كيف أطال نتنياهو أمد الحرب في غزة ليبقى في السلطة؟
كيف أطال نتنياهو أمد الحرب في غزة ليبقى في السلطة؟
باتريك كينغسلي، رونين بيرغمان، وناثان أودنهايمر- نيويورك تايمز
Saturday, 12-Jul-2025 06:50

عندما شنّت حركة «حماس» هجومها على إسرائيل في 7 تشرين الأول 2023، مُشعِلةً شرارة الحرب في قطاع غزة، بدا أنّ المسيرة السياسية لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قد شارفَت على نهايتها. لكن بعد مرور نحو عامَين، ما زالت الحرب مستمرة، ونتنياهو بات في موقع قوة داخلية نادر.

 

تحقيقنا الذي استمر 6 أشهر، ويتضمّن العديد من التفاصيل التي تُنشر لأول مرّة، يروي القصة من وراء الكواليس عن كيف نجا نتنياهو ثم ازدهر سياسياً فيما كانت الحرب تطول. يأخذ المقال القرّاء إلى جناح نتنياهو في المستشفى في تموز 2023، إلى منزله بعد دقائق من بدء الهجوم في 7 تشرين الأول، إلى مقرّ القيادة العسكرية الإسرائيلية في الأيام التالية، وداخل مفاوضات عدة لوقف إطلاق النار ونقاشات مجلس الوزراء الإسرائيلي في عامَي 2024 و2025.

 

من خلال مقابلات مع أكثر من 110 مسؤولين في إسرائيل والولايات المتحدة والعالم العربي، بالإضافة إلى مراجعة عشرات الوثائق والسجلات الحكومية، نكشف كيف أنّ تصرّفات نتنياهو جعلت إسرائيل أكثر عرضةً لكارثة تشرين الأول، ثم ساعدت في إطالة أمد الحرب وتوسيع نطاقها. وعلى نحو غير متوقع، أتاح توسّع الحرب لإسرائيل هزيمة «حزب الله» وتوجيه ضربة لإيران، لكنّ تمديدها في غزة جلب معاناةً لا تنتهي للفلسطينيِّين، وأدّى إلى مقتل رهائن إسرائيليِّين، وسمح لنتنياهو بتأجيل لحظة المحاسبة السياسية.

 

قبل 7 تشرين الأول، تجاهل نتنياهو تحذيرات متكرّرة من هجوم محتمل

 

بينما كان نتنياهو يتعافى مرتدياً بيجامته في المستشفى في تموز 2023، سلّمه جنرال رفيع تقريراً استخباراتياً مقلقاً. حذّر التقرير من أنّ أعداء إسرائيل، بما فيهم «حماس»، لاحظوا الاضطرابات الداخلية التي سبّبها مشروع نتنياهو المثير للانقسام لإضعاف القضاء، وكانوا يستعدون لهجوم.

 

تجاهل نتنياهو هذا التحذير وغيره، ومضت حكومته قدماً في خطة التعديل، مُمرّرةً قانوناً بعد ساعات يُقلِّص من صلاحيات القضاء، ما أشعل اضطرابات إضافية. بعد يومَين، رصد قادة «حماس» من جديد الاضطراب في إسرائيل، وقرّروا أنّ الوقت أصبح مناسباً لتنفيذ هجوم طال انتظاره.

 

تهرّب نتنياهو من المسؤولية وسعى لإلقاء اللوم على المسؤولين الأمنيِّين

 

بعد دقائق من بدء الهجوم في تشرين الأول 2023، وفي أدنى نقطة في مسيرته السياسية، بدأ نتنياهو بالفعل بوضع أسس خطته للبقاء السياسي. قال في أحد أول اتصالاته الهاتفية: «لا أرى شيئاً في المعلومات الاستخبارية».

 

كانت تلك أول محاولة لتحويل اللوم، وإشارة مبكرة إلى كيفية سعيه لإطالة عمره السياسي عبر تحميل قادة الأمن والاستخبارات مسؤولية الفشل في منع الهجوم.

 

فيما كانت المعارك لا تزال مشتعلة في جنوب إسرائيل، أبلغ فريق نتنياهو مؤثّرين مؤيّدين له بأنّ الجنرالات هم مَن يتحمّلون مسؤولية الفشل الدفاعي الأكبر في تاريخ إسرائيل.

 

في الوقت عينه، تحرّك الفريق لمنع تسريب أي محادثات قد تُحرج نتنياهو، ومنع الجيش من تسجيل الاجتماعات رسمياً مع نتنياهو، ونظّموا عمليات تفتيش للجنرالات - بما فيهم رئيس الأركان هرتسي هاليفي - بحثاً عن ميكروفونات مخفية.

