كان المسؤولون داخل نيوكاسل يونايتد يدركون أنّ هذه اللحظة ستأتي، اللحظة التي سيُختبَر فيها جوهر وضعهم كـ»نادٍ طموح منافس».
الطريقة التي سيردّ بها صانعو القرار في النادي على محاولات ليفربول جذب ألكسندر إيزاك إلى «أنفيلد»، ستكشف الكثير عن المسار الحقيقي لنيوكاسل على المدى القريب والمتوسط. تثبيت نفسه بقوة بين «النخبة» الكروية - أو كـ«رقم 1»، كما يعبّر ياسر الرميان، رئيس النادي ومحافظ صندوق الاستثمارات العامة السعودي (المالك بنسبة 85% للنادي).
حقق نيوكاسل تقدّماً سريعاً، وإن كان متقطّعاً، خلال 4 سنوات منذ الاستحواذ. لكنّ الكليشيه ينطبق هنا فعلاً: الأفعال تتحدّث بصوت أعلى من الكلمات.
لأشهر، كان موقف النادي واضحاً لا لبس فيه، علناً وضمنياً: إيزاك ليس للبيع.
في آذار، وصف الرئيس التنفيذي المنتهية ولايته، دارين إيلز، فكرة قبول عرض لضمّ إيزاك هذا الصيف بأنّها «جنون». وأكّد المدرب إيدي هاو، في أيار، أنّ المهاجم السويدي (25 عاماً) «ليس للبيع من وجهة نظري». وكانت جميع المؤشرات تشير إلى أنّ نيوكاسل يعتبر إيزاك لاعباً لا يُقدّر بثمن تقريباً، مع تلميحات بأنّ عروضاً تتجاوز 150 مليون جنيه إسترليني ستكون الحدّ الأدنى لجعله يفكّر في احتمال التخلّي عنه.
يوم الاثنين، أفادت The Athletic أنّ نيوكاسل يسعى لإحداث ضربة في سوق الانتقالات بضمّ المهاجم الفرنسي هوغو إكيتيكي من أينتراخت فرانكفورت الألماني.
وكانت الرسالة من داخل النادي واضحة: المسألة لا تتعلق بالتعاقد مع إكيتيكي كبديل لإيزاك، بل بجمع الاثنَين في الهجوم. ومع اقتراب العودة إلى دوري أبطال أوروبا في أيلول، بدا هذا الإعلان وكأنّه نقطة تحوّل في نوايا النادي.
بحلول يوم الثلاثاء، أفادت The Athletic أنّ ليفربول أبدى استعداده لدفع 120 مليون جنيه إسترليني لضمّ إيزاك. لم يكن ذلك عبر عرض رسمي، بل بدا كأنّه اختبار لموقف نيوكاسل، خصوصاً أنّه يقل عن «سعر الطلب» النظري.
حتى صباح أمس، لم يتغيّر موقف إدارة نيوكاسل. كلمتان بسيطتان: «ليس للبيع»، تُكرّر مراراً وتكراراً. الموقف حتى الآن كان عدائياً بشكل لافت. لدى إيزاك 3 سنوات متبقية في عقده، والنادي يرغب في تمديده. على عكس حزيران 2024، لا توجد حاجة للبيع من أجل الالتزام بقواعد الربحية والاستدامة في الدوري الإنكليزي (PSR).
الرميان من كبار المعجبين بإيزاك، وأوضح أنّه لن يسمح ببيعه، وصفه بأنّه «المفضّل لديه». النظرية تبدو متماسكة، لكنّ ليفربول يضعها الآن على المحك.
نيوكاسل مملوك لصندوق ثروة سيادي من الأغنى في العالم، وفي أقل من 4 سنوات ساهم الصندوق في تحويل النادي من مرشح للهبوط إلى بطل لكأس ومشارك في دوري الأبطال. التشكيلة تضمّ لاعبين موهوبين من ضمنهم إيزاك، ساندرو تونالي، وأنطوني غوردون. النادي يبدو وكأنّه يقترب من مصاف أندية النخبة، لكنّ الفجوة لا تزال قائمة - وتُقاس بالمال، الهيبة، الألقاب، والقدرة على جذب النجوم.
