افتتحت منظمة حلف شمال الأطلسي (NATO) اجتماعاً رفيع المستوى الثلاثاء، في ظلّ حرب في الشرق الأوسط تطغى على حرب أخرى تدور على أعتاب الحلف. ومن المتوقع أن تُهيمن الهدنة الموقتة بين إسرائيل وإيران على المناقشات، ممّا يُضعِف الحديث عن غزو روسيا لأوكرانيا.
لكن لدى «الناتو» همومٌ أخرى تشغله في قمّته السنوية لقادة الحلف في لاهاي، وتحديداً الحفاظ على جبهة موحّدة وسط خلاف داخلي حول الإنفاق العسكري.
وقد تساهم الهدنة الجديدة، التي أعلنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مساء الاثنين، في توحيد صفوف دول «الناتو» نحو هدف مشترك. واعتبرت ليانا فيكس، الخبيرة في شؤون أوروبا لدى مجلس العلاقات الخارجية، أنّه «من المفارقات أنّ هذا قد يكون له تأثير إيجابي على قمة الناتو»، لأنّه قد يُشتِّت الانتباه عن «تصعيد قضايا أخرى».
لكنّ حالة من عدم اليَقين سادت حول ما إذا كانت الهدنة قد دخلت حيِّز التنفيذ، إذ لمَّح ترامب إلى أنّ البلدَين واصلا القتال، فكتب على منصة «تروث سوشيال»: «متّجه إلى «الناتو» حيث ستكون، في أسوأ الأحوال، فترة أكثر هدوءاً ممّا مررتُ به لتوّي مع إسرائيل وإيران. نأمل تحقيق الكثير!».
وتوقّع مارك روته، الأمين العام الودود لـ«الناتو»، أنّ مسألة الهدنة لن تُشتّت الانتباه عن التركيز الأساسي للقمة، مؤكّداً: «إذا لم نتمكن من التعامل مع الشرق الأوسط، الذي يُهَيمن تماماً على العناوين الرئيسة، وأوكرانيا في آنٍ، فلا ينبغي لنا أن نكون في مجال السياسة والعسكر».
لكنّ جهوده للحفاظ على قمة موجزة ومثمرة، لا تزال بعيدة من أن تكون مضمونة. حتى في الوقت الذي كان فيه ترامب في طريقه إلى القمة، زاد من التوتر في أوروبا بعدم التزامه بمبدأ أساسي في «الناتو»، وهو المادة 5: وعد الدول الأعضاء في الحلف بالدفاع عن بعضها البعض. وعندما سأله الصحافيّون عن ذلك، ردّ: «يعتمد الأمر على تعريفكم. أصبحتُ صديقاً لكثير من هؤلاء القادة، وأنا ملتزم بمساعدتهم».
جدل حول الإنفاق الدفاعي
كان مطلب ترامب بأن ترفع جميع دول «الناتو» إنفاقها الدفاعي إلى 5% من ناتجها المحلي الإجمالي (صعوداً من 2% من بين القضايا القليلة التي كان روته يأمل أن يُوافَق عليها بالإجماع.
في وقت سابق من حزيران، وافق الحلفاء على زيادة الاستثمارات الدفاعية بمقدار 5 أضعاف، مع المزيد من أنظمة الدفاع الجوي، المقاتلات، الدبابات، الطائرات المسيّرة، والقوات. وكان من المفترض أن يُبَتّ في كيفية تمويل ذلك خلال القمة.
أثناء توجّهه إلى لاهاي، أكّد ترامب أنّ نسبة الـ5% ستمنح أوروبا «قوة أكبر بكثير». لكنّه عبّر عن استيائه من إسبانيا، بقوله: «إسبانيا لا توافق، وهذا جداً غير عادل لبقية الدول»، بعدما أعلن رئيس وزرائها بيدرو سانشيز، الأحد، أنّ بلاده ستُنفق «لا أكثر ولا أقل» من 2,1% من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع.
