أخصائية تغذية
في الأول من آب من كل عام، يُحتفل بالأسبوع العالمي للرضاعة الطبيعية، لتجديد التأكيد على أهمية هذه الممارسة الحيَوية في تشكيل مستقبل صحّي لأطفالنا.
حليب الأم ليس مجرّد سائل مغذٍّ، بل نظام غذائي ذكي يتكيّف باستمرار مع احتياجات الطفل المتغيّرة.
تشير التوصيات الحديثة لمنظمة الصحة العالمية واليونيسف، ضمن حملة «سدّ الفجوة: دعم الرضاعة الطبيعية للجميع» (2024)، إلى أنّ الرضاعة الطبيعية الحصرية خلال الأشهر الـ6 الأولى، تليها الرضاعة مع إدخال الطعام التكميلي حتى عمر السنتَين أو أكثر، هي المعيار الذهبي لنمو وتطوّر الرضيع.
لكنّ الأبحاث الجديدة تذهب أبعَد من ذلك. فأظهرت دراسات حديثة في The Lancet أنّ الاستمرار بالرضاعة لما بعد العامَين يُسهِم في تقوية المناعة، ويحسّن الأداء المعرفي في المراحل الدراسية الأولى، خصوصاً في البيئات ذات الدخل المنخفض.
حليب الأم: غذاء لا يُضاهى
من منظور غذائي بحت، حليب الأم هو صيغة مثالية من المغذيات الأساسية. يحتوي على توازن دقيق من البروتينات، الدهون، الكربوهيدرات، الفيتامينات، والمعادن، بما يتوافق مع قدرة الرضيع الهضمية واحتياجاته التنموية.
البروتينات سهلة الهضم وتقلل من خطر التحسس مقارنة بالحليب الصناعي.
الدهون، خصوصاً أحماض أوميغا-3 (DHA) وأوميغا-6، تدعم نمو الدماغ والبصر والجهاز العصبي.
الكربوهيدرات، وعلى رأسها اللاكتوز، تزوّد الطفل بالطاقة وتُغذي البكتيريا النافعة في الأمعاء.
لكنّ تميّز حليب الأم يتجاوز المغذيات: فهو يحتوي على مكوّنات بيولوجية نشطة مثل الأجسام المضادة، الخلايا المناعية، الإنزيمات، الهرمونات، وعوامل النمو.
وركّزت الأبحاث الجديدة على دور السكّريات قليلة التعدّد (HMOs)، وهي مركّبات فريدة تغذي البكتيريا المفيدة في أمعاء الطفل وتدعم الجهاز المناعي بشكل غير مباشر.
درع مناعي طبيعي:
عندما تتعرّض الأم إلى الميكروبات، يكوّن جسمها أجساماً مضادة تُنقل عبر الحليب إلى الطفل، ممّا يوفّر له حماية فورية وفعّالة.
وأظهرت بيانات أنّ الرضاعة الطبيعية تُقلّل من خطر الإصابة بإلتهابات الجهاز التنفسي، الإسهال، إلتهابات الأذن، وحتى الأمراض المزمنة مثل السمنة، السكّري من النوع الثاني، الربو، والحساسية.
ماذا تحتاج الأم المرضعة؟
خلال فترة الرضاعة، ترتفع احتياجات الأم الغذائية لدعم إنتاج الحليب والحفاظ على صحتها. تحتاج إلى حوالى 330–400 سعرة حرارية إضافية يومياً، إلى جانب زيادة في البروتين والفيتامينات والمعادن مثل فيتامينات B وD، الكالسيوم، الحديد، اليود، حمض الفوليك، وأحماض أوميغا-3 الدهنية (DHA بمعدّل 200–300 ملغ يومياً).
ماذا عن المكمّلات؟
قد لا تُغطّي التغذية وحدها جميع الاحتياجات. من المهم استشارة أخصائي تغذية لتقييم الحاجة إلى مكمّلات معينة، خصوصاً فيتامين D وDHA، أو الحديد، بناءً على التحاليل الغذائية والنظام الغذائي للأم.
الدعم ليس غذائياً فقط، فنجاح الرضاعة الطبيعية لا يعتمد على الأم فقط، بل على بيئة داعمة تحترم احتياجاتها النفسية والجسدية.