يبدو أنّ الضربات الإسرائيلية والأميركية قد خلقت عائقاً كبيراً أمام قدرة إيران على تصنيع القنابل الذرية، حتى وإن ظلّ مخزونها من وقود اليورانيوم دون مساس، بحسب المحللين.
استهدفت الهجمات أحد المواقع في أصفهان ودمّرت معدّات كانت إيران تستعد لاستخدامها لتحويل غاز اليورانيوم المخصّب إلى معدن كثيف، أي «التحويل إلى معدن»، وتُعدّ من الخطوات الأخيرة في تصنيع نواة القنبلة الذرية المتفجّرة.
ويوضح خبراء طاقة نووية، أنّ تلك المعدات المدمّرة ربما لم تكن لتوجد أصلاً لولا انسحاب الرئيس دونالد ترامب من الاتفاق النووي التقييدي في فترته الرئاسية الأولى، وهو الاتفاق الذي تفاوض عليه الرئيس باراك أوباما.
وجّه ترامب وحلفاؤه انتقادات لاتفاق أوباما، معتبرين أنّه يُتيح لإيران إنتاج ما تشاء من الوقود النووي بعد عام 2030. غير أنّ بعض الخبراء يرَون أنّ الانتقاد يغفل تهديداً أكثر إلحاحاً، وهو أنّ إيران كثّفت عملها في أصفهان بعدما ألغى ترامب الاتفاق، فبات في الواقع مضطراً إلى تحييد خطر من صُنع يَده.
ويعتقد روبرت أينهورن، المسؤول السابق في ضبط التسلّح، وشارك في المفاوضات مع إيران خلال إدارة أوباما والباحث في معهد بروكينغز: «من غير المرجّح أنّنا كنّا سنضطر إلى قصف منشآت إنتاج معدن اليورانيوم اليوم لو لم تنسحب إدارة ترامب الأولى من الاتفاق النووي».
ويتفق معه مايكل إس. لوبيل، أستاذ الفيزياء في كلية مدينة نيويورك، الذي كان يمتلك تصاريح فيدرالية تخوّله الاطلاع على أسرار حكومية تتعلّق بالأسلحة النووية: «خلق ترامب هذه الفوضى. لا شك في أنّ الاتفاق النووي الإيراني كان ناجحاً. لكنّه مزّقه، خلق كارثة، والآن يقول: أنا المنقذ».
عندما سُئلت المتحدّثة باسم البيت الأبيض آنا كيلي عن هذه الانتقادات، ردّت بأنّ ترامب «كان محقاً في كل ما يتعلّق بالصراع في إيران، بما في ذلك ازدراؤه لاتفاق 2015. ما كان ينبغي للولايات المتحدة أبداً أن تدخل في اتفاق أوباما الإيراني السيّئ. الرئيس ترامب فعل ما لم يفعله الرؤساء السابقون سوى بالكلام. دُمِّر برنامج إيران النووي، وتوصّلنا إلى وقف إطلاق نار تاريخي، والعالم بأسره أصبح أكثر أماناً».
الآن، يفحص المحلّلون آثار الحملة الإسرائيلية والأميركية من كثب، وتضمّنت العديد من تقييماتهم تحفّظات، نظراً إلى أنّ إيران خطّطت لسنوات طويلة لاحتمال اندلاع صراع علني، فشيّدت مواقع سرّية يمكن أن تُستخدم كمرافق طارئة، لدفع عملها النووي سراً.
ويرى رافي ميرون، نائب رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي سابقاً، أنّ جزءاً من مبرّرات الحرب يعود إلى التقدّم الذي أحرزته إيران في تحضير اليورانيوم لاستخدامه في الأسلحة. وأضاف أنّ المخطّطين الإسرائيليِّين رأوا في تلك التقدّمات اقتراباً من حصول طهران على سلاح نووي في وقت قصير «فتقرّر خوض الحرب لتغيير هذا الوضع جذرياً».
رأت بعض التقييمات المبكرة للحرب، أنّ الضربات أعادت البرنامج النووي عدة أشهر إلى الوراء، من دون تحديد الجزء من البنية التحتية النووية الإيرانية الذي يمكن إعادة بنائه بسرعة.
