مع الإصدار السابع، بدأت سلسلة الديناصورات الشهيرة تُظهر علامات التآكل. على مدى 32 عاماً، منذ أن عادت الديناصورات لتجوب الأرض مجدّداً، تطوّرت قائمة المكوّنات الأساسية التي يجب أن تتوفّر في كل جزء من السلسلة. دائماً ما تدور الأحداث حول علماء ومغامرين، عادةً ما يتشاجرون في ما بينهم. هناك دائماً ملياردير غامض، أو شركة تبلغ قيمتها مليارات الدولارات، تعمل في الخفاء. دائماً ما يكون الأطفال في خطر. وبالطبع، هناك دائماً ديناصورات.
باستثناء الديناصورات، يمكن أن تنطبق هذه المواصفات على أي فيلم ضخم صيفي من هوليوود. لكنّ أفلام Jurassic - وآخرها فيلم Jurassic World Rebirth السابع في السلسلة - تتميّز بصفة فريدة نادراً ما نجدها في سينما الميزانيات الضخمة. هي أفلام مليئة بالإثارة والمخاطر، نعم، لكنّها تتيح دائماً لحظة قصيرة من الاندهاش الصامت.
السينما بطبيعتها قادرة على إثارة الإعجاب. في بدايات هذا الفن، كان مجرّد رؤية الصور المتحرّكة يُثير ذهول الجمهور وهلعهم. كانت تجربة مشاهدة عالم آخر يتكوَّن من الضوء ويظهر عبر إطار معلّق على الحائط أقرب إلى السحر. ثم جاء الصوت، فزاد من دهشة التجربة. ومعظم الابتكارات السينمائية على مدار القرن الماضي كانت تحاول مضاعفة تأثير الانبهار لدى المشاهدين.
لكنّ أفلام التيار السائد اعتمدت في الغالب على العروض البصرية المبهرة أكثر من اعتمادها على الإعجاب الصامت، ذلك الشعور الأكثر هدوءاً. الإعجاب يجعلنا نشعر بالصغر، وهذا شعور جميل. في فيلم Jurassic Park الأول، قُدِّمت الديناصورات بطريقة تجعل الشخصيات والجمهور يتوقفون عن الكلام والتفكير وينخرطون في المشاهدة الصامتة. تلك الكائنات العملاقة، المهيبة، خصوصاً تلك التي تتميّز بأعناقها الطويلة والمنحنية، تُبهرك عند رؤيتها، ويعلو معها لحن جون ويليامز إلى ذروته السمفونية. نعم، أنت تعلم أنّ ما تراه ليس ديناصوراً حقيقياً. لكن مَن يهتم؟ تشعر بأنّك صغير وصامت في حضرة شيء عظيم، قديم، وجميل بشكل مؤلم.
كل فيلم من سلسلة Jurassic حاول تكرار تلك اللحظة، محاولاً إعادة توليد شعور الإعجاب لدى الجمهور، وإن كان بعائد متناقص في كل مرّة. لكن أحياناً ما ينجح أحدها. مثلاً، فيلم Jurassic World: Dominion لم يكن فيلماً جيداً. لكنّه حقّق هذه اللحظة تحديداً عندما انتقل بمشهد الديناصورات الكبير إلى بيئة شتوية. اثنان من ديناصورات البراكيوسوروس يتجوّلان في منطقة يعمل فيها قاطعو الأشجار. يُبعَدان ببطء عن المكان، فيما يشاهدهم الرجال الأقوياء بصمت. هذه الكائنات لا تتحرّك بسرعة، لكنّها لا تستعجل. أسلافها كانت هنا قبلنا بوقت طويل، وأجسادها تحمل ذاكرة أرض سبقت الزمن.
كل هذا تمهيد لما يلي: Jurassic World Rebirth يحاول جاهداً إثارة لحظة الإعجاب عينها. لكن في القصة، أصبحت الديناصورات منتشرة لدرجة أنّ البشر باتوا يشعرون بالملل والانزعاج منها، ممّا يُفقِد تلك اللحظات سحرها. وبدا أنّ الأفلام بدأت تشعر بالملل أيضاً.
