تُسلّط أعمال العنف الضوء على التحدّي الذي تواجهه الحكومة في فرض السيطرة على مستوى البلاد، في ظل استمرار التوترات العرقية والدينية بعد نهاية الحرب الأهلية.
قُتِل أكثر من 50 شخصاً في اليوم الثاني من العنف الطائفي في سوريا بين جماعات بدَوية وميليشيات من الطائفة الدرزية، وفقاً لمسؤول محلي في القطاع الصحي ومجموعة رصد.
وتبرز الاشتباكات التي وقعت في محافظة السويداء الجنوبية، مدى الصعوبة التي تواجهها الحكومة الجديدة برئاسة أحمد الشرع في فرض سيطرتها على البلاد منذ الإطاحة بنظام بشار الأسد في كانون الأول. ولا تزال الميليشيات الدرزية تقاوم محاولات الحكومة لتوحيد جميع الفصائل المسلحة تحت سلطتها.
وكشف مسؤول صحي محلي، رفض الكشف عن اسمه بسبب حساسية الوضع، أنّ الاشتباكات التي بدأت يوم الأحد أسفرت عن إصابة أكثر من 150 شخصاً. وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، ومقرّه بريطانيا، أنّ من بين القتلى أكثر من طفلَين.
ودعت الحكومة السورية إلى ضبط النفس، وأرسلت قوات عسكرية لـ«حل النزاع بسرعة وحسم»، بحسب بيان لوزارة الدفاع نُشر على وسائل التواصل الاجتماعي. وأضاف البيان أنّ القوات الحكومية كانت تؤمّن ممرّات آمنة للمدنيِّين الذين يُحاولون الفرار من المنطقة.
وقُتل 18 جندياً أُرسلوا إلى المنطقة أمس لاحتواء العنف، وفقاً لمسؤول في وزارة الدفاع تحدّث بشرط عدم الكشف عن هويّته، لأنّه غير مخوّل بالتحدّث علناً عن مسائل عسكرية حساسة.
وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان، أنّ الجيش أرسل تعزيزات لحماية نقاط التفتيش الأمنية التي هاجمتها المجموعات الدرزية، وكان يدعم المقاتلين المحليِّين من القبائل.
وأعلنت القوات الإسرائيلية في بيان، أنّها استهدفت دبّابات كانت تتقدّم نحو السويداء، التزاماً بتعهّدها بمنع تمركز القوات المسلحة في جنوب سوريا. وأضاف البيان، أنّ إسرائيل «لن تسمح بإنشاء تهديد عسكري في جنوب سوريا، وستتحرّك ضدّه».
ولم يشر الجيش الإسرائيلي إلى تعهّداته السابقة بالتدخّل العسكري لحماية الطائفة الدرزية بعد الإطاحة بحكومة الأسد. وتضمّ إسرائيل عدداً كبيراً من الدروز، يخدم العديد منهم في جيشها، وكانت قد نفّذت ضربات جوية في المنطقة في نيسان.
وأعلنت الحكومة أنّ أعمال العنف أظهرت الحاجة إلى فرض السيطرة على المحافظة. وتبقى السويداء بمعظمها تحت سيطرة المجموعات المسلحة الدرزية منذ تولّي الشرع، القائد السابق لفصيل متمرّد كان له صلات بتنظيم «القاعدة» خلال الحرب الأهلية السورية التي استمرّت 14 عاماً، زمام الحكم.
وكتب وزير الداخلية، أنس خطاب، عبر وسائل التواصل الاجتماعي: «غياب مؤسسات الدولة، لا سيما العسكرية والأمنية منها، هو السبب الرئيسي للتوترات المستمرة. لا حلّ لذلك سوى بفرض الأمن وتفعيل دور المؤسسات لضمان السلم الأهلي وعودة الحياة إلى طبيعتها في جميع تفاصيلها».
ودعا أحد المرجعيات الدينية الدرزية إلى وقف القتال، لكنّه حثّ في الوقت عينه الحكومة على حماية أتباعه ممّا وصفها بـ«العصابات الخارجة عن السيطرة».
وأضاف بيان صادر عن قيادة المجموعة الدينية الدرزية يوم الأحد على وسائل التواصل الاجتماعي: «في الوقت الذي نُحرِّم ونُدين العدوان بجميع أشكاله، فإنّنا في الوقت عينه نرفض استمرار الظلم أو الصمت على الانتهاكات المتكرّرة التي تطال شعبنا وطرقاتنا وكرامتنا».
وتُهدّد أعمال العنف في السويداء، معقل الطائفة الدرزية، بتأجيج التوترات الدينية والعرقية التي لا تزال مترسخة بعد الحرب الأهلية.
في شهر آذار، قُتل أكثر من 1600 شخص في اشتباكات طائفية واسعة النطاق في محافظات سوريا الساحلية. وكان معظم الضحايا من الطائفة العلوية، الذين تعرّضوا إلى هجمات استمرّت أياماً على يد آلاف المقاتلين الموالين للحكومة.
في نيسان، قُتل أكثر من 100 شخص في أعمال عنف طائفية بين قوات موالية للحكومة ومقاتلين دروز قرب العاصمة دمشق. وكشف المرصد السوري لحقوق الإنسان أنّ موجة العنف الأخيرة جاءت في أعقاب سلسلة من عمليات الخطف المتبادلة بين الدروز والمجموعات القبلية الموالية للحكومة. ورداً على ذلك، أقام أفراد من المجتمعات القبلية حاجزاً على طريق رئيسي واعتقلوا مقاتلين دروزاً.
وكشفت مجموعة «السويداء 24»، وهي جهة رقابية أخرى، على وسائل التواصل الاجتماعي، أمس، أنّ المدنيِّين كانوا يحاولون الفرار من المنطقة حفاظاً على سلامتهم.