

هو من قبيل التكهّن والتنجيم والقراءة في الكف ذلك الحديث الدائر عن مآل الحرب الدائرة بين إسرائيل وإيران، التي استعرّت عندما بادرت الأولى باعتداءات عنيفة وعمليات معقّدة، شارك فيها الطيران بأشكاله ومجموعات على الأرض من عناصر «الموساد» ومن إيرانيِّين جنّدتهم لمصلحتها، بالإضافة إلى مجموعات أخرى من تنظيم «مجاهدي خلق» المحظور، وبقايا مناصري «الشاهنشاهية»، وطاول الخرق مستويات عليا في المجتمع.
الخسائر التي مُنِيَت بها الجمهورية الإسلامية في بدء الإعتداء الصهيوني عليها، جعلت كثيرين يستنتجون أنّ سقوط النظام في طهران ليس حديث خرافة. لكن سرعان ما استوعبت الأخيرة المبادرة واستفاقت من هول الضربة في وقت قياسي، فملأت الفراغ في المناصب القيادية على إثر اغتيال رؤوس كبيرة في الحرس الثوري، والجيش والاستخبارات، واتخذت إجراءات حماية دقيقة لضمان أمن المرشد الأعلى آية الله علي الخامنئي والعلماء النوويِّين وسلامتهم، وانتقلت إلى مرحلة الهجوم الرادع ضدّ إسرائيل الذي طاول منشآتها الاستراتيجية العسكرية، الأمنية، الإقتصادية، بالإضافة إلى البنية التحتية، والأبنية السكنية.
لا يمكن القول تماماً بوجود توازن قوى بين الدولتَين المتحاربتَين. تل أبيب تفيد من ترسانات من الأسلحة الضخمة التي يُغدقها الغرب، ولا سيما واشنطن من دون حساب. وطهران على ما يبدو احتاطت لمثل هذه اللحظة، فطوّرت ترسانتها الصاروخية ونوّعت فيها، وباتت قادرة على استهداف إسرائيل في عقر دارها. ولأول مرّة في تاريخه يُمنى الكيان الصهيوني بهذا المقدار من الخسائر. الحرب، كما في الحرب، كل الأسلحة الفتّاكة، وأساليب الدعاية المضلّلة، والعمليات الاستخبارية الجريئة، مباحة. لكن هل أحد الطرفَين يستطيع حسم المعركة لمصلحته؟ الجواب: من الصعوبة بمكان أن يُنهي أي طرف الحرب من دون مساعدة «صديق». أصدقاء إسرائيل قادرون على مساعدتها وتوجيهها نحو الحسم، وفي مقدّمهم الولايات المتحدة الأميركية، بريطانيا العظمى، وألمانيا الإتحادية. لكن مرّة أخرى يسأل المراقبون:
1- هل تنتظر واشنطن من الفريقَين الوصول إلى حافة الإنهاك الكلي، فتكون قادرة على فرض حل بمقاسها؟
2- هل يمكن إلحاق الهزيمة بإيران من دون تدخّل أميركي مباشر؟ وهل الهزيمة ممكنة إذا لم يسقط النظام؟ وهل يسقط النظام من دون غزو بري، أو انتفاضة ثورية تقتلعه على غرار ما حصل مع الشاه محمد رضا بهلوي؟ وهل تتحرّك الإتنيات المذهبية المنتشرة في داخل إيران وعلى حدودها، وإن تحرّكت هل تستطيع حسم الموضوع ضمن وحدة البلاد الجغرافية؟
3- هل إنّ ما يُطلق عليها في الغرب، الأذرع الإيرانية قادرة على التدخّل إلى جانب إيران بعد كل الضربات التي تلقّتها في لبنان وسوريا، وجزئياً في اليمن والعراق، بغرض تخفيف العبء عنها؟ تبقى في النهاية كلمة الحسم للرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي لا يكاد العالم يغفو على تصريح له ليستفيق على تصريح آخر، فاتحاً الباب أمام المخيّلات الخصبة لتتوغّل في تحليلاتها، ولا شك في أنّ ترامب لا يمارس الخداع في هذا الموضوع لأنّه يعرف أنّ لا بُدّ له هذه المرّة من استخدام القوة الأكثر من مفرطة، ولهذه حسابات أخرى تتعلّق بالداخل الأميركي والحسابات الدولية والإقليمية.
في المقابل، وإزاء ضيق الخيارات أمام طهران، هل تلجأ إلى إغلاق الملاحة في مضيق هرمز وتوعز إلى الحوثيِّين بفعل الشيء عينه في «باب المندب»؟ حتماً ستكون مفاعيل هذه الخطوة، التي قد لا تُسفِر عنها خسائر بشرية وعسكرية هائلة بمثابة «كاميكاز» يُسدِّد ضربة قاسية جداً لخط التجارة العالمي، ما يعني - مع توقّع حجم ردّ الفعل لهذه الخطوة - أنّنا مقبلون على خطوات لا حدّ لتداعياتها.
إذاً، المعركة مفتوحة على كل الاحتمالات وأنفاس العالم محبوسة بين «المضيق» و«الباب» في انتظار آتٍ تُرسَم خطوطه بالنار، ولا يَصدُق في شأنه المنجّمون.








