. فقد وصفت كارولين ليفيت، السكرتيرة الصحافية للبيت الأبيض، الاجتماع بأنّه «تمرين استماع بالنسبة إلى الرئيس». وأوضح ترامب الأربعاء، أنّ القرارات الحقيقية ستُتخذ في ما يأمل أن يكون اجتماع متابعة يجمع بين بوتين وزيلينسكي. وأضافت عن اجتماع ألاسكا: «إنّه إعداد الطاولة للاجتماع الثاني». لكنّها شدّدت على أنّه ستكون هناك «عواقب شديدة جداً» إذا لم يوافق بوتين.


يمتد إعجاب ترامب ببوتين لسنوات طويلة قبل تولّيه الرئاسة. فبعد أن اختارت مجلة «تايم» بوتين شخصية العام 2007، أرسل له ترامب رسالة تهنئة مديحية، كتب فيها: «أنا من كبار المعجبين بك!». في ذلك الوقت، كان ترامب، الذي طالما طمح إلى بناء «برج ترامب» في موسكو، يعتمد بشكل متزايد على الأموال الروسية بعدما توقفت البنوك الأميركية عن التعامل معه.


وعندما أحضر مسابقة «ملكة جمال الكون» إلى موسكو عام 2013، كال المديح لبوتين علناً. وكتب على وسائل التواصل الاجتماعي: «هل سيصبح أعزّ أصدقائي الجدد؟». لكنّه قدّم روايات متناقضة عن لقاءاتهما قبل حملته الرئاسية. فبعدما قال مراراً على مرّ السنوات إنّه التقى بوتين و»كانت له علاقة به»، تراجع فجأة خلال حملة 2016، بعدما أصبحت المسألة إشكالية سياسياً: «لم ألتقِ بوتين أبداً، لا أعرف مَن هو بوتين».


وقد شكّل التدخّل الروسي في تلك الحملة لصالح ترامب إحدى القضايا الفاصلة في رئاسته، وهي قضية لا تزال تؤرقه حتى اليوم، إذ يسعى بغضب إلى إعادة كتابة تاريخ تلك المرحلة وتصوير التحقيق الذي تلاها على أنّه «انقلاب» دبّره أوباما. وبينما يصف ترامب المسألة بأنّها «خدعة روسيا»، وثّق المحققون جهوداً روسية منسقة لترجيح كفة الانتخابات واتصالات غير اعتيادية بين موسكو وأشخاص في دائرة ترامب.


فقد التقى نجله وصهره ومدير حملته، أثناء الحملة، روسياً عرضَ تقديم معلومات مسيئة عن خصمته هيلاري كلينتون، وقيل لهم إنّ ذلك «جزء من دعم روسيا وحكومتها لترامب». كما سلّم مدير حملته بيانات داخلية عن استطلاعات الرأي إلى شريك تجاري قديم حُدِّد كعميل استخبارات روسي. وعندما طلب ترامب علناً من روسيا «إذا كنتم تسمعونني» أن تخترق خوادم كلينتون، نفّذ العملاء الروس ذلك خلال ساعات.


لم يثبت التحقيق اللاحق، الذي أجراه المحقق الخاص روبرت مولر، أي تنسيق غير قانوني بين روسيا والحملة، وخلص إلى أنّ «الأدلة لم تكن كافية لتوجيه اتهامات» لأي شخص بالتآمر الإجرامي. أمّا ترامب، فأوضح خلال اجتماع عام 2018 في هلسنكي، أنّه يصدّق نفي بوتين للتدخّل الانتخابي على حساب تقييم وكالات الاستخبارات الأميركية.
منذ عودته إلى البيت الأبيض في كانون الثاني، تبنّى ترامب سياسات لاقت ترحيباً في موسكو. فقد فكّك فعلياً إذاعة «صوت أميركا» والمؤسسة الوطنية للديموقراطية، اللتَين طالما أزعجتا القادة الروس. وقلّص البرامج المخصّصة لمكافحة المعلومات المضلّلة الروسية، التدخّل الانتخابي، انتهاكات العقوبات، وجرائم الحرب.


