الأمر واضح كالشمس. في الملعب وخارجه، قد يكون كتاب قوانين كرة القدم غالباً مبهَماً على نحو محبط، لكنّ المادة 5.01 من لوائح الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (ويفا) الخاصة بمسابقات الأندية واضحة تماماً: «لا يجوز لأي شخص أن يشارك، بشكل مباشر أو غير مباشر، وبأي صفة كانت، في إدارة أو تنظيم أو الأداء الرياضي لأكثر من نادٍ يشارك في إحدى مسابقات الأندية التابعة لـ»ويفا». لا يجوز لأي فرد أو كيان قانوني أن يتحكّم أو يؤثر على أكثر من نادٍ يشارك في مسابقة من مسابقات الأندية التابعة لـ»ويفا»، ويُقصَد بذلك «امتلاك الأغلبية في حقوق التصويت الخاصة بالمساهمين» أو «القدرة على التأثير الحاسم على اتخاذ القرارات داخل النادي، بأي وسيلة كانت».
لهذا السبب تحديداً، تُعلَّق أحلام كريستال بالاس في أول مشاركة أوروبية له على المحك. ويبحث المساهم الأكبر في النادي، جون تكستور، عن بيع حصته البالغة 43% لصاحب الملكية المشتركة في فريق نيويورك جيتس، وودي جونسون، لأنّ شركة «إيغل فوتبول هولدينغز»، الأداة الاستثمارية المملوكة من تكستور، هي المساهم الأكبر في ليون الفرنسي، الذي تأهل بدوره إلى الدوري الأوروبي.
شكّلت هذه القضية مصدر قلق لبالاس، وينبغي كذلك. فلماذا يُفترض بـ«ويفا»، الهيئة الناظمة لكرة القدم الأوروبية، أن تسمح لناديَين تحت الملكية أو الإدارة عينها بالمشاركة في المسابقة نفسها؟ من الطبيعي وجود قواعد تحمي من تضارب المصالح وتهديدات النزاهة الرياضية.
أمضى بالاس الأسبوعَين الماضيَين يُقدّم قضيّته بهدوء أمام «ويفا»، موضّحاً أنّ تكستور، على رغم من كونه أكبر مساهم في النادي، إلّا أنّه لا يملك سوى 25% من حقوق التصويت. وفي مقابلة في أيار 2024، أقرّ تكستور بأنّ رؤيته لدمج بالاس ضمن إمبراطوريته «إيغل فوتبول»، التي تضمّ ليون وRWD مولنبيك (بلجيكا) وبوتافوغو (البرازيل) وFC فلوريدا (الولايات المتحدة)، لم تتحقق لأنّ إدارة النادي الفعلية تقع بيَد رئيس مجلس الإدارة ستيف باريش.
الآن، على «ويفا» أن يقرّر ما إذا كانت مساعي بيع أسهم تكستور لجونسون تُعدّ امتثالاً للأنظمة. الصفقة، التي يجب أيضاً أن تحظى بموافقة الدوري الإنكليزي الممتاز، لن تكتمل قبل أن يُصدِر «ويفا» قراره. وكان الموعد النهائي لتقديم الطعون المتعلقة بملكية الأندية المتعدّدة قد انتهى في الأول من آذار. ويأمل بالاس أن ينظر «ويفا» بعَين العطف إلى حقيقة أنّ تكستور بدأ عملية البيع منذ العام الماضي.
وإذا استُبعِد بالاس، فلن يكون بمقدوره الانتقال إلى دوري المؤتمر الأوروبي (الدرجة الثالثة أوروبياً)، لأنّ بروندبي الدنماركي المتأهل، مملوك لمجموعة «غلوبال فوتبول هولدينغز»، الأداة الاستثمارية المملوكة من ديفيد بليتزر، المالك المشارك في بالاس. وفقاً لقواعد «ويفا»، تحظى الأندية ذات الترتيب الأعلى في دورياتها المحلية بالأولوية في مثل هذه النزاعات الخاصة بملكية الأندية المتعدّدة.
