لم يستطع ريس جيمس أن يفهم ما الذي كان يحدث بالضبط. فقد سلّمه الرئيس الأميركي دونالد ترامب كأس العالم للأندية، لكنّه بقيَ واقفاً على المنصة، مبتسماً، لا ينوي الذهاب إلى أي مكان. بعض زملاء جيمس في تشلسي، الذين كانوا يقفون خلفه، لم يتمالكوا أنفسهم من الضحك. كول بالمر، نجم الفوز 3-0 على باريس سان جيرمان، عقد حاجبَيه ونظر إلى ترامب بدهشة واضحة قبل أن يحثّ جيمس على الانتظار، مشيراً للصحافيِّين بعد المباراة: «كنت مشوّشاً قليلاً».
استدار جيمس نحو ترامب، وأمام جمهور ممتلئ في ملعب «ميت لايف» بالإضافة إلى جمهور تلفزيوني عالمي كبير، بدا وكأنّه يسأل رئيس الولايات المتحدة ما إذا كان يُخطِّط لتركه وشأنه، كما تقتضي العادة. لكنّ ترامب استمرّ في الابتسام بسعادة، فقرّر القائد جيمس أن يرفع الكأس العملاقة المطلية بالذهب عالياً.
وبينما كانت الألعاب النارية تملأ السماء فوق ملعب «ميت لايف»، وأُسدِل الستار على بطولة امتدّت لـ4 أسابيع، شهدنا مشهداً سريالياً: ترامب ما زال في قلب احتفالات لاعبي تشلسي، يُصفِّق بحماس، إلى درجة أنّ رئيس «فيفا» جياني إنفانتينو بدا مُحرَجاً بما يكفي لمحاولة سحبه بعيداً.
أقرّ جيمس لـ The Athletic: «أخبروني أنّ ترامب سيُقدّم الكأس ثم يغادر المنصة. ظننتُ أنّه سيغادر، لكنّه أراد البقاء. وربما هذا يُبرز مدى أهمّية البطولة».
بطولة غريبة ويوم غير اعتيادي في إيست راذرفورد، نيوجيرسي، في عرض مستوحى من الـ«سوبر بول»، تخلّله شوط أول وثانٍ من مباراة كرة قدم، يتوسطهما عرض استراحة دام 24 دقيقة، قبل حفل تتويج شهد صيحات استهجان من الجمهور ضدّ ترامب، قبل أن يجد الرئيس مكانه المفضّل على المنصة بين لاعبي تشلسي.
كما أنّها نهاية مفاجئة، إذ تفوّق جيمس وزملاؤه على سان جيرمان، ليفوزوا بأول نسخة من كأس العالم للأندية في عهد التوسعة. تشلسي بطل العالم بعد شهر مثمر جداً في الولايات المتحدة، وأصبح أكثر ثراءً بأكثر من 100 مليون دولار. وبنهاية المساء، أضيء مبنى «إمباير ستيت» في مانهاتن باللون الأزرق الخاص بتشلسي.
هذا كان هدف الشهر الماضي بالكامل، بحسب إنفانتينو: «لتحديد، لأول مرّة في التاريخ، من هو أفضل نادٍ في العالم حقاً». هذا الادّعاء يُثير ردود فعل متنوّعة.
أول ردّ فعل مباشر هو التشكيك في هذا المنطق، واقتراح أنّ الغرض الرئيسي من كأس العالم للأندية يبدو أنّه جني المال، مع محاولة لاستعادة جزء من نفوذ «فيفا» في كرة القدم العالمية من خلال الإمساك بكرة القدم على مستوى الأندية وبيعها لشركاء تجاريِّين محتملين، خصوصاً قطر والسعودية.
ردّ الفعل الآخر هو التساؤل: كيف يمكن لهذه البطولة أن تُحدِّد أفضل فريق في العالم بينما أبطال أقوى 3 دوريات (ليفربول الإنكليزي، برشلونة الإسباني، ونابولي الإيطالي) لم يكونوا ضمن الأندية الـ32 المشاركة؟
تواجد تشلسي هنا لأنّه فاز بدوري أبطال أوروبا عام 2021. ومنذ ذلك الحين، وبعد بيع النادي من الملياردير الروسي رومان أبراموفيتش إلى تحالف بقيادة تود بويلي وشركة «كليرليك كابيتال»، شهد الفريق تحوّلاً جذرياً ومكلفاً جداً في تشكيلته. لاعب واحد فقط (جيمس) من تشكيلة الـ23 لاعباً في نهائي دوري الأبطال، كان حاضراً في المونديال. أمّا حجم التغيير، فكان هائلاً، إذ مرّ على النادي لاعبون مثل روميلو لوكاكو، خاليدو كوليبالي، وبيير إيميريك أوباميانغ، إلى جانب سلسلة من المدربين.