 

لاحقاً، أمرَ فريق نتنياهو موظفي الأرشيف بتعديل السجلّات الرسمية لأول مكالماته الهاتفية يوم 7 تشرين الأول. ثم سرّبوا وثيقة حساسة إلى صحيفة أجنبية - متجاوزين الرقابة العسكرية الإسرائيلية - بهدف الإساءة إلى منتقدي نتنياهو، بمَن فيهم عائلات الرهائن المكلومة.

 

لألّا يُنفّر حلفاءه المتطرّفين، أطال نتنياهو مفاوضات الهدنة

في الساعات الأولى من الحرب، رفض نتنياهو عرضاً من زعيم المعارضة الإسرائيلية لتشكيل حكومة وحدة وطنية، مفضّلاً البقاء في ائتلاف مع المتطرّفين اليمينيِّين الذين كانوا أكثر ميلاً لدعمه بعد الحرب. وقد جعله هذا القرار مرتهناً لمطالب اليمين المتطرّف طيلة فترة الحرب، خصوصاً في ما يتعلّق بمسألة ما إذا كان ينبغي السعي إلى هدنة مع «حماس» ومتى. وحين بدا الزخم يتزايد باتجاه وقف إطلاق النار، أعطى نتنياهو أهمية مفاجئة لأهداف عسكرية لم يكن مهتماً بها في السابق، وكان قادة الجيش قد أخبروه بأنّها لا تستحق الكلفة، مثل السيطرة على مدينة رفح جنوباً ولاحقاً احتلال الحدود بين غزة ومصر.

 

إستعداد سعودي وأميركي لعقد اتفاق تاريخي بين الرياض وتل أبيب... نتنياهو تردّد

 

خلال محادثات مكثفة مع مسؤولين أميركيِّين في أيار 2024، اتخذت القيادة السعودية خطوة محفوفة بالمخاطر، عبر الإشارة إلى استعدادها لإقامة علاقات رسمية مع إسرائيل - بشرط إنهاء الحرب في غزة، وتقديم الولايات المتحدة تنازلات للسعودية، وبدء إسرائيل في مسار الاعتراف بالدولة الفلسطينية. قال ولي العهد السعودي محمد بن سلمان خلال اجتماع ليلي: «دعونا ننهي هذا».

 

لكنّ مقاومة نتنياهو لهذا المسار كانت من بين قضايا عدة سبّبت توتّراً بين الولايات المتحدة وإسرائيل في عهد الرئيس جو بايدن. ومع تصاعد أعداد القتلى في غزة في كانون الأول 2023، شعر بايدن بالإحباط الشديد خلال إحدى المكالمات مع نتنياهو، إلى درجة أنّه أنهى المكالمة فجأة. وفيما تعثّرت مفاوضات الهدنة لاحقاً، أشار المسؤولون الأميركيّون إلى استطلاعات رأي، أظهرت أنّ أكثر من 50% من الإسرائيليِّين باتوا يُفضّلون صفقة لإطلاق سراح الرهائن بدلاً من استمرار الحرب. ردّ نتنياهو قائلاً: «لكن ليس 50% من ناخبيّ».

 

النزاع في لبنان وسوريا وإيران ساعد نتنياهو في استعادة هيبته السياسية

 

في بداية الحرب، تجنّب نتنياهو اتخاذ خطوات قد تُوسّع النزاع ليشمل حرباً شاملة مع «حزب الله» وإيران، حليفَي «حماس» الرئيسيَّين. ألغى هجوماً كبيراً على «حزب الله» في الأيام الأولى للحرب، وتفادى التصعيد غير المحسوب مع طهران.

 

لكن بعد نحو عام من اندلاع الحرب، أدّت سلسلة نجاحات استخباراتية غير متوقعة إلى اغتيال إسرائيل عدداً من كبار قادة «حزب الله». ومع استعادته للثقة، أمرَ نتنياهو باغتيال زعيم «حزب الله»، وبشنّ غزوٍ مباشر لمعاقل الحزب في جنوب لبنان، ما أدّى إلى تدمير جزء كبير من ترسانته. بعد ذلك، دمّرت إسرائيل الجزء الأكبر من نظام الدفاع الجوي الإيراني، ممّا قلّص التهديد الإيراني بشكل كبير. لم يَعُد بوسع إيران أو «حزب الله» حماية الرئيس السوري بشار الأسد من تقدّم الفصائل المعارضة، ما أدّى إلى الإطاحة بخصم قديم آخر لإسرائيل.

 

theme::common.loader_icon