اسم الفيلم Jurassic World Rebirth يُشير إلى نية الاستوديو إعادة إطلاق السلسلة بشكل أو بآخر. تدور أحداثه بعد فترة من فيلم Dominion، من دون عودة أي من الشخصيات البشرية السابقة. في هذه المرحلة من القصة، البشر بدأوا يضيقون ذرعاً بالديناصورات، التي تواصل التسبّب في المشاكل. في وقت مبكر من الفيلم، يتسبّب أحد الديناصورات ذات الرقبة الطويلة في تعطيل حركة المرور قرب جسر بروكلين، ما يُثير الانزعاج أكثر من الإعجاب.
الشخصيات البشرية في هذا الجزء تشمل خبيرة العمليات السرّية زورا بينيت (سكارليت جوهانسون)، عالم حفريات الدكتور هنري لوميس (جوناثان بيلي)، موظف شركة الأدوية صاحب المرونة الأخلاقية مارتن كريبس (روبرت فريند)، وزميل زورا القديم وقائد الفريق وصديقها دنكان كينكيد (ماهرشالا علي). هناك أيضاً حبكة جانبية تتداخل مع الحبكة الرئيسة، تتعلق بعائلة مدنية تقطعت بها السبل في البحر: روبن، ابنته تيريزا، صديقها المدخن زافيير، وابنتهما الصغرى إيزابيلا.
الحبكة هي بنية قياسية مكرّرة من سلسلة Jurassic: نتيجة لتغيّر المناخ في «العصر الجوراسي الجديد»، أصبحت الحياة صعبة للديناصورات. معظمها جُمِّع قرب خط الاستواء، في منطقة يُمنع على البشر دخولها. علاوةً على ذلك، وكما نعلم من الفيلم الأول، هناك طفرات مخيفة للغاية بينهم.
لكن، بطبيعة الحال، هناك مَن يُريد الذهاب إلى هناك – وتحديداً مارتن، الذي تعرض شركته على زورا مبلغاً خيالياً للذهاب مع فريق واستخلاص حمض نووي من الديناصورات لاستخدامه في صناعة دواء باهظ الثمن لعلاج أمراض القلب. هم بحاجة إلى خبير ديناصورات، فيلجأون إلى الدكتور لوميس، الذي بدأ يشعر بالإحباط من عمله في المتحف. لا يبدو أنّ أحداً يهتم بمعارض الديناصورات بعد الآن، وعندما تعرض عليه زورا فرصة رؤية هذه الكائنات العظيمة في البرية، لا يستطيع المقاومة.
كل شيء في Rebirth يُنفّذ بكفاءة، لذا ربما تكون المشكلة في السيناريو، الذي كتبه ديفيد كويب، صاحب المسيرة الطويلة. ربما المشكلة في الميزانية والرقابة من الاستوديو، لأنّ الفيلم يبدو وكأنّه قُطِّع، مع خطوط سردية ومواضيع تُقدَّم ثم يتمّ التخلّي عنها.
لكنّ المشكلة الحقيقية تكمن في الفشل في إثارة الإعجاب، الذي تحوّل إلى مجرّد زفرات. في لحظة معيّنة، يصادف البشر الديناصورات في البرية، والمشهد جميل فعلاً، لكنّه يبدو أجوَف. الشخصيات تُبدي انبهاراً، لكنّه يبدو مصطنعاً، نظراً لأنّهم يعيشون في عالم أصبحت فيه رؤية الديناصورات في الشوارع أمراً عادياً.
في معظم الوقت، كنت أشاهد Rebirth وأنا أتساءل: لماذا أشعر بالملل؟ لا بالانزعاج، ولا بالاستياء، فقط بعدم الاندماج. حتى النقاشات بين الشخصيات حول ما إذا كان ينبغي احتكار الدواء المعالج لأمراض القلب من قِبل الشركات أو تقديمه مجاناً للبشرية، بدت مقحمة وليست جزءاً عضوياً من القصة. هل هناك عدد كبير من الشخصيات؟ ربما.