إذا انجذب إيزاك لفكرة الانضمام إلى ليفربول - وهو أمر يُفترض أنّه محتمل - فلن يتفاجأ أحد، وسيُسهّل ذلك خروجه، خصوصاً إذا بدأ في الضغط للمغادرة (وهو أمر كان نيوكاسل دائماً يعتقد أنّه لن يحدث، وهو الآن موضع اختبار).
صحيح أنّ ليفربول ليس مغرياً للاعبين في العصر الحديث بقدر ريال مدريد أو برشلونة، لكنّه بطل إنكلترا، وقد يكون النظير الأقرب لهذَين العملاقَين في إنكلترا. لهذا السبب، تبدو هذه اللحظة مفصلية في مساعي نيوكاسل لتكريس نفسه كأحد أعضاء طبقة النخبة الكروية الحديثة.
نعم، بيع إيزاك بمبلغ يفوق 120 مليون جنيه قد يُنهي عملياً أي قيود مرتبطة بـ PSR في المستقبل القريب، وقد يُعاد استثمار العائد في التشكيلة. وإذا ضمّ نيوكاسل إكيتيكي - وهو أمر غير محسوم لأنّ ليفربول أبدى اهتمامه الرسمي به - فسيكون بديلاً جاهزاً مع فائض مالي لإنفاقه في أماكن أخرى.
إكيتيكي أصغر من إيزاك بنحو 3 سنوات، ولم يُثبِت نفسه بعد في الدوري الإنكليزي، لكنّه يملك إمكانات تجعله من الطراز العالمي.
ومع ذلك، فإنّ استبدال إيزاك بإكيتيكي سيكون رهاناً محسوباً، كما كان التعاقد مع السويدي في آب 2022، لأنّ الفرنسي سيظل مطالباً بتحويل موهبته إلى نتائج ملموسة في الـ«بريميرليغ».
الفوز بصفقة إكيتيكي سيكون إعلاناً حقيقياً عن نوايا النادي، خصوصاً بعد أن رفض الانتقال إلى نيوكاسل في 2022. وسيمنح ذلك مزيداً من الصدقية لفكرة أنّ نظرة الوسط الكروي إلى النادي آخذة في التغيّر. لكنّ الأهم من ذلك، هو كيفية تعامل نيوكاسل مع سعي ليفربول وراء إيزاك.
طُرحت أسئلة بشأن التزام صندوق الاستثمارات العامة، في ظل غياب (وعود) التحديث بخصوص مستقبل ملعب «سانت جيمس بارك»، وعدم بناء مركز تدريب جديد. دائماً ما رُفض هذا التشكيك من قِبل كبار مسؤولي النادي، الذين أصرّوا على أنّ الدعم المالي هو الدليل على طموح المالكين، وأنّ قرارات الاستثمار الأساسية ستُتخذ في وقتها المناسب.
وفي هذا السياق، لا شيء سيكون أكثر دلالة على جدّية نواياهم من الوقوف في وجه إغراءات ليفربول. حتى لو بقي نيوكاسل مع لاعب غير سعيد ووافق في نهاية المطاف على بيعه خلال 12 شهراً، فربما يكون ذلك منطقياً أكثر من الناحية التجارية، إذ سيدخل إيزاك حينها العامَين الأخيرَين من عقده. أمّا البيع الآن، فقد يكون له تأثير مدمِّر.
موقف نيوكاسل كان حاسماً إلى درجة أنّ تراجعه عنه قد يرسل إشارات تُهدّد بتراجع المشروع ككل. قد تستشعر أندية كبرى أخرى حالة من الضعف، وتسعى إلى خطف لاعبين آخرين، وقد يبدأ النجوم في الشك بمستقبلهم على «تاينسايد».
إذا خسر نيوكاسل سباق التعاقد مع إكيتيكي، فستكون ضربة، لكنّها ضربة يمكن احتمالها. أمّا انتقال إيزاك إلى «أنفيلد»، فستكون له ارتدادات تنعكس على مدى سنوات. فوق فقدان موهبة اللاعب وقدرته التهديفية، سيُسجَّل على النادي أنّه خسر المزيد من الأرض في سباق اللحاق بالنخبة.