أخصائية تغذية
على رغم من أنّ الزوايا المظلمة للإنترنت لطالما احتضنت محتوى مضلّلاً، إلّا أنّ ما يُعرف بـ"سكيني توك" على "تيك توك"، أعاد ترويج سلوكيات الأكل المضطرب بشكل واسع، تحت غطاء الصحة والعافية.
هذا الوسم ينشر وصفات تقييدية صارمة، غالباً مرفقة برسائل مهينة تُشبه الخطاب الداخلي المؤذي لِمَن يعانون من اضطرابات الأكل.
الأخطر أنّ هذه الرسائل لا تُوجَّه فقط لِمَن يواجهون مشكلات غذائية، بل تُقدَّم كأنّها "أسلوب حياة صحي" لعامة المستخدمين، ما يزيد من خطر انتشارها بين المراهقين.
تكمن الخطورة في الشكل والمحتوى معاً. كما توضّح الباحثة Mallary Tenore Tarpley، فإنّ هذه المواد لا تبدو ضارة عند النظر إليها لأول وهلة، بل تُقدَّم على أنّها محفّزات على التوازن، لكنهّا تروِّج فعلياً للتجويع والحرمان واضطرابات صورة الجسد.
تُظهر الدراسات أنّ التعرّض المتكرّر لمحتوى يُروّج للنحافة المفرطة يرتبط بخلل هرموني، زيادة التوتر، واضطرابات في الأكل، خصوصاً بين الفتيات في سن النمو.
لا يؤثر الحرمان الغذائي فقط على الطاقة، بل يؤدّي إلى نقص حاد في عناصر أساسية مثل الحديد والزنك والفيتامينات، ويُهدِّد كثافة العظام بشكل دائم.
أكّدت أبحاث منشورة في Journal of Eating Disorders عام 2024 العلاقة المباشرة بين مشاهدة هذا النوع من المحتوى وارتفاع نسب الإصابة بالأنوركسيا والبوليميا، خصوصاً حين يُقدَّم على أنّه "دايت" أو "ديتوكس". ويُضعف الجوع المزمن الجسم والعقل معاً، ويؤدّي إلى فقدان التركيز، الاكتئاب، والقلق.
ويُظهر علم التغذية بوضوح أنّ الجسم البشري بحاجة دائمة إلى توازن غذائي يوفّر له طاقة ومغذيات كافية. فتقييد السعرات بشكل كبير يؤدّي إلى اضطرابات في الهرمونات مثل الليبتين والكورتيزول، ويؤثر على الدورة الشهرية لدى المراهقات، ما قد يُسبِّب مشاكل في الخصوبة لاحقاً.
للتصدّي لهذا التهديد المتزايد، تدعو الدراسات إلى استراتيجية شاملة، تبدأ بالتوعية الغذائية السليمة.
ويشجّع "الأكل الواعي" على الاستماع لإشارات الجوع والشبع، وليس الخضوع إلى قواعد تقييدية. كما يجب إعادة تعريف "الصحة" لتكون شاملة لا تُقاس فقط بالوزن، بل بالرفاه النفسي والجسدي والاجتماعي، وهو ما تطرحه فلسفة "الصحة في جميع الأحجام" (HAES).
دور الأهل هنا أساسي: عبر الحوار المفتوح، ومراقبة المحتوى الذي يتعرّض له أبناؤهم، والنموذج الذي يعكسونه في علاقتهم مع الطعام. طلب المساعدة المبكرة من اختصاصيين عند ملاحظة أي علامات مقلقة، هو خطوة حاسمة نحو الوقاية والتعافي.
أخيراً، لا بُدّ من الضغط على المنصات الرقمية لمحاسبة الحسابات التي تروِّج لهذه الثقافة المؤذية، وتوفير أدوات دعم ومجتمعات مساندة للشباب.
النحافة ليست مرادفاً للصحة، وعلينا جميعاً إعادة تعريف علاقتنا بالجسد والغذاء، لحماية أجيال كاملة من تبعات الحرمان المقنّع بعبارات برّاقة.