الحياة البطيئة... وتأجيل النضوج
الحياة البطيئة... وتأجيل النضوج
بياتريس لوايزا وناتاليا وينكلمان- نيويورك تايمز
Saturday, 02-Aug-2025 07:12

يعرض Il Dono الترميم الجديد لفيلم وثائقي درامي إيطالي من عام 2003 للمخرج ميكيلانجيلو فرامّارتينو، جمال الحياة الريفية ومأساتها في جنوب إيطاليا.

في المشهد الافتتاحي لفيلم Il Dono (الهبة) للمخرج ميكيلانجيلو فرامّارتينو، يبدو رنين الهاتف المحمول كأنّه اقتحام غريب من عالم آخر. في البداية، نشاهد من مسافة ثابتة فلاحاً مسنّاً يعمل في فناء منزله إلى جانب شابَين، وتتسارع أفعالهم بوتيرة تشبه الزمن الحقيقي. ثم يأتي رنين، قد يبدو عادياً لولا أنّنا منغمسون بالفعل في حياة الرجل الريفية: زقزقة العصافير، وصوت الحشرات.

 

عندما يلتقط الهاتف الذي تركه أحد مساعديه الشباب، يتعامل معه كأنّه جسم غريب. إنّها المرّة الأولى التي يرى فيها مثل هذا الجهاز.

 

عُرض فيلم Il Dono لأول مرّة في أوروبا عام 2003، لكنّ ترميمه الأخير أتاح له أخيراً الوصول إلى نيويورك بعد تأخير طويل. وجاء ذلك في توقيت مناسب، إذ إنّ الإيقاع البطيء والتأمّلي للفيلم يمنح سكان المدينة فسحة للهروب من ضغوط الحياة اليومية، إذا كانوا مستعدّين لوضع شاشاتهم جانباً والتناغم مع وتيرة أكثر بطئاً، بل تكاد تكون صوفية.

 

مثل أفلام فرامّارتينو الأخرى، Le Quattro Volte وIl Buco، تدور أحداث Il Dono في محيط مسقط رأس عائلته في منطقة كالابريا الجبلية في جنوب إيطاليا. الفيلم شبه الصامت يتتبّع الحياة اليومية لشخصَين: الرجل العجوز، الذي أدّى دوره جدّ المخرج، أنجيلو فرامّارتينو؛ وامرأة شابة مضطربة تتبادل الجنس على مضض مقابل رحلات بالسيارة في أرجاء البلدة.

 

على رغم من الجمال البصري اللافت للمنطقة - طرقها المرصوفة بالحجارة المتعرّجة وتلالها المتموّجة - فإنّ هناك فراغاً كئيباً يطبع كل تكوين بصري من تكوينات فرامّارتينو اللافتة، ويزداد هذا الإحساس من خلال الحركات البطيئة والانفرادية لعدد قليل من السكان (معظمهم من المسنين).

 

تُظهر لنا قصة المرأة الشابة أنّ النجاة تعني الهرب، لكنّ Il Dono ينجح، على رغم من ذلك، في تحقيق توازن بين اللعنة وتقديس هذه البيئة ذات الطابع العصور الوسطى.

ننجذب إلى الفيلم، مأخوذون به، حتى ونحن نشعر أنّ الأرواح فيه تتلاشى تدريجاً.

 

Diciannove

 

يدور هذا الفيلم حول طالب أدب يبلغ من العمر 19 عاماً في مدينة سيينا الإيطالية، يقضي عامه في التسكّع والتقاعس، في محاولة لتقويض التوقعات التقليدية لأفلام النضوج.

 

مرّتَين في فيلم Diciannove من إخراج جوفاني تورتوريتشي، يخرج ليوناردو (مانفريدي ماريني)، طالب الأدب التائه، إلى النوادي الليلية مع معارفه. تضجّ الموسيقى الإلكترونية فيما يتمايَل على حلبة الرقص، يحتسي الكحول بشراهة ويتبادل القبل مع الغرباء.

 

ينتهي أحد هذه المشاهد بقَيئه بينما تسحب شقيقته (فيتوريا بلانيتا) وجهاً متجهّماً. أمّا الآخر، فيُعثر عليه مغمى عليه ويُنقل في سيارة إسعاف.

 

وفيما أي من هذَين المشهدَين الصاخبَين لا يؤدّي إلى نمو عاطفي، فهو جزء من مغزى هذا الفيلم الروائي الأول، الجذاب أحياناً والمزعج في أحيان أخرى، الذي يتنقل عبر حلقات من سن ليوناردو الـ19 بطريقة متقطعة وبلا هدف واضح (Diciannove تعني 19 بالإيطالية).

 

يبدأ الفيلم في باليرمو، قبل أن يتتبّع ليوناردو إلى لندن ثم إلى سيينا، حيث يُبدِّل تخصّصه الأكاديمي فقط ليتقاعس عن الدراسة، ويسخر من أساتذته، ويحتقر زملاءه.

 

يمتلئ الفيلم بالمونتاج المتشنّج والتصوير السينمائي المزعزع، مثل الزووم السريع والزوايا غير المألوفة، فيما نادراً ما تتبع فصوله منطق السببية والنتيجة.

 

حتى لو أعدنا ترتيب نوبات الانحلال وكراهية البشر التي يمرّ فيها البطل، فلن يتغيّر الكثير سردياً. بل إنّ Diciannove يقلب أعراف أفلام النضوج ليمكث في ما يبدو أنّه فصل تمهيدي مطوّل. بالنسبة إلى ليوناردو، عدم النضوج ليس مرحلة عابرة، ولا يبلغ ذروته في دروس مستفادة. إنّه ببساطة سن الـ19.

 

وإذا كان انعدام التطوّر في الشخصية هو مجرّد نكتة، فإنّ Diciannove لا يُقدِّم خاتمة ضاحكة. لكنّ أسلوب تورتوريتشي الإخراجي أنيق بما يكفي ليُضفي حيَوية على أكثر المشاهد تملّصاً وزلقاً.

theme::common.loader_icon