أخصائية تغذية


يُعَدّ فيتامين K2 من العناصر الغذائية التي لم تحظَ بشهرة واسعة، غير أنّ الدراسات الحديثة أبرزت أهميته في توجيه الكالسيوم بين العظام والأوعية الدموية، وهو يختلف في آليته الحيوية كليّاً عن فيتامين K1 الموجود في الخضروات الورقية.
ينتمي K2 إلى عائلة «المينوكوينونات» ويظهر أساساً بصيغتَي MK‑4 و MK‑7؛ وتُعَدّ الأخيرة أكثر ثباتاً وفاعلية لسهولة امتصاصها وطول زمنها الحيَوي، وتُستخلص عادةً من الأطعمة المخمّرة والجبن المعتّق.
أمّا MK‑4، فيتوافر بكميات معتدلة في صفار البيض والكبد والزبدة الناتجة من أبقار تتغذّى على الأعشاب.
على المستوى البيوكيميائي، يُفعِّل فيتامين K2 بروتينات تعتمد على الكاربوكسيلاشن، من أبرزها أوستيوكالسين الذي يرسِّخ الكالسيوم في مصفوفة العظام، و MGP الذي يحول دون ترسّبه داخل جدران الأوعية وأنسجة الجسم الرخوة.
بيّنت تجربة عشوائية مزدوجة التعمية (Journal of Bone and Mineral Researc) أنّ مكمّلات MK‑7 بجرعة 180 ميكروغراماً يومياً رفعت كثافة العظام وخفّضت مؤشرات التآكل لدى نساء بعد سنّ الإياس، مؤكِّدةً أنّ دور K2 يتجاوز تحسين الامتصاص إلى توجيه الكالسيوم نحو المكان الصحيح.
على صعيد القلب، يُعَدّ تكلّس الشرايين عاملاً محوَرياً في تطوّر تصلّبها. أظهرت دراسة رصدية في «المجلة الأوروبية لأمراض القلب» أنّ تناول K2 بانتظام خفّض خطر تكلّس الأبهر 34% وأمراض القلب التاجية 20%.
كذلك، كشفت «دراسة روتردام» طويلة الأمد، أنّ المستويات المرتفعة من K2 اقترنت بتراجع واضح في وفيات القلب.
الفوائد المحتملة لا تقف هنا؛ فأشار بحث مجلة Diabetes Care إلى تحسُّن حساسية الإنسولين وانخفاض الهيموغلوبين السكري لدى متناولي K2، بينما أظهرت بيانات مخبرية أولية تأثيرات مثبِّطة لبعض الخلايا السرطانية.
كما نشرت مجلة Frontiers in Aging Neuroscience أدلة على قدرة K2 في الحدّ من الأكسدة الدماغية وتعزيز بعض الوظائف المعرفية مع التقدّم في السنّ.
وعلى رغم من وجود K2 في الأغذية المخمّرة ومنتجات حيوانية طبيعية، قد يشيع نقصه لدى من يُقلّون هذه الأطعمة أو يعانون سوء امتصاص الدهون، أو يتناولون مضادات K مثل الوارفارين.
هنا تصبح المُكمِّلات خياراً مفيداً، لاسيما لِمَن لديهم هشاشة عظام أو قابلية للتكلّس الشرياني، على أن تُحدَّد الجرعة بعد تقييم سريري، إذ تراوحت المقادير الفعّالة في الدراسات بين 90 و 180 ميكروغراماً يومياً من MK‑7.
خلاصة القول: يمثّل فيتامين K2 عنصراً مركزياً لضبط توازن الكالسيوم، ودعم كثافة العظام، والحدّ من تكلّس الأوعية.
ومع تراكم الأبحاث المؤيّدة، يستحقّ هذا «الفيتامين المنسي» مكانة بارزة ضمن استراتيجيات الوقاية الغذائية، خصوصاً في منتصف العمر وما بعده.








