فاز الحارس الإيطالي جانلويجي دوناروما (26 عاماً) بدوري أبطال أوروبا، وبلغ نهائي كأس العالم للأندية مع باريس سان جيرمان. ومع ذلك، يجد نفسه على الأرجح في طريقه للخروج من ملعب «بارك دي برانس»، فأصدر بياناً مساء الثلاثاء عبّر فيه عن إحباطه: «للأسف، قرّر شخص ما أنّني لم أعد قادراً على أن أكون جزءاً من المجموعة والمساهمة في نجاح الفريق. أنا أشعر بخيبة أمل وإحباط».
تعاقد سان جيرمان مع الحارس لوكاس شوفالييه، ويبدو أنّ المطّلعين على الشأن داخل النادي متقبّلون لفكرة رحيل دوناروما، وعرضوا عليه عقداً جديداً بشروط محسّنة، لكنّه رُفِض.
ممثله، إنزو رايولا، صرّح لشبكة «سكاي إيطاليا»: «قبِلنا عرضاً أقل من الراتب الحالي، لأنّ جيجيو أراد البقاء، ثم غيّروا المعطيات، وعند تلك النقطة أوقفنا المفاوضات واتفقنا على العودة للتواصل بعد نهائي دوري الأبطال. تواصلنا قبل كأس العالم للأندية، وأكّدوا رغبتهم في الاستمرار. لم نتوقع ما حدث خلال الأيام العشرة الأخيرة. أفهم الحاجة للتعاقد مع حارس جديد، لكنّ استبعاد جيجيو بعد كل ما قدّمه للنادي يُعدّ قلة احترام كبيرة سأقيّمها مع محاميّ. قبل شهر كنا نتحدّث عن التجديد، ومن الغريب أنّه خلال شهر غيّر المدرب رأيه بشأن جيجيو كلاعب».
المدرب لويس إنريكي، أعلن قبل نهائي كأس السوبر الأوروبي أمام توتنهام، أنّه يحظى بدعم كامل من النادي، وشرح دوافعه: «إنّه قرار صعب. ليس لديّ سوى كلمات المديح لدوناروما. إنّه واحد من أفضل الحراس في العالم، بل ورجل أفضل. لكنّنا كنّا نبحث عن ملف مختلف. من الصعب جداً اتخاذ مثل هذه القرارات».
لكن، ما هو الملف الذي يبحث عنه سان جيرمان وإنريكي؟ ولماذا لا يمتلكه دوناروما؟ وماذا تعني حدوده بالنسبة للأندية المهتمة به؟ هنا، يقدّم خبير حراسة المرمى، مات بيسدروفسكي، رؤيته.
عندما وصل دوناروما إلى باريس عام 2021، كان بطل أوروبا مع إيطاليا، ويمتلك أكثر من 250 مباراة مع ميلان، ويُعتبر على نطاق واسع أحد أفضل الحراس الشباب في العالم. سمعته بُنِيَت على سنوات من التصدّي النخبَوي المتواصل، وهي القدرة التي أظهرها الموسم الماضي على أكبر مسرح مرّة أخرى. عروضه في دوري أبطال أوروبا، خصوصاً في نصف النهائي أمام أرسنال، كانت تذكيراً في الوقت المناسب بسبب الاهتمام الكبير الذي حظي به.
ذهاباً وإياباً، كان دوناروما مذهلاً، أولاً بتصدّيه لانفراد لياندرو تروسارد، ثم بانقضاضه إلى يساره وسط منطقة جزاء مزدحمة لإبعاد تسديدة مارتن أوديغارد. كلا التصدّيَين كانا لحظات بالغة الصعوبة والقيمة، ومن النوع الذي يُحدِّد المواسم، وأكّدا سمعته كأحد أفضل الحراس في العالم.
ومع اقتراب إغلاق سوق الانتقالات الصيفية، اختار سان جيرمان المضي في اتجاه آخر. في شوفالييه، القادم من ليل، يعتقد أنّه وجد الحارس الذي يتناسب أكثر مع توجّهاته، حتى وإن كان ذلك يعني التخلّي عن أحد أفضل المتخصّصين في التصدّي للتسديدات. المسألة ليست في قدرة دوناروما على التصدّي، بل في ملاءمته للفريق.
