أخصائية تغذية
هل تظنّ أنّ المشكلة في نوعية طعامك فقط؟ تكشف دراسات علمية جديدة أنّ «متى» نأكل قد يكون بأهمية «ماذا» نأكل، وربما في بعض الأحيان أكثر.
في عالم التغذية الحديث، لم تَعُد كمية الطعام ونوعيّته وحدهما في دائرة الاهتمام، بل برز مفهوم «التغذية الإيقاعية» كأحد الاتجاهات العلمية الصاعدة، مدعوماً بأدلة متزايدة حول تأثير الساعة البيولوجية للجسم على الاستقلاب وتنظيم السكر.
التوقيت يؤثر على الأنسولين وسكر الدم
في دراسة حديثة في The Lancet eBioMedicine، حلّل باحثون من جامعة ميونيخ بيانات 92 شخصاً (بينهم توائم) من دراسة NUGAT، فراقبوا توقيت تناول السعرات الحرارية على مدار اليوم ومدى توافقها مع الساعة البيولوجية لكل مشارك. باستخدام مؤشر «منتصف السعرات الحرارية»، أي الوقت الذي يصل فيه الشخص إلى استهلاك 50% من سعراته اليومية، لاحظ الباحثون أنّ الأشخاص الذين بلغوا هذه النقطة في وقت متأخّر من اليوم، أي مساءً مقارنة بإيقاعهم الداخلي، كانوا أكثر عرضة لانخفاض في حساسية الأنسولين، وارتفاع واضح في سكر الدم بعد تناول الطعام.
والأهم أنّ هذه النتائج بقيت قائمة حتى بعد ضبط عوامل مثل كمية الطعام ونوعيّته، ممّا يُشير إلى أنّ توقيت الأكل عامل مستقل يؤثر على الأيض، وليس فقط ما نتناوله.
الساعة البيولوجية ليست مجرّد نظرية
جسمك يعمل وفق نظام يومي داخلي مضبوط بإشارات مثل الضوء والنوم. هذا الإيقاع البيولوجي يتحكّم في وظائف مهمّة كإفراز الإنسولين، حساسية الخلايا له، عملية الهضم، وحتى الشهية.
الصباح هو الوقت الذي يكون فيه الجسم في ذروة أدائه الأيضي، بينما في المساء تتراجع قدرته على التعامل مع الغلوكوز. لذلك، تناول وجبة غنية مساءً حتى وإن كانت «صحية»، قد يؤدّي إلى استجابة سكر دم أعلى مقارنة بتناولها صباحاً.
هل نلغي العشاء؟
المقصود ليس أن نتوقف عن الأكل مساءً، بل أن نُعيد توزيع السعرات خلال اليوم. تشير الأبحاث إلى أنّ تناول الجزء الأكبر من السعرات في النصف الأول من اليوم (الفطور والغداء) أفضل بكثير من تجميعها في المساء. كما أنّ تقليل وجبة العشاء أو جعلها خفيفة، خاصة بعد الساعة 8 أو 9 مساءً، يساعد في تحسين حساسية الجسم للأنسولين وتقليل خطر اضطرابات السكر.
نصائح عملية من «التغذية الإيقاعية»
1- قدّم وجباتك الرئيسية إلى الصباح: تناول فطوراً غنياً ومتوازناً، وركّز على وجبة غداء مشبعة. اجعل العشاء خفيفاً قدر الإمكان.
2- تجنّب العشاء المتأخّر: العشاء بعد الساعة 9 مساءً، خصوصاً إذا كان غنياً بالسعرات، يرتبط بضعف تنظيم السكر وزيادة مقاومة الإنسولين، حتى وإن كان صحّياً.
3- احترم ساعتك البيولوجية: انتظام النوم والاستيقاظ، وثبات الروتين اليومي، يعزّزان من توازن الإيقاع الداخلي، بالتالي يحسنان وظائف الأيض. الأشخاص الذين يعانون من اضطراب النوم (مثل العمل الليلي) غالباً ما يواجهون مشكلات في تنظيم السكر والوزن.
الخلاصة: التوقيت + النوعية = المعادلة الذهبية
الوجبة الصحية في الوقت الخاطئ... قد تتحوّل إلى عبء على الجسم.