وسيحظى بالاس بتعاطف واسع إذا صدر القرار ضدّه. الجميع شاهد ماذا مثّلت بطولة كأس الاتحاد الإنكليزي لجماهيره (أول بطولة كبرى في تاريخه)، ولقيَ الانتصار ترحيباً في الأوساط الكروية عموماً، لأنّه جاء على حساب مانشستر سيتي، كرمز لانتصار الفريق الصغير على الكبار.
كذلك، يتعاطف كثيرون مع دروغيدا يونايتد الإيرلندي، الذي استُبعِد من دوري المؤتمر الأوروبي لاحتمال تبلغ نسبته 115 فقط في الدور التمهيدي الثاني، أن يلتقي بسيلكيبورغ الدنماركي، الذي يملكه أيضاً «تريفيلا غروب».
عند قراءة بيان دروغيدا إثر رفض استئنافه أمام محكمة التحكيم الرياضي، يصعب ألّا تَشعُر بمرارته: نادٍ «مدفوع بمجتمعه المحلي... يقاتل يومياً لتجاوز حدوده»، وكان يعتقد أنّ أول حملة أوروبية له منذ 12 عاماً، إثر فوزه بكأس الاتحاد الإيرلندي للمرّة الثانية فقط، كانت ستمثل تحوّلاً جذرياً... ليس مادياً فقط، بل عاطفياً أيضاً للاعبين والموظفين والمجتمع بأسره. لكن، سواء أعجبك الأمر أم لا، هناك تضارب في المصالح، سواء كان فعلياً أو محتملاً، حين تعمل أندية عدة في المسابقة عينها تحت مُلكِية واحدة. ومنذ حزيران، هناك لوائح تمنع ذلك.
المشكلة أنّ الحملة المتأخّرة لـ«ويفا» على ملكية الأندية المتعدّدة لا تذهب بعيداً بما يكفي، إذ لا تردع ظاهرة ملكية الأندية المتعدّدة على الإطلاق بل تحاول تقديم مظاهر امتثال (تلميع سطحي إن صحّ التعبير)، وكأنّ المشكلة الوحيدة في هذه الشبكات هي خطر المواجهة المباشرة بين فريقَين مملوكَين لجهة واحدة، وليس القضايا الأعمق بكثير مثل فقدان السيادة، الهوية، والغاية من وجود هذه الأندية.
في أحدث تقاريره، «مشهد التمويل والاستثمار في أندية أوروبا»، أوضح «ويفا» أنّ 105 أندية من الدرجة الأولى في القارة أصبحت الآن جزءاً من بنى ملكية متعدّدة، بما في ذلك 15 في إنكلترا، 11 في إيطاليا، 10 في فرنسا، 9 في إسبانيا، و6 في ألمانيا.
استفادت بعض الأندية من هذه الظاهرة (لايبزيغ، سالزبورغ، وجيرونا) لكن مع اتساع الظاهرة، بدأت قصص النجاح تتضاءل أمام حجم أسماء تاريخية في أوروبا بِيعَت هويّتها وطموحاتها لمستثمرين أجانب (في الغالب من الولايات المتحدة)، يرَونها مجرّد أسهم في محفظة استثمارية.
إحدى أسرع الشبكات نمواً في السنوات الأخيرة كانت «777 بارتنرز»، التي اشترت حصصاً في إشبيلية (إسبانيا)، جنوى (إيطاليا)، ستاندار لييج (بلجيكا)، ريد ستار (فرنسا)، هيرتا برلين (ألمانيا)، ملبورن فيكتوري (أستراليا)، وفاسكو دا غاما (البرازيل). وبعدما توصّلت إلى اتفاق لشراء إيفرتون الإنكليزي، لكنّها فشلت في تأمين التمويل، انهارت الإمبراطورية، وألقت بالشك وعدم الاستقرار على جميع أنديتها.
