«جذور»: وهنا تبدأ الدراما اللبنانية
«جذور»: وهنا تبدأ الدراما اللبنانية
جوزف طوق
جريدة الجمهورية
Thursday, 13-Jun-2013 00:39
لم أدرك تماماً مدى أهمّية مسلسل «جذور» حتى رأيت شقيقي ابن الـ16 عاماً متسمّراً مع رفاقه إلى جانبي يتابعون بصمت أحداث القصّة المثيرة، فعرفت حينها أنّ المسلسلات الدرامية التي كنت أتفادى مشاهدتها مع أهلي في سنّ المراهقة لم تعُد سوى من ذكريات الماضي، فاليوم بدأ عصر الدراما اللبنانية الجديد.
أذكر جيّداً أنّنا في سنّ الطيش كنّا نتفادى مشاهدة المسلسلات الدرامية اللبنانية، وحتى كنّا نسخر من الذين يتتبعون هذا النوع من الأعمال ونخجل من مصاحبتهم. وبالفعل كان هذا هو الواقع بالنسبة لي وأكثرية الشباب في تلك الفترة، فكان المراهق الحقيقي و"الستايليش" هو المتتبع للأفلام الهوليودية أو على أقلّ تقدير أيّ من سلسلات "السيتكومز" الاميركية.

وتواصلت أعراض اشمئزازنا حتى الأمس القريب، حتى اليوم الذي رقص فيه سيناريو كلوديا مارشيليان في أحضان كاميرا فيليب أسمر على وقع تعقيدات سيكولوجية وسوسيولوجية يتطابق فيها مجتمعنا مع باقي مجتمعات العالم، ويتفرّد فقط في كونه وليدة حرب أهلية جعلت من أفراده قطرات وجع ونوستالجيا كئيبة لجرحٍ إسمه وطن.

نجح "جذور" في لمّ شمل الصغار والكبار أمام حاضرته، وتحوّلت معه الشاشة الصغيرة إلى مرآة تعكس مشاكل مجتمع غارق في تفاهاته، وإنجازات أو إخفاقات أفراد رسمت الحرب مستقبلهم بريشة مغمّسة في البشاعة والجريمة.

لكنّ "جذور" تألّق في منح جميع ممثليه دور البطولة دون استثناء، أبطال تشبه قصصهم إلى حدّ الغرابة قصصنا الواقعية، فأضحى كلّ واحد منّا (نحن المشاهدين) يبحث عن صورته المعكوسة في دور أحد أولئك الأبطال لعلّه يتعلّم منه أمثولة أو يتّعظ من زلّاته.

لم يكن سهلاً أبداً على شقيقي الصغير ورفاقه فهم تعقيدات الأدوار التي يؤدّيها ممثلونا اللبنانيّون المتميّزون. هم انبهروا بأداء رولا حماده وبراعتها الإزدواجية في لعب دورين متناقضين، لكن نحن الأكبر سنّاً آلمتنا نظرة ديانا وعرفنا في كلّ لقطة أنّ دينا هي ليست سوى صورة عنّا نحن وعن جنوننا، وكمّ من مرّة نظرت ديانا في أعيننا وملأتها عتباً ولوماً على تناسينا أوجاع الماضي وانزلاقنا إليه يوميّاً.

ولم تكن الإزدواجية في الأدوار التي تلعبها حماده سوى جزءٍ من الإزدواجية الأكبر الفارضة نفسها على أحداث المسلسل وعلى مجتمعنا في نفس الوقت، وكأنّ في ذلك رسالة من الكاتبة تشجّع فيها المتابعين على تقبّل هذا الواقع الإنساني والتعامل معه بطريقة موضوعية متحضّرة، بعيدة من الأحكام المسبقة والتجنّي.

تبحث المرأة في نصّ مرشيليان عن هويتها ومركزها الاجتماعي، وتحاول جاهدة التفوّق على المجتمع الذكوري المتحيّز الذي يتناوب على ظلمها في أيّام الحرب والسلم. لكن في الوقت نفسه، يحافظ الوجه الذكوري في المسلسل على هيبته ووقاره، وهو حتى لو أخطأ في الماضي يبدي استعداداً للتكفير عن ذنوبه.

زاوج "جذور" بين المدرستين اللبنانية والمصرية، حتى لو كانت الأخيرة هامشية ضمن العمل، لكنّ القلب الذي حصل عليه فؤاد (رفيق علي أحمد) من السائح المصري ليس سوى دلالة على استعارة مجتمعنا اللبناني، الراسخ تحت نير إنقسامه، نبضات قلبه من وطن عربيّ ننتمي إليه لكنّه لا ينتمي إلينا سوى في مواسم الصيف والمشاوير.

لا يمكن لمقالة صحافية بهذا الصغر التعبير عن إعجابنا بتكامل الأدوار بين النص والكاميرا والتمثيل والديكور، ولا يحقّ لهكذا مقالة أن تقوّم عملاً بحجم مسلسل "جذور" وجماله، لكن يمكننا من خلال هذه الأسطر التعبير عن شكرنا وامتناننا لفريق عمل متميّز تمكّن من وضع الدراما اللبنانية على الخارطة الإقليمية، وافتخارنا بأداء ممثلينا الذين وضعوا الدراما التركية والمصرية والسورية والمكسيكية في الأدراج، والتعبير عن اعتزازنا ببداية عصر جديد من الدراما اللبنانية.
theme::common.loader_icon