بوتين يضع النقاط على الحروف
بوتين يضع النقاط على الحروف
عمر الصلح
جريدة الجمهورية
Wednesday, 12-Jun-2013 00:35
إختار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مجمع قنوات «آر. تي» الروسية الناطقة باللغات الإنكليزية والعربية والإسبانية ليخاطب العالم بلغته حول كثير من الملفات الدولية الشائكة.
من العلاقة الاميركية ـ الروسية إلى سياسة المعايير المزدوجة، مروراً بالأزمة الجورجية، وصولاً إلى الشأن الداخلي، وتحديداً دور القوى الخارجية في دعم المعارضة الروسية، تنقّل بوتين في أرجاء المعمورة محدّداً مواقف روسيا تجاه ملفّات متعددة. لكن الرجل، وعلى غير عادته، بحسب المراقبين، قد مرّ مرور الكرام على الأزمة السورية، علماً أنّ روسيا تواجه الغرب على خلفية تلك الأزمة.

إلّا أنّ بوتين أطلق جملة مواقف قد تُقرأ للوهلة الأولى ضمن سيناريو المواقف الروسية المعتمدة، ولكن في قراءة بين كلماته في الشأن السوري، فقد أطلق الرجل بعض الإشارات التي لا بدّ من التوقّف عندها، إذ لمّح مداورة الى أنّ الأزمة السورية دخلت في دائرة الحرب الأهلية من خلال حديثه بصيغة الماضي عن الإصلاحات التي كان على النظام السوري أن يبادر الى تحقيقها، وقال: «لو كانت السلطات السورية قد أجرت تلك الإصلاحات في حينها، لما حدث ما حدث».

زد على ذلك إشارته الى أنّ «روسيا لا تنوي التدخّل في العلاقة بين السنّة والشيعة» ما يعني ضمناً أنّ موسكو تكشف الأوراق المغلقة في الشرق الأوسط، فلم يعد خافياً أنّ المخاض الذي تعيشه المنطقة هو نتيجة مواجهة غير معلنة بين أقطاب السنّة والشيعة فيها.

واستدراكاً لزجّ روسيا في تلك المواجهة اعتمد بوتين سياسة «النأي بالنفس»، لأنّ الرجل يدرك مخاطر تلك المواجهة، ليس على منطقة الشرق الاوسط فحسب، بل على كثير من المناطق المحاذية لروسيا، خصوصاً أنّ الرجل أبدى خلال حديثه قلق بلاده ممّا يجري في أفغانستان وباكستان.

وعلى الرغم من أنّ الرئيس الروسي جدّد مواقف بلاده تجاه النظام السوري بقوله إنّ «روسيا ليست في موقع محامي دفاع عن الرئيس بشّار الأسد وحكومته»، فإنّه حذّر من خطورة تنظيم «جبهة النصرة» في سوريا، ليضع بذلك المواقف الروسية في الشأن السوري في خانة الحرب على الإرهاب.

فلم يخفِ بوتين انتقاداته لسياسة المعايير المزدوجة التي ينتهجها الغرب من خلال الكشف عن «أنّ بعض القوى التي يدعمها الغرب في سوريا، تحارب ضدّ قواته في مالي»، وذلك في إشارة واضحة الى التنظيمات الموالية لتنظيم «القاعدة» التي تخوض مواجهات في مالي، وفي الوقت نفسه فإنّ هذه التنظيمات تساهم في مدّ «جبهة النصرة» في سوريا بالسلاح والمقاتلين.

وعلى الرغم من ذلك لم يُسقِط بوتين إمكانية الحلّ السياسي بأيّ شكل كان ومن أيّ طرف كان، إذ ذكر المبادرة المصرية التي لم تنأَ إلى مستوى المبادرة بالأساس، وإلى المبادرة البريطانية التي وصفت بالمنحازة الى درجة أنّها لم تلقَ تأييداً واسعاً حتى في صفوف الدول الغربية المؤيّدة لبريطانيا، في حين رأت روسيا حينها أنّ مبادرة رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون التي حاول تسويقها في موسكو خلال زيارته الأخيرة، رأت أنّها في حاجة الى كثير من التعديلات لكي ترقى الى مستوى مبادرة جدّية تهدف الى الحل السياسي.

ولم يغفل بوتين أيضاً عن ذكر مبادرة لافروف - كيري المتعثرة منذ ولادتها، فإلى الآن لم يتمكّن الطرفان الاميركي والروسي من التوافق على الأطراف التي يجب ان تشارك في مؤتمر «جنيف 2» الذي يشكّل العمود الفقري للمبادرة الاميركية ـ الروسية.

في ملف إيران النووي كان بوتين صريحاً، إذ كرّر مواقف بلاده حيال حق ايران في امتلاك برنامج نووي سلمي، معتبراً أنّ ايران تتمسّك بالقوانين والقواعد الدولية في هذا الشأن على الرغم من بعض التساؤلات حول هذا الملف، وتحديداً تلك التي تقلق الولايات المتحدة الاميركية التي تحاول حماية حلفائها في المنطقة.

وعلى الرغم من أنّ الرئيس الروسي انتقد النبرة العالية لطهران حيال اسرائيل، فإنّه اعتبر الملف النووي الايراني معقّداً ولكنّه ليس مستعصياً، دون أن يغفل استعداد بلاده لمواصلة التعاون مع الجمهورية الإسلامية الايرانية في المجال النووي، وذلك في ردّ واضح مفاده أنّ روسيا أيضاً قادرة على حماية حلفائها، ما يعني أنّ إطلالة الرئيس الروسي على شاشات «آر. تي» ما هي إلّا لوضع النقاط على الحروف.
theme::common.loader_icon