لم يلتزم ترامب بأي مساعدات عسكرية جديدة لأوكرانيا تتجاوز ما تمّت الموافقة عليه بالفعل في عهد بايدن. لكنّه سمح للدول الأوروبية بشراء أسلحة أميركية لصالح أوكرانيا، وهدّد بفرض رسوم جمركية بنسبة 50% على الهند بسبب شرائها النفط الروسي، بينما لم يفرض عقوبات مماثلة على الصين التي تشتري كمّيات أكبر من الطاقة الروسية.


ويخلص كثير من الخبراء، من الجمهوريِّين والديموقراطيِّين على حدٍّ سواء، إلى أنّ رغبة ترامب في إقامة علاقة وثيقة مع بوتين ترتبط أساساً بالسلطة وغرائز الحكم الاستبدادي المشتركة بينهما. إذ يرى ترامب نفسه رجلاً قوياً ويُعجب بنظير يُلبّي تعريف «الرجل القوي».
ويعتقد دانييل تريزمان، المتخصّص في الشأن الروسي في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس: «أنّ بوتين وترامب يدركان أنّهما يتشاركان نظرة مشتركة للعالم. نظرة متشكّكة، غير عاطفية، تركّز على السلطة والمال والأرض. يشعران أنّهما يفهمان بعضهما. بوتين يعرف أنّ ترامب يوَد أن يكون في صفّه، لكنّه شعرَ أخّيراً بالتجاهل، لذلك هو مستعد للمديح والإلهاء، مع تقديم عروض للأعمال الأميركية والمساعدة في مجالات دولية أخرى».


وأوضح مايكل كيميغ، مؤرّخ العلاقات الأميركية الروسية في الجامعة الكاثوليكية الأميركية ومؤلف كتاب «تصادمات» عن حرب أوكرانيا، أنّ ترامب قد يعتقد أنّ تنمية علاقته ببوتين تخدم هدفاً استراتيجياً. وعندما عاد إلى منصبه، «ظنّ أنّه قادر على تقليص الحرب في أوكرانيا من خلال علاقته الشخصية ببوتين».


لم ينجح ذلك، لكنّ ترامب قد يستمر في ديبلوماسيته القائمة على الشخصية مع بوتين، لأنّه «لا يستطيع مقاومة عرض المشهد الإعلامي ووضع نفسه في مركزه». وعلاوةً على ذلك، وبعد تدخّله أخّيراً لوقف القتال بين تايلاند وكمبوديا وتسوية نزاع قائم منذ عقود بين أرمينيا وأذربيجان، قد يعتقد ترامب أنّه «في سلسلة نجاحات».
لكن بسعيه لعقد قمة ألاسكا مع بوتين من دون القيام بالتحضيرات الديبلوماسية المعتادة من مفاوضات على مستوى أدنى ومشاورات مسبقة مع الحلفاء لضمان النجاح، يحاول ترامب «أسلوباً جديداً من العمل الديبلوماسي»، بحسب كيميغ. وأضاف أنّ ترامب يبدو مركّزاً بالدرجة الأولى على حل القضايا الكبرى في العالم مباشرةً مع قادة القوى الثلاثة الرئيسة: نفسه، بوتين، والرئيس الصيني شي جينبينغ.


وأضاف كيميغ: «هذا الأسلوب الجديد سيجعل معظم العالم في موقع المتفرّج، وفي الوقت عينه سيرفع عدداً قليلاً من القادة - مع ترامب أولاً بينهم - إلى مكانة قوية وفريدة، نادٍ لكبار رجال الدولة يضمّ أساساً شي وبوتين وترامب. وسيخضع هذا الدافع للاختبار اليوم».

theme::common.loader_icon