كان من المنطقي أكثر أن يُتوَّج سان جيرمان كأفضل فريق في العالم، نظراً إلى ما حققه في دوري الأبطال (إقصاء ليفربول، أستون فيلا، وأرسنال قبل سحق إنتر ميلان 5-0 في النهائي)، في وقتٍ كان فيه تشلسي يتغلّب على كوبنهاغن، ليغيا وارسو، ديورغاردن، وريال بيتيس للفوز بلقب دوري المؤتمر الأوروبي الأقل قيمة.
حتى في كأس العالم للأندية، يمكن لسان جيرمان أن يدّعي أنّه واجه خصوماً أقوى في طريقه إلى النهائي، مثل أتلتيكو مدريد (4-0)، بايرن ميونيخ (2-0)، وريال مدريد (4-0).
لكنّ تشلسي تحسّن خلال البطولة، وكان يستحق الفوز في النهائي عن جدارة، ليس فقط لإفساده إيقاع باريس في الوسط، بل أيضاً لمهاجمته منذ البداية.
أعدّ المدرب إنزو ماريسكا فريقه بشكل رائع، وبدا كأنّه اكتشف نقطة ضعف غير متوقعة في الدفاع الباريسي، فبدا الظهير الأيسر نونو مينديز منزعجاً ومفاجَأً من الطريقة التي ركّز بها مالو غوستو، بالمر، وجواو بيدرو عليه. أهداف تشلسي الثلاثة في الشوط الأول، جاءت من الطرف الأيسر: سجّل بالمر هدفَين بلمستَين دقيقتَين في الزاوية البعيدة، قبل أن يُمرّر تمريرة رائعة لجواو بيدرو الذي سجّل هدفاً ثالثاً بلمسة رائعة.
بعد المباراة، أكّد ماريسكا: «كوننا أبطال كأس العالم للأندية هو أمر نفخر به كثيراً. نحن سعداء جداً، خصوصاً ضدّ باريس الذي، كما قلتُ قبل يومَين، أعتبره الأفضل في العالم، مع أحد أفضل المدربين في العالم (لويس إنريكي) ولاعبين رائعين. اليوم كان إنجازاً عظيماً».
من السهل أن نجد عيوباً في بعض مزاعم إنفانتينو المتطرّفة حول تأثير كأس العالم للأندية، لكن حتى لو لم تَأسر هذه النسخة من البطولة خيال الجماهير الأوروبية، فإنّها كانت بطولة صعبة، تعاملت معها الأندية بجدّية نظراً إلى حجم الجائزة المالية، وهي بطولة باقية، سواء أحبّها النُقاد أم لا.
ذهب ماريسكا أبعد من ذلك: «قلتُ للاعبين في الداخل إنّ لديّ شعوراً بأنّ البطولة في يوم من الأيام ستصبح مهمّة مثل دوري أبطال أوروبا. كنتُ محظوظاً قبل 3 سنوات أن أكون جزءاً من الجهاز الفني عندما فزنا بدوري الأبطال (مع مانشستر سيتي). عشتُ تلك اللحظات، لكنّ الحقيقة أنّ هذه البطولة هي واحدة من الأفضل في العالم. نحن نُقدّرها بقدر دوري الأبطال، إن لم يكن أكثر، لأنّها كانت حقاً نصراً عظيماً لنا».
قد تكون هذه البطولة نقطة انطلاق لتشلسي. فوزه بدوري المؤتمر في أيار بدا وكأنّه ساعد مجموعة اللاعبين الشابة، التي عانت من انهيارات جماعية وفقدان الثقة.
ويعتقد جيمس: «الموسم المقبل سننافس على لقب الدوري الإنكليزي، وللوصول بعيداً في دوري الأبطال أيضاً».