

منذ 5 أسابيع فقط، احتفل المهاجم البرتغالي ديوغو جوتا بفوزه الأول بلقب الدوري الإنكليزي الممتاز وهو يركض نحو المدرج الشمالي في ملعب «أنفيلد»، يدور بوشاح أحمر وأبيض منتصراً فوق رأسه.
أمّا يوم الخميس، وعلى بُعد أمتار قليلة فقط، وُضِعَ قميصه رقم 20 في مزار صغير يُخلِّد النهاية المفاجئة والوحشية لحياته، وقد كُتب عليه: «بطل إلى الأبد».
بمجرّد انتشار نبأ وفاته، بدأ سكان «أنفيلد» في وضع الزهور خارج الملعب الشهير. كثيرٌ منهم لم يكونوا من مشجّعي المباريات في الأصل، بل أناس أرادوا ببساطة إظهار احترامهم للاعب شعر أهل ليفربول بأنّهم مرتبطون به.
كانت العديد من الأوصاف متشابهة. جوتا كان لاعب كرة قدم صغير الحجم، سريع الانفعال، وعلى أرض الملعب بدا دائماً مستعداً للقتال. هدفه الأخير مع النادي كان الفوز في دربي ميرسيسايد، وعلى رغم من أنّ الارتياح داخل «أنفيلد» في تلك الليلة كان كبيراً، إلّا أنّه لم يكن مفاجئاً أن يكون هو المُنقِذ.
في المواجهات الفردية، كان جوتا يُذكّرك بروبي فاولر. وعندما يتّجه نحو المرمى، كان يخترق المساحات الصغيرة مثل لويس سواريز. كان ماكراً وذكياً. لم يصبح أبداً لاعباً محوَرياً في ليفربول بسبب الإصابات، لكن حين كان متاحاً، كان إصراره وابتكاره يجعلان منه لاعباً يُعتمد عليه لإحياء أداء الآخرين - كما فعل ضدّ إيفرتون.
وفاته يَصعُب استيعابها. بحلول منتصف النهار، كانت القمصان من مانشستر يونايتد، ليدز يونايتد، غلاسكو رينجرز، وناديه السابق وولفرهامبتون واندررز مصطفّة بجانب العشرات من باقات الزهور خارج «أنفيلد»، حتى أنّ محاولة عدّها باتت بلا جدوى. فما إن تحصي عدداً، حتى يرتفع.
كان الجو دافئاً، والسماء صافية - يوم صيفي مثالي - لكنّ الجميع بدوا مذهولين، يكافحون للتعبير عن مشاعرهم حين يُسألون عن حقيقة أنّه لم يَعُد هنا.
تكرّر الموضوع مراراً. في كل مرّة كان جوتا يُمثل ليفربول على هذا الملعب، كان يغادر الميدان ملوّحاً لعائلته. التحدّث عنه كلاعب كرة قدم بدا غير مناسب. الناس كانوا يُفكّرون بشكل أساسي في زوجته، روت، وأطفاله الثلاثة. لقد تزوّج جوتا من حُبّ طفولته قبل أسبوعَين فقط في البرتغال، وكان آندي روبرتسون أحد الحاضرين في الزفاف، وقد وصف صديقه بأنّه «يتفجّر حُباً لزوجته وعائلته».
وعلى رغم من الاعتراف بأنّها خسارة فادحة لليفربول، فإنّ ألم زوجته لا يُتصوَّر. كلمة «مأساة» لا تكفي. ما حدث لها كارثي بكل المقاييس.
آخر ظهور علني لجوتا في ليفربول كان في اليوم الذي جابت فيه حافلة الفريق شوارع المدينة احتفالاً بلقب الدوري. عند مرور الحافلة المليئة بالبيرة التي تقلّ جوتا وزملاءه في شارع ووتر، اقتحمت سيارة الحشود وأصابت أكثر من 100 شخص. والآن، هذه الفاجعة. كان من المفترض أن يكون صيفاً للاحتفال، خصوصاً بعد أن جاء آخر لقب لليفربول في عام 2020 وسط جائحة وقيود غير مسبوقة. وبدلاً من ذلك، سيُذكر هذا الصيف على أنّه فترة حزن وصدمة.
منذ انضمامه إلى ليفربول بعد أشهر قليلة من ذلك التتويج، عاشَ جوتا في منطقة بلندلساندز قرب شاطئ كروسبي، غالباً ما احتفظ بخصوصيّته. روبرتسون كان يصف شخصيّته أحياناً، قائلاً إنّه «أكثر أجنبي بريطاني قابلته على الإطلاق»، وكانا يمزحان أحياناً بأنّه إيرلندي وليس برتغالياً. ولو كان الأمر كذلك، لكان أقرب إلى ليفربول ممّا ربما كان يدرك، نظراً لروابط المدينة مع دبلن وما بعدها.
ظهرت قصص عن كيف أثّر جوتا في حياة الآخرين بطرق تتجاوز مجرّد أدائه مع ليفربول. أحد المشجّعين، على سبيل المثال، نشر مقطع فيديو منذ 4 سنوات يُظهر جوتا يرسل لوالده المريض رسالة شخصية تتضمّن نصائح عن الحفاظ على عقلية إيجابية.
لكن حتى لو لم تظهر شخصيّته خارج الملعب دائماً، فإنّ سكان ليفربول عرفوا اللاعب، وهذا وحده كافٍ ليشعروا بهذه الخسارة الهائلة. لقد اعتادت ليفربول -للأسف- على أن يتداخل الحزن مع مسيرة ناديها الكروي خلال الـ40 عاماً الماضية، لكنّها لم تشهد قط، في تاريخها الحديث، وفاة لاعب في الفريق الأول، فضلاً عن أن تكون بظروف بهذه الوحشية.
أحياناً يُقال إنّ مدينة ليفربول تبالغ في ردود فعلها على المآسي، لكن مَن يعرف شيئاً عن ماضيها يُدرك أنّه انتقاص مرتبط بكارثة هيلزبره: ذلك القمع الذي أعقب أسوأ كارثة ملاعب في التاريخ البريطاني، حين صدّق كثيرون أكاذيب رُوِّجت من قِبل السلطات وبعض وسائل الإعلام.
بالتأكيد لم يكن هناك أي مبالغة خارج «أنفيلد» أمس، فيما انجرف بعد الظهر في مساء صيفي كسول، وفي العادة، ما كانت العقول المنشغلة ستفكر في كرة القدم.
لكن بدلاً من ذلك، بدا أنّ النادي، والمدينة المحيطة به، لا يزالان يحاولان استيعاب ما حدث. ومع غروب الشمس، بقيَ المشجّعون هناك، يحدّقون في الفراغ، يهمسون بصلوات هادئة من أجل لاعب كرة قدم رحل، لكنّه كثيراً ما منحهم الأمل عندما كانوا في أمسّ الحاجة إليه.








