سوريا وإسرائيل تتشاركان عدواً مشتركاً
سوريا وإسرائيل تتشاركان عدواً مشتركاً
كريستينا غولدباوم، آدم راسغون، وآرون بوكسرمان- نيويورك تايمز
Thursday, 10-Jul-2025 07:00

بعد عقود من العداء، فتحت سوريا وإسرائيل قنوات تواصل، في انعكاس لتحول في موازين القوى عبر الشرق الأوسط، إذ وجدت الدولتان أرضية مشتركة جديدة: العداء لإيران.

ظلّت سوريا وإسرائيل في حالة عداء لعقود، لكنّ السلطات الجديدة في دمشق تتبع نهجاً مختلفاً مع جارتها الجنوبية. فالرئيس السوري، أحمد الشرع، يستخدم القنوات الديبلوماسية، ويشارك في محادثات غير مباشرة مع إسرائيل، ساهمت الولايات المتحدة في التوسط فيها، من أجل حل المشاكل على الحدود، بحسب مسؤولين سوريِّين وإسرائيليِّين وأميركيِّين. وقد استمرّت الاتصالات بين البلدَين على رغم من تنفيذ الجيش الإسرائيلي توغلات في جنوب سوريا أثارت مخاوف من احتلال طويل الأمد.

 

وعلى رغم من أنّ الأهداف تبدو متواضعة، فإنّ المحادثات هي الأكثر جدّية منذ أكثر من عقد، وتمثل خروجاً عن عداء الحكومة السابقة لإسرائيل. وتعكس المفاوضات تحوّلاً في موازين القوى في الشرق الأوسط، إذ وجد البلدان أرضية مشتركة.

 

فالطرفان يتشاركان العداء لإيران، التي كانت حليفاً وثيقاً للرئيس السوري المخلوع بشار الأسد خلال حرب أهلية استمرّت 13 عاماً ضدّ مجموعة من الفصائل السورية المعارضة. وقاد الشرع تحالفاً من بعض تلك الفصائل التي أطاحت الأسد في كانون الأول.

 

كما يشترك كل من إسرائيل والقيادة السورية الجديدة في القلق الأمني من الجماعات المدعومة من إيران، التي يسعيان لمنعها من التسلّل إلى الأراضي السورية. ووجد كل من الشرع ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حليفاً في الرئيس دونالد ترامب.

 

ساعدت الولايات المتحدة في التوسط بالمحادثات غير العلنية بين البلدَين، بحسب توماس برّاك، مبعوث ترامب إلى سوريا وسفيره لدى تركيا. ودعا إلى أن تبدأ إسرائيل وسوريا بإصلاح العلاقات من خلال توقيع اتفاق عدم اعتداء.

 

ودعت الولايات المتحدة علناً سوريا للانضمام إلى اتفاقيات أبراهام، التي أرست علاقات ديبلوماسية بين إسرائيل و4 دول عربية خلال الولاية الأولى لترامب. لكنّ المسؤولين السوريِّين لم يُظهروا مَيلاً للانضمام إلى الاتفاقيات قريباً، أو لتطبيع العلاقات مع إسرائيل بأي شكل، بحسب 4 أشخاص مطّلعين على المحادثات. ويبدو أنّ الهدف من المحادثات الحالية أكثر تواضعاً.

 

وأوضح الحاخام أبراهام كوبر، مدير العمل الاجتماعي العالمي في مركز سيمون ويزنتال، منظمة يهودية لحقوق الإنسان: «بناءً على ما استوعبته وسمعته من الرئيس، فإنّنا أقل احتمالاً لسماع حديث عن اتفاقيات أبراهام في المدى القصير، وأكثر احتمالاً لسماع حديث عن خفض التصعيد وضمان ألّا تكون إسرائيل وسوريا في حالة عداء». التقى الحاخام كوبر بالرئيس الشرع الشهر الماضي في دمشق برفقة جونّي مور، زعيم إنجيلي له علاقات بإدارة ترامب.

 

وكشف وزير الخارجية السوري، أسعد حسن الشيباني، الجمعة، أنّ سوريا منفتحة على التعاون مع الولايات المتحدة لإعادة تفعيل اتفاق فك الاشتباك لعام 1974 مع إسرائيل، الذي أنشأ منطقة عازلة تراقبها الأمم المتحدة بين قوات الطرفَين في الجولان.

 

واحتلت إسرائيل الجولان من سوريا في حرب الشرق الأوسط عام 1967، ثم ضمّتها لاحقاً. وعلى رغم من أنّ الجولان تبقى من أكثر القضايا الخلافية بين الطرفَين، إلّا أنّ الحاخام كوبر أوضح أنّ الشرع لم يُثِر هذه المسألة خلال اجتماعهما.

