تيتي تيتي... رحتي متل ما جيتي!؟
تيتي تيتي... رحتي متل ما جيتي!؟
محمود القيسي
Saturday, 28-Jun-2025 06:42

نعم إيران، «تيتي تيتي تيتي رحتي متل ما جيتي...» back to square one من دون تحقيق أي تقدّم أو تغيير سوى الموت والدمار والخراب... سوى العودة إلى النقطة عينها التي بدأت منها! بل إلى النقطة - صفر... أو ما دون ذلك!؟

 

مع انهيار الأعمدة الثلاثة التي قام عليها النظام، البرنامج النوويّ، الصواريخ البالستية، والوكلاء الإقليميِّين، يواجه النظام أزمة وجود غير مسبوقة، يفرض السؤال الأهمّ نفسه: هل يتمكّن النظام من «الصمود» والتمديد له، أم ساعة التحوّل قد دقّت؟

 

العقل الباطن لا يعرف الفرق بين الخيال والحقيقة... النكسة أو الكارثة... الهزيمة أو الانتصار... كما هي حالنا في عصر الوعي «المقدّس»... الوعي الكاذب... والأفكار البائدة منتهية الصلاحية منذ عقود وعقود!

 

عودة إيران إلى داخل حدودها... وما قد ينتج من ذلك من تداعيات سياسية واجتماعية واقتصادية داخلية.

 

الحرب بشكل عام انتهت، من دون الولوج الآن في التفاصيل الوجودية الكثيرة، والرئيس الأميركي دونالد ترامب هو مَن أعلن النهاية ونفّذها.

المنطقة تسير ضمن قطيع يقوده ترامب. القرار اتُخِذ ونُفِّذ، ولا أحد من الأطراف المعنية يمتلك مصلحةً في الاستنزاف، لا إيران ولا إسرائيل.

 

إيران أدركت اختلال موازين القوى، ووجدت نفسها وحيدةً في المواجهة.

إسرائيل أدركت أنّها لا تتحمّل استمرار تساقط الصواريخ الإيرانية لفترةٍ طويلة.

أميركياً، تحقق الهدف الأساسي: توجيه ضربة للمشروع النووي الإيراني.

 

الإسرائيليّون يعتبرون أنّهم نجحوا، على الأقل، في تأخير هذا المشروع 4 أو 5 سنوات في أسوأ الاحتمالات. كانت كافّة الظروف مؤاتية لإنهاء الحرب، سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي.

 

مبروك أميركا: الصين، وروسيا، والدول الأوروبية، لا ترغب بتوسّع النزاع لما لذلك من تداعياتٍ خطيرةٍ على سوق النفط ومضيق هرمز، بالتالي على الاقتصاد العالمي العالق في «عنق رحم» الشرق الأوسط الجديد إلى ما شاء الله.

 

«الأطراف المباشرة وغير المباشرة»، بالإضافة إلى الموقف الأميركي الذي أنجز ما يُريد أو على الأقلّ الجزء الأهم منه، لم تعُدْ لديهم مصلحة في استمرار المعارك.

 

نعم، أُعلن وقف إطلاق النار، لكن وفق قاعدة أن تبقى واشنطن ممسكةً بزمام الأمور. مشهدٌ لمّ يألفه العالم من قبل، حين أعلن «رئيس العالم» ترامب عن وقف إطلاق النار، مطالِباً إيران وإسرائيل بالالتزام.

 

لم تُراعَ إيران، وإن سُمِحَ لها بتوجيه ضربةٍ لقاعدةٍ أميركيةٍ في قطر، إلّا أنّ الضربة كانت رمزيةً ومدروسة، لحفظ ماء الوجه فقط.

 

نعم، سنشاهد بعض التوتّرات الموضعية هنا وهناك، إلّا أنّ المسار العام يتّجه نحو تثبيت وقف إطلاق النار، وبدء التفكير بمرحلة ما بعد الحرب، والمفاوضات السياسية على طريقة عمل الشركات الكبرى العابرة للقارات ورجال الأعمال الأميركيِّين.

