واجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو انتقادات في الداخل والخارج، أمس، بعدما أعلن مكتبه أنّ الجيش الإسرائيلي سيُصعّد حملته المستمرة منذ ما يقرب من عامَين في قطاع غزة بالسيطرة على مدينة غزة، وهي خطوة من المرجّح أن تُعرِّض المدنيِّين الفلسطينيِّين والرهائن الإسرائيليِّين إلى مزيد من الخطر وتُعمّق عزلة إسرائيل الدولية.
جاءت جوقة الإدانة من حلفاء أوروبيِّين قدامى، حكومات عربية، وعائلات الرهائن المحتجزين لدى الجماعات المسلّحة في غزة، لتعكس تصاعد صدام نتنياهو مع الدول الأجنبية ومؤيّدي الرهائن.
وكشفت هذه المواقف عزلة إسرائيل في وقت تتخذ فيه حكومتها، خلافاً لنصائح القيادة العليا لجيشها، قراراً بتوسيع حرب دمّرت المدن، وقتلت عشرات الآلاف من الفلسطينيِّين، وتسبّبت في أزمة جوع واسعة النطاق.
وأكّد رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، في بيان، أنّ «قرار الحكومة الإسرائيلية بتصعيد هجومها في غزة هو قرار خاطئ، ونحثها على إعادة النظر فيه فوراً. هذه الخطوة لن تسهم في إنهاء هذا الصراع أو في المساعدة على إطلاق سراح الرهائن، بل ستؤدّي فقط إلى المزيد من إراقة الدماء».
وأعلن المستشار الألماني فريدريش ميرتز، أنّ بلاده، «حتى إشعار آخر»، لن تُصدّر معدات عسكرية يمكن استخدامها في غزة، في خطوة مهمّة وقطيعة مع سياسة البلاد بعد الحرب العالمية الثانية في دعم إسرائيل.
بدورها، اعتبرت وزارة الخارجية السعودية، أنّ «الأفكار والقرارات غير الإنسانية» التي تتبنّاها الحكومة الإسرائيلية «تؤكّد مرّةً أخرى أنّها لا تدرك الارتباط العاطفي والتاريخي والقانوني للشعب الفلسطيني بهذه الأرض». كما دانت وزارتا الخارجية التركية والأردنية هذه الخطوة.
واعتبر منتدى عائلات الرهائن والمفقودين، وهو مجموعة تمثل العديد من عائلات الرهائن، أنّ الحكومة الإسرائيلية أصدرت «حكماً بالإعدام على الرهائن الأحياء وحكماً بالاختفاء» على جثث مَن قُتلوا في الأسر، مضيفاً: «لم يكن في تاريخ إسرائيل حكومة تصرّفت بإصرار كبير ضدّ المصلحة الوطنية. اختار المجلس الوزاري الأمني مسيرة جديدة من الحماقة على ظهور الرهائن والمقاتلين وكل المجتمع الإسرائيلي».
أمس، وافق المجلس الوزاري الأمني الإسرائيلي على خطة لتوسيع الحرب بالسيطرة على مدينة غزة، وهو قرار محوَري ومحفوف بالمخاطر اتُخذ خلافاً لتوصيات الجيش الإسرائيلي. ووفقاً للإحصاءات الفلسطينية، كان عدد سكان مدينة غزة قبل الحرب نحو 700 ألف نسمة.
قبل الاجتماع، كشف نتنياهو لقناة «فوكس نيوز»، أنّ إسرائيل تعتزم السيطرة على غزة، متحدّياً مخاوف قيادة الجيش بشأن إنهاك جنود الاحتياط وأعباء حُكم ملايين الفلسطينيِّين. ولم يُصرّح بيان مكتب رئيس الوزراء صراحةً بأنّ الجيش سينفّذ سيطرة كاملة على غزة.
