

تخضع خطة سلطنة عُمان إلى مراقبة دقيقة من قبل حكومات أخرى في المنطقة، تستعدّ لمستقبل ما بعد النفط.
لطالما أثار مفهوم ضريبة الدخل الجدل والقلق بين مواطني الدول الغنية بالوقود الأحفوري في الخليج الفارسي. لكن لم تُقدِم أي دولة فعلياً على تطبيقها حتى الأسبوع الماضي، عندما أعلنت عُمان أنّها ستفرض ضريبة بنسبة 5% بدءاً من عام 2028 على مَن يتجاوز دخله 42,000 ريال عماني، أي ما يعادل نحو 109,000 دولار أميركي.
وأوضح المسؤولون، أنّ الضريبة الجديدة تهدف إلى تعزيز العدالة الاجتماعية وتقليل اعتماد البلاد على النفط والغاز، اللذَين شكّلا حوالى 70% من الإيرادات الحكومية العام الماضي. لكن من المحتمل أيضاً أن تصبح عُمان أرض اختبار في المنطقة، إذ استخدمت العائلات المالكة، التي تحكم منذ عقود، ثروات الموارد لدعم حياة المواطنين مقابل منحهم قدراً ضئيلاً من المشاركة السياسية.
منذ اكتشاف النفط في شبه الجزيرة العربية في ثلاثينات القرن الماضي، اتّبعت العائلات المالكة في الخليج شكلاً سلطوياً من الحكم، يقوم على تقاسم جزء من عائدات الوقود الأحفوري مع المواطنين من خلال التوظيف في القطاع العام، الدعم، ومنافع الدولة الأخرى - مع الاحتفاظ بجزء كبير منها لأنفسهم، من خلال آليات غالباً ما تكون غير شفافة.
وقد جمعت هذه العائلات بين هذه الاستراتيجية ودرجات متفاوتة من القمع السياسي، ممّا مكّنها من الحفاظ على دول مستقرّة وسلمية عموماً، مع الحدّ من المشاركة السياسية.
لكن هذا النموذج واجه ضغوطاً خلال العقد الماضي. فقد شهدت عائدات النفط تقلّبات في دول خليجية عدة، كما زادت حكوماتها من الإنفاق. وهي تسعى الآن لإيجاد طرق لتنويع اقتصاداتها بعيداً من الوقود الأحفوري.
في السعودية، كان خفض دعم الطاقة إحدى أولى السياسات الكبرى التي اتخذها محمد بن سلمان، ولي العهد والحاكم الفعلي حالياً، ما دفع المواطنين للتهافت إلى محطات الوقود لملء خزاناتهم قبل أن تدخل الزيادات السعرية حيّز التنفيذ.
أمّا في عُمان، التي يقودها السلطان هيثم بن طارق، بالوراثة، فسارع المسؤولون إلى التأكيد على أنّ السياسة الجديدة سيكون لها تأثير طفيف على معظم المواطنين. وأكّد وزير الاقتصاد، سعيد الصقري، في التلفزيون الرسمي، أنّ الضريبة ستطال فقط 1% من السكان.
ويُعزى ذلك جزئياً إلى أنّ عدد أصحاب الدخل المرتفع في عُمان أقل مقارنةً بدول خليجية أخرى مثل الإمارات العربية المتحدة وقطر.
كما يتضمّن القانون الجديد «إعفاءات واسعة تقلّل بشكل كبير من العبء»، بحسب سعيد المحرمي، المستشار الاقتصادي العماني البارز. وأضاف أنّ رسوم التعليم، تكاليف الرعاية الصحية، والعديد من النفقات الأخرى ستكون قابلة للخصم.
وذكرَت كارين إي. يونغ، الخبيرة في الاقتصاد السياسي المتخصّصة في الخليج في مركز سياسات الطاقة العالمية بجامعة كولومبيا، أنّ الضريبة ستؤثر في الغالب على المقيمين الأجانب ذوي الدخل المرتفع، وقد تدفع ببعضهم إلى المغادرة.
ومع ذلك، تساءل بعض العُمانيِّين عن توقيت الإعلان، الذي جاء في خضمّ حرب إقليمية بين إيران وإسرائيل. واعتبرت سامية مراد (31 عاماً)، وهي عمانية تدير مجموعة شبابية غير ربحية: «للوهلة الأولى، تبدو ضريبة الدخل خطوة إيجابية، إذا كان هدفها تمويل وتحسين الخدمات العامة، وإذا كانت تستثني الفئات ذات الدخل المنخفض. لكنّ القلق الحقيقي هو ما إذا كان يمكن إساءة استخدامها، فتتحوّل إلى عبء إضافي على المواطنين أو عاملاً يُثني عن الاستثمار في عُمان».
وأشار محللون إلى أنّه ما إن تُطبَّق ضريبة دخل، فإنّ الحكومة يمكن أن ترفع النسبة بسهولة أو تخفّض الحدّ الأدنى للدخل الخاضع للضريبة. ففي عام 2018، فرضت السعودية ضريبة على القيمة المضافة بنسبة 5% لزيادة الإيرادات من مصدر غير نفطي. وعندما انهارت أسعار النفط في عام 2020، ضاعفت السلطات هذه النسبة ثلاث مرّات، وقدّمتها كإجراء موقت حتى يتحسّن الوضع الاقتصادي. لكنّ النسبة لم تنخفض لاحقاً.
ويعتقد أحمد كشوب، الاقتصادي العماني، أنّ الضريبة ضرورية لتنويع مصادر دخل الدولة، واعترف بأنّ التحدّيات القصيرة الأجل أمر لا مفرّ منه: «لكن مع مرور الوقت، يمكن للقانون أن يدعم خدمات عامة أفضل وتنمية اقتصادية أكثر توازناً، بشرط أن تضمن الحكومة الشفافية بشأن كيفية تخصيص عائدات الضرائب».
ورأت الدكتورة يونغ، أنّ هذه السياسة قد تؤدّي إلى إعادة توازن في العلاقة بين المواطنين وحكومتهم. فبمجرّد أن تبدأ الحكومة في جمع الإيرادات من مواطنيها، قد يبدأ البعض بطرح أسئلة أكثر جدّية حول كيفية إنفاق القادة لتلك الأموال، ورغبة في محاسبتهم. وأضافت أنّ القرار يُعدّ إشارة إلى السكان، مفادها أنّه مع استعداد البلاد لمستقبل ما بعد النفط، «أنت، كمواطن ومقيم، تتحمّل مسؤولية التغييرات التي يجب أن تحدث».