 

«حزب الله» تلقّى رسالته قبل إيران. وأظهرت الوقائع أنّ إيران ليست بالعمق الاستراتيجي الذي صوّره البعض. ومشروع إيران الإقليمي انتهى، وطهران عادت إلى داخل حدودها الجغرافية «القاتلة».

 

نهاية المشروع الذي انعكس حتماً على جميع أذرعها في المنطقة، كما عايَشنا وشاهدنا. وأعطى «حزب الله»، إشارةً «إيجابيةً» في ممارسة «التقية» وإضمار التورية بعدم دخوله الحرب، وأعلن التزامه عدم التصعيد تجاه إسرائيل، والسعي إلى تحقيق مكاسب سياسية داخلية وخارجية!

 

كلّ مراوغة في اتخاذ القرار بالاندماج الفعلي في الحياة السياسية، والتخلّي عن سلاحه، سيُكلّف الحزب ولبنان خسائر وجودية فادحة. نعم، لم يَعُد هناك مبرّر لبقاء سلاح إيراني، لم يَعُد فعّالاً في «ردع إسرائيل»، بل أصبح عائقاً أمام سيطرة الدولة وتثبيت سيادتها. ناهيكم أنّ الظروف أصبحت «غير مناسبة» لاستمراره.

 

أخيراً وليس آخراً، سيُجبر «حزب الله» على «الخضوع» لهذه الخيارات الكبرى التي تُفرض على مستوى المنطقة. علماً أنّ الموفد الأميركي سفير الولايات المتحدة لدى تركيا توم برّاك سيعود إلى بيروت في 7 تموز المقبل لاستكمال البحث في ما طُرح بينه وبين المسؤولين اللبنانيِّين في زيارته الأولى، ومن ضمنه ملف نزع سلاح «حزب الله» وتمويله.

 

تزامن ذلك مع عودة إسرائيل إلى إثارة ملف تمويل الحزب، على خلفية اغتيالها قبل أيام هيثم عبد الله بكري الذي وُصِف بأنّه مصرفي على صلة وثيقة بـ«حزب الله» يعمل رئيساً لشبكة «الصادق» للصرافة.

 

مع أنّ الضبابية التي لا تزال تغلّف بعض جوانب المشهد الإقليمي غداة سريان وقف النار بين إسرائيل وإيران، تلفح بتأثيراتها الوضع اللبناني، فإنّ ذلك لم يحل دون «العودة» إلى الملفات اللبنانية وأولوياتها، انطلاقاً من الوضع الميداني القائم في الجنوب، واقتراب استحقاق التمديد للقوة الدولية العاملة فيه (اليونيفيل) في آب المقبل. وهو الاستحقاق الذي يكتسب هذه المرّة أهمية حاسمة في ظلّ كل ما شهدته المنطقة الحدودية وما زالت تشهده من تطوّرات ميدانية تتّسم بخطورة عالية.

 

هذا الاستحقاق حضر خلال جولة وفد عسكري بريطاني رفيع برئاسة مستشار وزارة الدفاع البريطانية لشؤون الشرق الأوسط، على المسؤولين قبل أيام. وأفادت رئاسة الجمهورية أنّ الرئيس جوزاف عون أكّد أمام الوفد أهمية التمديد لقوات «اليونيفيل»، معتبراً أنّها تمثل ركيزة أساسية للحفاظ على الاستقرار والأمان على الحدود الجنوبية.

 

من المفارقات العجيبة الغريبة أن يحتفل «العدو الإسرائيلي والعدو الإيراني» في اليوم نفسه بانتصاراتهما «الإلهية» في «حروبهما المقدّسة» الأخيرة! انتصاراتهما على مَن؟! سؤال برسم المتفزلكين جميعاً...

 

يقول المفكّر صادق جلال العظم: «لا توجد قداسة في الفكر... كل فكرة غير قابلة للنقد هي مشروع استبداد». نعم، لا يوجد سؤال مشروع أو سؤال غير مشروع لأنّ كل الأسئلة مشروعة...

 

theme::common.loader_icon