الحارس الأخضر الموهوب
الحارس الأخضر الموهوب
لانا نجدي
Thursday, 07-Aug-2025 07:01

في لبنان، أن تولد موهوباً يعني أن تبدأ حياتك من العجز. لا إمكانيات، لا بنى تحتية، لا احتضان حقيقياً من الدولة. لكن في المقابل، هناك مَن يصنع لنفسه مساراً على رغم من كل هذه العوائق، وهناك مَن يتشبّث بأحلامه كأنّها آخر شريان حياة. ومن بين هؤلاء... أحمد كعور.

إنّه حارس مرمى نادي الحكمة، شاب لبناني اختار أن يكون جداراً صلباً في وجه الانكسارات، ليس فقط على أرض الملعب، بل في واقع رياضي يفتقر إلى أبسط مقوّمات الرعاية. شاب لا يتجاوز عمره العشرينات، لكنّه أظهر نضجاً وثباتاً يتجاوز سنواته.

 

نقطة التحوّل

 

خلال الموسم الماضي، تعرّض كعور إلى إصابة أبعدته عن اللعب والتمارين لشهرَين. لكن كما في العديد من القصص الجميلة، جاء التحدّي في لحظة مصيرية.

 

فيكشف هنا بثقة هادئة، تشبه تلك التي يظهرها بين الخشبات الثلاث، لـ»الجمهورية»، أنّه «حين عدتُ واستعدتُ مستواي، لعبنا 5 مباريات حاسمة، كانت خسارة واحدة كفيلة بهبوطنا إلى الدرجة الثانية. لعبتُ هذه المباريات بتركيز عالٍ ومن دون أن أتلقى هدفاً واحداً... وبقِيَت شباكي نظيفة. هذه كانت نقطة التحوّل في مسيرتي الكروية».

 

نوايانا الطيّبة أنقذتنا

 

بعد سلسلة نتائج سلبية، لم يكن أحد يتوقّع بقاء الحكمة في الدرجة الأولى. الجمهور نفسه، بحُكم الواقع، فَقدَ الأمل. لكنّ كعور لا يلومهم، بل يُبرّر خيبة ظنّهم، ويكشف جانباً لم يُعرَف خارج غرف التمارين: «الجمهور الذي توقّع هبوطنا استند على النتائج السلبية، فلا ألومهم. لكنّهم لم يكونوا يَدرون أنّنا كنّا نتمرّن ونلعب بروح قتالية عالية، ولهذا أعطانا الله على قدر نوايانا».

 

الروح قبل الخطة

 

الحكمة، كما يصفه كعور، لم يكن مجرّد مجموعة لاعبين يركضون خلف الكرة بل عائلة، والنتائج التي تحققت في نهاية الموسم كانت انعكاساً لهذه الروح، ويُضيف بعفوية: «نحن عائلة مترابطة وكلّنا نُحبّ بعضنا. وهذا أحد أبرز الأسباب التي سمحت لنا بالبقاء في الدرجة الأولى».

 

أصعب ما يواجهه الحارس ليس التسديدات، بل التحدّي النفسي بعد تلقّيه هدفاً، ويشرح: «لتكون حارساً جيداً، يجب أن تنسى الهدف ويبقى التركيز على المباراة. لأنّ هبوط المستوى بعد هدف واحد قد يُسبِّب تلقّي هدفَين وأكثر. التعامل مع هكذا أهداف يتطلّب تركيزاً نفسياً عالياً».

 

وهذا التركيز، كما يبدو، لا يغيب عنه طيلة المباراة: «قد يمرّ وقت طويل من دون وصول الكرة إليّ، لكنّني أبقى مُركِّزاً على الكرة لمدة 90 دقيقة وأكثر، ولا أُبعِد نظري عنها ولو لثانية، أينما تحرّكت وأيّاً كان مَن يحوزها إلى أن تصلني».

 

وعلى رغم من أنّ تدريبات الحرّاس عادةً ما تكون منفصلة عن باقي الفريق، إلّا أنّ ذلك لم يمنع من تشكّل علاقة قوية بينهم، موضحاً «نقوم بالكثير من التمارين مع بعضنا البعض، خصوصاً حين ننقسم لفريقَين للعب مباراة»، مؤكّداً أنّ روح الجماعة لا تُبنى بالخطة، بل بالنية.

 

الحارس الحديث: لاعب ثالث بالرِجل

 

اليوم تتغيّر كرة القدم، ويُطلب من الحارس أن يكون أول مَن يبدأ الهجمة، لا فقط مَن يُنهيها بإنقاذ. ويدرك كعور هذا التحوّل جيداً: «البناء من الخلف أصبح ضرورياً. ولهذا علي أن أحسّن من نفسي ومن اللعب بقدميّ لأستطيع اللعب مع فريق كبير كالحكمة».

 

لا يؤمن كعور بأنّ على الفريق أن يختار بين الخبرة والشباب، مفضّلاً دمج الطاقات «فهذا ما رأيناه في أوروبا كريال مدريد وبرشلونة، اللذين يعتمدان على لاعبين صغار لا تتجاوز أعمارهم الـ20، ويقودون الفريق».

 

من أصعب لحظة إلى لحظة فخر

 

كانت أكثر اللحظات قسوةً في مسيرته حين هبط فريقه السابق، الإخاء الأهلي عاليه، إلى الدرجة الثانية، لكنّه عاد ليثأر مهنياً: «تخطّيتُ تلك المرحلة خلال الموسم الماضي، حين لعبتُ مباريات فاصلة مع الحكمة، واستطعت مساعدتهم للبقاء في الدرجة الأولى».

 

للسنة الثالثة توالياً، سيرتدي كعور قميص الحكمة: «شرف كبير أن أرتدي قميص الحكمة. إنّه فريق كبير، له تاريخ عريق، ويملك قاعدة جماهيرية ضخمة. ورأينا ذلك في مباريات كرة السلة، لكنّه بدأ يظهر أيضاً في كرة القدم، خصوصاً في الأوقات الحساسة».

 

يُدرك كعور أنّ الحارس هو الأكثر عرضةً للنقد، والأقل حظاً في التقدير: «بعض الناس لا ينظرون إلى عدد الكرات المحققة التي يصدّها الحارس. ويلومونه على هدف تلقّاه، حتى لو لم يكن خطأه».

 

من الملاعب إلى الرمال

 

لا يخلط كعور بين كرة القدم الشاطئية والتقليدية، موضحاً عن تجربة عاشها بأنّهما «لعبتان مختلفتان. حين نلعب الشاطئية، علينا أن ننسى التقليدية. تتطلّب تركيزاً عالياً وجهداً خاصاً، ولها قوانينها».

 

لا يتوقف طموح كعور على مباراة واحدة «على الصعيد الشخصي، هدفي أن أقوم بأكبر عدد ممكن من التصدّيات، وأكون علامة فارقة في كل مباراة، وأتلقّى أقل عدد ممكن من الأهداف». أمّا على صعيد الفريق «أردنا أن نحقق مركزاً أعلى من الموسم الأسبق، ونجحنا باحتلال المركز الخامس، فخضنا سداسية الأوائل، وأثبتنا أنّنا فريق صعب المنال».

 

يرى كعور أنّ الاحتراف في الخارج حلم مشروع، لكنّه لا يُشغِله اليوم «ما من لاعب لا يُفكّر بالاحتراف إذا وصلته الفكرة. لكنّني اليوم مع الحكمة، ولا أفكر سوى بفريقي».

theme::common.loader_icon