وصرّح سانشيز، بأنّ عتبة الـ5% «ستكون غير متوافقة مع دولة الرفاه الخاصة بنا ومع نظرتنا إلى العالم». وجاء في بيان صادر عن مكتبه، أنّ اتفاقاً نهائياً مع روته يؤكّد أن «ليس جميع الحلفاء ملزَمين بهدف 5%». وأصرّ روته على أنّ الحلفاء سيوافقون على هدف 5%، مؤكّداً أنّه «لا يوجد استثناء» لإسبانيا.
وأوضح ماثيو كرونيج، الخبير في المجلس الأطلسي، أنّ الوحدة قد تُحقَّق إذا ظلّ الحلفاء «غامضين بشأن الجدول الزمني». لكنّه أشار إلى أنّه «إذا حصل حليف واحد على استثناء، فلماذا لا تسعى دول أخرى إلى ترتيبات مماثلة؟».
ماذا عن أوكرانيا؟
على عكس القمم الثلاث الأخيرة لقادة «الناتو»، التي أعقبت جميعها غزو روسيا في 2022، لن تحظى أوكرانيا هذه المرّة بحضور بارز. وحضر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عشاءً رفيع المستوى مع القادة الآخرين، وسيعقد وزراء الخارجية اجتماعاً للتشاور حول أولويات ساحة المعركة.
وسيكون سَيل التعهّدات بتقديم الأسلحة من دول «الناتو» بقيادة الولايات المتحدة أكثر محدودية، ولن تكون الوعود السابقة بانضمام أوكرانيا النهائي إلى الحلف جزءاً من جدول الأعمال. مع ذلك، أكّد روته أنّ الحلفاء في أوروبا وكندا قدّموا لأوكرانيا 35 مليار دولار من المساعدات الأمنية حتى الآن هذا العام، أي أكثر من نصف الطريق نحو هدف الـ 50 مليار دولار المحدّد لعام 2025.
ويؤكّد كورت فولكر، السفير السابق للناتو خلال إدارة جورج بوش والمبعوث الخاص لأوكرانيا خلال الإدارة الأولى لترامب: «لن يتمّ التطرّق كثيراً إلى أوكرانيا من قبل الناتو» نتيجة تباين وجهات النظر بين إدارة ترامب والقادة الأوروبيِّين بشأن التهديد الذي تُشكّله روسيا على أوروبا و«الناتو» إذا لم تنجُ أوكرانيا كدولة ذات سيادة.
وحدة الحلف
أثار المأزق حول أوكرانيا والخلاف المتصاعد بشأن الإنفاق تساؤلات حول مدى التزام إدارة ترامب بأمن أوروبا، بالتالي بـ«الناتو» نفسه. ويُجري البنتاغون مراجعة لمواقع قوّاته حول العالم، في خطط قد تشمل تقليص الآلاف من القوات على الجناح الشرقي للناتو. ومن المتوقع الانتهاء من المراجعة في الأشهر المقبلة.
ويُشير مايكل آر. كاربنتر، الذي أشرف على سياسة أوروبا في البيت الأبيض خلال إدارة بايدن: «إسأل أي زعيم أوروبي عمّا إذا كان يعتقد أنّ الولايات المتحدة ملتزمة بالمادة 5 اليوم كما كانت قبل عام، وستسمع إجابة لا لبس فيها: لا».
ويُشكّك بعض الحلفاء أيضاً في مدى جدوى «الناتو» الحالية. وأشار وزير الدفاع الإيطالي، غيدو كروسيتو، الأسبوع الماضي، إلى أنّ على «الناتو» إعادة التفكير في مهمّته في ظل التحدّيات العالمية الأوسع: «الناتو بشكله الحالي لا سبب لوجوده». لكنّ روته توقّع أنّ التهديد المشترك الذي تمثّله روسيا سيُوحِّد الحلفاء.
وفي ما يتعلق بالالتزام الأميركي بـ«الناتو»، أوضح روته: «رسالتي إلى زملائي الأوروبيِّين هي: توقفوا عن القلق كثيراً، إنّهم موجودون. إنّهم معنا».