هناك العديد من الأسباب التي تدعو إلى القلق من تصاعد ملكية الأندية المتعدّدة، وكذلك من اللامبالاة الظاهرة لرئيس «ويفا» ألكسندر تشيفرين تجاه هذه المسألة.
وعلى رغم من أهمّية نزاهة المنافسات (مثل سيناريو التقاء بالاس مع ليون)، فإنّ الخطر الأكبر يكمُن في التهديد الوجودي الذي تفرضه ملكية الأندية المتعدّدة على الفرق، وعلى الدوريات بأكملها، إن أصبحت مجرّد توابع للفرق الكبرى في قمّة الهرم.
لكنّ حملة «ويفا» المتأخّرة لا تعالج سوى المسألة السطحية، فتطلب من الأندية تنفيذ بعض الإجراءات الشكلية لتجنّب تضارب المصالح على الورق.
على سبيل المثال، اضطرّت مجموعة «سيتي فوتبول» إلى نقل أسهمها في جيرونا الإسباني إلى وكلاء مستقلين عبر «صندوق أعمى» بإشراف «ويفا»، للسماح له بالمشاركة في دوري الأبطال، بما أنّ مانشستر سيتي كان موجوداً في البطولة. وطُلِب من INEOS اتخاذ الإجراء عينه مع نيس الفرنسي للمشاركة في الدوري الأوروبي، إذ كان من المحتمل أن يواجه مانشستر يونايتد الذي يملك فيه رئيس INEOS، السير جيم راتكليف، حصة 28,9% وله سلطة على الجوانب الرياضية.
في أواخر الموسم الماضي، أعلن نوتنغهام فورست أنّ إيفانجيلوس ماريناكيس خفّض سيطرته على النادي، فوضع أسهمه في صندوق أعمى وقدّم مستندات إلى السجل التجاري في نيسان، تفيد بأنّه لم يَعُد «شخصاً ذا نفوذ كبير» في NF Football Investments Limited، لضمان الامتثال لقوانين «ويفا» في حال شارك فورست وأولمبياكوس اليوناني في المسابقة عينها.
في النهاية، فاز أولمبياكوس بالدوري وبلغ دوري الأبطال، فيما انتهى المطاف بنوتنغهام في دوري المؤتمر. فرُفِع ملف، في 12 حزيران، يُفيد بأنّ ماريناكيس عاد ليصبح «شخصاً ذا نفوذ كبير» في نوتنغهام.
أمّا ما إذا كان أي شيء قد تغيّر فعلياً، فلا نملك إلّا أخذ كلام النادي كدليل. لكن يجدير الملاحظة أنّه بعد دخول ماريناكيس إلى أرض الملعب للاحتجاج على المدرب نونو إسبيريتو سانتو بالتعادل مع ليستر في 11 أيار، أصدر النادي بياناً يُشيد بـ»مالكنا وقيادته، ليس بالكلام فحسب، بل بالفعل والحضور».
الهدف ببساطة هو التأكيد على أنّه، حتى مع وضع الأسهم في صندوق أعمى، بدا أنّ ماريناكيس كان أكثر تدخّلاً في فورست ممّا هو معتاد من مالك بعيد، بل أكثر من تكستور في بالاس. لكن بما أنّ الأمر كلّه يتعلّق بالأوراق الرسمية، فإنّ الشروط ممتثلة.
لماذا أو كيف فشل بالاس ودروغيدا في اجتياز هذه العقبات قبل 1 آذار؟ وحدهما يعرفان. قد يقول بالاس إنّ ملكية الأندية المتعدّدة لم تكن حتى على جدول أعمالهم في آذار، لكن عندما يكون لديك اثنان من المستثمرين الرئيسيِّين يملكان أندية أخرى، يبدو الأمر كأنّه تقصير كبير. أما دروغيدا، ففاز بكأس الاتحاد في تشرين الثاني، وكان لديه متسع من الوقت للامتثال.