 

وإنّ العودة إلى اتفاق فك الاشتباك لعام 1974 ستعيد فعلياً فرض وقف إطلاق النار الذي كان قائماً في الجولان قبل الإطاحة بالأسد. وبعد سقوطه، أوضح المسؤولون الإسرائيليّون أنّهم يعتبرون الاتفاق لاغياً إلى أن يُعاد النظام في سوريا. وعلى رغم من أنّ ذلك الاتفاق لا يرقى إلى مستوى معاهدة سلام، إلّا أنّه قد يُعيد الهدوء ويُمهِّد الطريق لتخفيف التوتر.

 

وتُعدّ أي محادثات عن علاقات ديبلوماسية طبيعية سابقة لأوانها، بحسب 4 مسؤولين مطّلعين على المفاوضات غير المباشرة، وعدد من الأشخاص الذين التقوا بالشرع وناقشوا معه الموضوع. ومع ذلك، فإنّ رواياتهم ترسم صورة لرئيس سوري أكثر براغماتية وانفتاحاً على التعامل مع إسرائيل، مقارنةً بمَن سبقوه في الحكم خلال 50 عاماً. وأضاف الحاخام كوبر عن الزعيم السوري: «استنتاجي هو أنّه حالة استثنائية. لكن يجب علينا أن نثق مع التحقق»، في إشارة إلى استمرار الشكوك بشأن الشرع بسبب جذوره الجهادية. تطورت المفاوضات على رغم من التوترات بين سوريا وإسرائيل. فبعد سقوط الأسد، توغلت القوات الإسرائيلية بشكل أعمق في بعض مناطق جنوب سوريا. وشنّت مئات الغارات الجوية على أهداف عسكرية في سوريا، ونشرت قواتها عبر المنطقة العازلة في الجولان.

 

ودافع المسؤولون الإسرائيليّون عن هذه العمليات العسكرية باعتبارها ضرورية لضمان عدم تمركز أي قوى معادية في الأراضي السورية القريبة من إسرائيل. كما أعرب المسؤولون الإسرائيليّون عن شكوكهم العميقة تجاه الشرع، الذي كان يقود فصيلاً متمرّداً مرتبطاً سابقاً بتنظيم القاعدة. وعلى رغم من إصرار الشرع على أنّه يُريد أن يكون شريكاً موثوقاً للغرب، يخشى القادة الإسرائيليّون أن يؤسس حكومة إسلامية مناهضة لإسرائيل.

 

في الداخل السوري، أثارت العمليات العسكرية الإسرائيلية مخاوف من أن تسعى إسرائيل إلى الإحتفاظ بوجود عسكري دائم على الأراضي السورية، وتوسيع عملياتها إلى ما بعد المناطق الحدودية الجنوبية.

 

في الأسابيع الأخيرة، ظهرت بعض بوادر التقدّم في المفاوضات. فبعد أن وصفه المسؤولون الإسرائيليّون في البداية بالإرهابي، كشفوا الأسبوع الماضي أنّ لديهم مصلحة في تطبيع العلاقات مع سوريا ولبنان المجاور. يوم الاثنين، ألغت إدارة ترامب تصنيف جماعة «هيئة تحرير الشام»، الفصيل المتمرّد الذي كان يرأسه الشرع قبل تولّيه الحكم، كمنظمة إرهابية. وكانت هذه أحدث بادرة حسن نية من ترامب تجاه الشرع، الذي رفعت إدارته أيضاً معظم العقوبات الاقتصادية الأميركية عن سوريا في الفترة الأخيرة.

 

وفي اجتماع أواخر نيسان، أكّد الشّرع أنّ اتفاقيات أبراهام لا تتناسب مع سوريا، وفقاً لمعتز مصطفى، رئيس «قوة الطوارئ السورية»، وهي مجموعة ضغط سياسية مقرّها الولايات المتحدة، وكان حاضراً في الاجتماع. وأضاف مصطفى أنّ الشّرع يرى أنّ أي اتفاق مع إسرائيل يجب أن يحظى بدعم علني من الشعب السوري. وشكّك مهند حاج علي، الباحث في مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، في ما إذا كان موقف سوريا تكتيكياً يهدف إلى ردع القوات الإسرائيلية، أم أنّه تحوّل استراتيجي حقيقي: «يبدو أنّ هناك تفاهماً يتبلور على المستوى الأمني. لكن على المستوى السياسي، لم نرَ أي خطوات كبرى بعد».

theme::common.loader_icon