وفي بيان على منصة «إكس»، كرّر نتنياهو: «لن
نحتل غزة. سنحرّر غزة من حماس». ووفقاً لمسؤولَين أمنيَّين إسرائيليَّين مطلعَين على تفاصيل الاجتماع، طلبا عدم ذكر اسمَيهما لمناقشة قضايا حساسة، فإنّ الخطة المطروحة تقضي بأنّ الجيش الإسرائيلي سيحتاج نحو شهر للاستعداد للسيطرة على مدينة غزة، بما في ذلك استدعاء قوات الاحتياط، ثم يحتاج شهراً آخر لتنفيذ العملية الفعلية.
وأكّد المسؤولون أنّ التفاصيل الدقيقة للعملية، حجمها، وهدفها النهائي، لا تزال غير واضحة. لكنّ رئيس أركان الجيش، الفريق هرتسي هليفي، أوضح للحكومة الإسرائيلية أنّه يعارض توسيع الحرب، بما في ذلك بسبب المخاطر على حياة الرهائن، بحسب المسؤولين.
واعتبرت «حماس»، أمس، أنّ احتلال مدينة غزة وإخلاء سكانها سيكون «جريمة حرب جديدة يعتزم جيش الاحتلال ارتكابها. نحذّر الاحتلال المجرم من أنّ هذه المغامرة الإجرامية ستكلّفه ثمناً باهظاً. لن تكون نزهة».
ويعتقد اللواء المتقاعد غادي شامني، أحد آخر قادة القوات الإسرائيلية في غزة قبل انسحابها من القطاع عام 2005، أنّ خطة نتنياهو هي «المزيد من الشيء نفسه». وأوضح أنّها ستؤدّي إلى مقتل مزيد من الجنود والرهائن، وستعزل إسرائيل أكثر على الساحة الدولية، وستعمّق الانقسام بين الحكومة والجيش، مضيفاً: «لن تحقق أي تقدّم على الإطلاق. لن تُعيد الرهائن، ولن تؤدّي إلى هزيمة «حماس» أو حملها على التخلّي عن سلاحها».
منذ بداية الحرب، داهم الجيش الإسرائيلي مدينة غزة عدة مرّات، لكن في كل مرّة نجح مقاتلو «حماس» في إعادة تنظيم صفوفهم في الأحياء التي نفّذت فيها القوات الإسرائيلية عمليات.
وأضاف شامني، أنّ عملية أخرى في مدينة غزة ستفشل في إحداث تغيير جوهري في قوة «حماس» في القطاع أو في موقفها في مفاوضات وقف إطلاق النار. وإذا كانت إسرائيل تُخطّط للسيطرة على المدينة تمهيداً لاحتلال طويل الأمد للقطاع، فإنّه يعتقد أنّ الأمر سيستغرق سنوات قبل أن يتمكن الجيش من إقامة إدارة عسكرية فعّالة وإضعاف «حماس» بما يكفي لاستقرار الوضع، وقال: «إنّ دولة إسرائيل لا تملك حتى الموارد لمثل هذا الأمر. من أين ستحصل إسرائيل على كل هذا المال؟».
ويرى روبي تشين، والد الجندي الأميركي-الإسرائيلي إيتاي تشين الذي اختطفته «حماس»، أنّ «احتمال مقتل الرهائن مرّة أخرى يتزايد الآن». وتفترض السلطات الإسرائيلية الآن أنّ ابن تشين قد قُتل. كما أثار احتمال دخول إسرائيل إلى مدينة غزة مخاوف لدى الفلسطينيين في القطاع، الذين نزحوا مراراً ويعانون لإيجاد الغذاء والمياه النظيفة والكهرباء.
ويؤكّد عبد الله شهاب (32 عاماً)، الذي يقيم في منزل شقيقته في غزة منذ أن اضطرّ لمغادرة مسقط رأسه جباليا في نهاية أيار: «هناك إحباط ويأس. أشعر أنّنا ننتظر جحيماً جديداً يُلقى علينا». وأضاف أنّه عندما رأى الطائرات تُسقط المساعدات جواً في غزة، تخيّل حبلاً يمتد إلى الأرض ويتسلّقه ليغادر: «أنا مستعد للمغادرة. أحبّ غزة، لكنّني لم أعد أحتمل البؤس بعد الآن».