لكن الآن، يعتقد خبراء الطاقة النووية أنّ تدمير مصانع تحويل اليورانيوم إلى معدن قد أنهى على ما يبدو قدرة طهران القريبة المدى على تصنيع نواة متفجّرة لقنبلة نووية، لأنّ إعادة بناء تلك المواقع الحيَوية قد تستغرق سنوات.
الأربعاء، قدّم وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو الحجة عينها، بأنّ تدمير مصانع التحويل (مواقع المعدنة) أعاد الإيرانيِّين سنوات إلى الوراء، وليس بضعة أشهر كما زعم تقرير أولي لوكالة استخبارات الدفاع عن آثار الحرب.
وأكّد روبيو، مستشار الأمن القومي الموقت للرئيس ترامب: «لا يمكنك صنع سلاح نووي من دون منشأة تحويل. لا يمكننا حتى أن نجد موقعها الآن على الخريطة. كل شيء أصبح أسود. انتهى. مُحيَ تماماً».
ويُعتبر الإجماع الظاهري بشأن مسألة المعدنة أمراً غير معتاد، إذ غالباً ما تختلف الآراء بين الخبراء ووكالات الاستخبارات حول تقييمات التهديد والأضرار. ويعتقد بعض منتقدي الحرب أنّ إيران عملت منذ زمن طويل على المعدنة في مواقع أخرى، مشيرين مثلاً إلى محطة فارامين للأبحاث التي فكّكتها وطهّرتها إيران عام 2004. لكنّ هذه المواقع تبدو صغيرة، غير مكتملة، أو مهجورة مقارنةً بالمجمّع الضخم الذي نشأ في أصفهان.
وتركّزت العديد من التحذيرات التفصيلية على قدرة طهران المتنامية في استخدام أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم، أي رفع تركيز النوع النادر جداً من اليورانيوم المستخرج من المناجم. بينما ركّز عدد قليل من التقارير على المراحل النهائية لتصنيع القنبلة، والمعروفة مجتمعة باسم «التسلح».
وأوضحت كوري هيندرشتاين، خبيرة حظر الانتشار النووي في إدارة بايدن، وتعمل حالياً في مؤسسة كارنيغي: «كان تحويل غاز اليورانيوم المستخرج من أجهزة الطرد المركزي إلى معدن ليشكّل نواة لقنبلة، محظوراً. كثيرون يتحدّثون عن مدى السرعة التي يمكن بها الوصول إلى يورانيوم بدرجة سلاح. لكنّها ليست نهاية العملية». وأضافت أنّه خلال فترة حياة الاتفاق القصيرة، لم ترَ واشنطن أي مؤشرات إلى أنّ الإيرانيِّين يُحرزون تقدّماً في المعدنة.
في شباط 2021، أفادت الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأنّ مجمّع أصفهان بدأ فعلياً بإنتاج اليورانيوم المعدني بكمية ضئيلة (3,6 غرام فقط)، أي جزء ضئيل جداً من الأونصة. لكنّ خبراء الطاقة النووية رأوا فيها تصعيداً خطيراً في تهديد إيران النووي.
في الأيام الأولى للحرب، قصفت إسرائيل مواقع المعدنة في أصفهان، ثم أعادت قصف المجمّع الصناعي الذي يتألف من عشرات المباني الكبيرة والهياكل الأصغر حجماً.
في 13 حزيران، أعلنت قوات الدفاع الإسرائيلية عن تدمير موقعَين رئيسَين في مجمّع أصفهان: مصنع لإنتاج «اليورانيوم المعدني»، و»بنية تحتية» لتحويل اليورانيوم المخصب إلى أسلحة نووية. وأظهرت صورة فضائية إسرائيلية موضّحة المباني المستهدفة، وأنّ الهجمات ركّزت على «المرحلة التي تلي تخصيب اليورانيوم في عملية إنتاج الأسلحة النووية».
وفي إشارة واضحة إلى «البنية التحتية» المدمّرة، ذكرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في 19 حزيران، أنّ الضربات الإسرائيلية أصابت «منشأة معالجة معدن اليورانيوم المخصب، التي كانت قيد الإنشاء».