فريق إنريكي لا يُخفي طموحه في السيطرة على الاستحواذ والتحكّم في المباريات عبر بناء لعب منظّم من الخلف. إحصائياً، يتصدّر «ليغ1» بمتوسط استحواذ بلغ 68,4%. لكن يوجد تنازل تكتيكي دقيق: مع دوناروما كان باريس يلعب كرات طويلة أكثر ممّا يرغب، متجاوزاً مرحلة البناء الأولى، لأنّ حارسه لم يكن مرتاحاً بالقدر الكافي تحت الضغط.
دوناروما مُمرّر جيد في المواقف الآمنة، قادر على إيصال الكرة لمدافع أو ظهير من دون تعقيد، لكنّه ليس بطبعه ميّالاً للتقدّم إلى الأمام، استدراج الضغط، وتمرير كرات تخترق الخطوط بتمويه.
الاختلاف لا يقتصر على الاستحواذ، فعلى رغم من طول قامة دوناروما (1,96م)، فإنّه لم يكن يوماً الحارس الأكثر مبادرة في التعامل مع الكرات الهوائية. يَميل إلى البقاء على خط المرمى وترك المدافعين يتنافسون على الكرات العالية، حتى عندما توحي بُنيَته أنّه قادر على السيطرة على تلك المساحة. ليس معنى ذلك أنّه عاجز عن التقاط العرضيات، لكنّ ذلك ليس غريزة طبيعية لديه.
المسألة بالنسبة إلى باريس ليست أنّ شوفالييه سيتصدّى لتسديدات أكثر من دوناروما، بل إنّه قادر على الجمع بين مستوى عالٍ من التصدّي والخصائص الاستباقية الموجّهة نحو الاستحواذ التي أصبحت أولوية. في كرة القدم النخبَوية، الهوامش الصغيرة قد تدفع قرارات كبيرة. دوناروما ما زال حارساً رائعاً، لكنّ سقف الهوية التكتيكية لباريس أعلى مع شوفالييه. تعزّزت الأرقام (مزيد من التمريرات، مشاركة أكبر في البناء، عدوانية أفضل في الهواء) ما يُظهره اختبار العين.
هناك أيضاً عنصر التوقيت. يرى باريس نفسه في بداية دورة تكتيكية مع لويس إنريكي، لا في منتصفها. وهذا يجعل اللحظة مناسبة للالتزام بحارس يمكن أن ينمو مع هذا الأسلوب. لدى شوفالييه (23 عاماً) مجال أكبر للتطوّر، ويعتقد باريس أنّه يمتلك الشخصية لتحمّل ضغط اللعب في أحد أكبر أندية أوروبا.
مستقبل دوناروما سيكون مثيراً للمتابعة، فمجموعة مهاراته تناسب العديد من الأندية الكبرى، لكنّ توافق الأسلوب سيَهمّ. فعلى رغم من التكهنات، لا يسعى مانشستر يونايتد خلفه. لكنّ ذلك لا يعني أنّ المهتمّين لن يظهروا، خصوصاً من الأندية التي تضع الصلابة الدفاعية فوق هيمنة الاستحواذ. في البيئة المناسبة، يمكن لدوناروما أن يظل لاعباً فارقاً على أعلى مستوى.
وأقرّ رايولا: «ربما فقط الأندية الإنكليزية قادرة على تلبية المطالب المالية لباريس، وهي مَبالِغ مُبالَغ فيها. يتحدّثون عن الاحترام، لكن ربما الاحترام هنا مالي فقط. الأمر ليس مسألة الخروج من مشروع، بل إيجاد ما هو أفضل لجيجيو. حتى من حيث الصورة، علينا أن نتخذ موقفاً ونقرّر كيف سنتعامل مع النادي».
في النهاية، قرار سان جيرمان ليس حُكماً على قدرات دوناروما، بل مثال على كيفية تعريف الأندية النخبوية حالياً لمركز حارس المرمى. الدور تطوّر ليتجاوز التصدّي إلى كونه متعدّد الأبعاد: جزء من وظيفة الـ«ليبرو»، جزء صانع ألعاب، وجزء سيطرة على الكرات الهوائية.