Materialists: عندما التقت داكوتا ببيدرو وكريس
Materialists: عندما التقت داكوتا ببيدرو وكريس
مانوهلا دارغيس- نيويورك تايمز
Wednesday, 18-Jun-2025 06:18

تتابع المخرجة سلين سونغ فيلمها «حيوات ماضية» بتحديث جانبي لنمط الكوميديا الرومانسية، من بطولة داكوتا جونسون، بيدرو باسكال وكريس إيفانز.

 

هل الحُب بين الجنسَين محكوم عليه بالفشل؟ وهل انتهى عصر الكوميديا الرومانسية؟ تدور هذه الأسئلة بخفة وإثارة ماكرة في فيلم سلين سونغ «الماديّون»، وهو إضافة فاتنة وذكية التحديث لنوعٍ قديم الطراز إلى حدٍ قد لا يُصلَح، كان يوماً من ركائز هوليوود.

 

تدور أحداثه في نيويورك المعاصرة، وتؤدّي فيه داكوتا جونسون دور لوسي، خبيرة علاقات محترفة تكرّس نفسها للعمل، حتى تتخذ حياتها الشخصية منعطفاً مفاجئاً عندما تجد نفسها متورّطة في علاقة رومانسية مع رجلَين مختلفَين. أحدهما حالم مُفلِس (كريس إيفانز في دور جون)، والآخر يُشبه اليَخت الفاخر (بيدرو باسكال في دور هاري).

 

تُشكّل هذه الشخصيات مثلّثاً رومانسياً أنيقاً وجذاباً، يبدأ بالتحليق خلال حفل زفاف بعد انتهاء المراسم، حيث كانت لوسي وهاري يتبادلان الحديث على طاولة العزّاب. كونها خبيرة علاقات، فقد جمعت العروسَين، والآن تُقيّم هاري كعميل محتمل، ذلك «اليونيكورن» المفترض (ثري، يملك شعراً كثيفاً، طويل القامة).

 

لكنّ هاري، شقيق العريس، مهتم بها أكثر. يتبادلان الابتسامات الماكرة، يغمزان ويتغنّجان، يتقدّمان ويتراجعان. وفي اللحظة التي يبدأ فيها الغزل بالتوهّج، يظهر جون - نادل وحبيبها السابق - ويضع بصخب زجاجات من مشروبها المفضّل: كولا وبيرة. وهكذا، تبدأ المواجهة.

 

غالباً ما توصَف الكوميديا الرومانسية بأنّها «معركة بين الجنسَين»، وهو استعارة توحي بأنّ قصص الحُبّ ما هي سوى حروب. وفي فيلم «الماديّون»، تُصاب المشاعر بكدمات شديدة، بل وتظهر صدمة عنيفة غير معتادة في هذا النوع من الكوميديا أو الرومانسية. لكن بالنسبة إلى لوسي وعملائها، لا يتعلّق الأمر بانتصارات أو هزائم، بل هو معاملة تجارية، سوق للبائعين والمشترين، وقضية تتعلّق بالقيمة التبادلية.

 

عملاء لوسي يحلمون ويملكون آمالاً وتطلّعات مألوفة، لكنّهم أيضاً مستهلكون لديهم قوائم تسوّق تشمل طول الشريك، وزنه، شعره، وعمره. يقول أحد العملاء الغاضبين للوسي في وقت مبكر: «هي في الـ40 وسمينة. لن أضغط أبداً على زر الإعجاب لامرأة كهذه».

 

هذه العبارة، المباشرة والفعّالة، واقعية بقدر ما هي قبيحة إلى درجة تجعلك تلهث. لكنّها أيضاً مثال على قدرة سونغ على تقطير فلسفة كاملة في جملة واحدة خالية من العاطفة. ما يجعل هذا المشهد مؤثراً هو كيف تستخدم سونغ الاحتقار في صوت الرجل، لتشير إلى أنّها لا تنوي صنع رومانسية باهتة تقليدية. صوته مليء بالإهانة والغضب، ليس فقط تجاه لوسي أو موعده، بل يجعلك تتساءل عن نظرته للنساء عموماً، وهو ما يُضيف مسحة من التهديد تظل باقية حتى بعد أن تغيّر سونغ النغمة والتركيز لتسلّط الضوء على علاقة لوسي المتنامية مع هاري ومشاعرها تجاه جون.

 

تلك العلاقة وتلك المشاعر دافئة، صادقة، وفي بعض اللحظات ممتعة؛ فمُحبّو الرومانسية يعرفون أنّ لا متعة سينمائية تضاهي مشاهدة ممثلين جذّابين ومَوهوبين يتظاهرون بالوقوع في الحُبّ. من الجميل أن نرى جونسون في دور رئيسي يستغل موهبتها إلى أقصى حدّ. إنّها ممثلة مفاجئة باستمرار، وحضورها على الشاشة يتسمّ بالخمول الساحر، يُوحي بشواطئ ماليبو والحشيش الممتاز.

 

ومن الملفت أنّ أول صورة نراها للوسي هي انعكاس وجهها في المرآة. تضع المكياج وتتهيّأ للعمل، وتبدو منتبهة لكن غير قابلة للقراءة. ما تلبث أن تخرج إلى الشارع، ذيل حصانها يتأرجح، تشق طريقها عبر نيويورك بعزم يتماشى مع إخراج سونغ الدقيق. في مشاهد حيَوية ومنعشة، تصاحبها موسيقى رقيقة ومؤثرات صوتية ممتازة، تقدّم لنا سونغ شركة التوفيق بين الشركاء حيث لوسي نجمة بارزة، بعرضها البيعي غير التقليدي - «أنت تبحث عن شريك لدار العجزة ورفيق قبر» - والنساء المستقلات ظاهرياً اللواتي يتدفقن عليها، نساء يقتربن من الـ40 (أو تجاوزنها) وهنّ في صميم اهتمامات سونغ كما لوسي وخصومها الرومانسيِّين.

 

تبدأ القصة الكبرى فعلياً حين يدخل هاري، الذي يؤدّيه باسكال، إلى حفل الزفاف بابتسامة وسحر سياسي بارع مصقول. تساهم الجاذبية الطبيعية لباسكال في جعل هاري، الذي يعمل في الأسهم الخاصة وشقته المصمَّمة خصيصاً له كلّفته 12 مليون دولار، ليس فقط محتملاً بل شخصية تتعاطف معها. نعومة هاري تمثل توازناً لطيفاً مع تجهّم جون.

 

أمّا شَوق لوسي فيبدو أقل وضوحاً، لأنّ الشخصية التي قد تبدو تجارية مثل عملائها، لا تكتمل تماماً، وكذلك القصة. فقد تناولت سونغ الكوميديا الرومانسية بحنكة، وبلمسة تحليلية، إذ عَقّدت النوع وحدّثته، أدمجت إشارات لتطبيقات المواعدة، وأضافت لمحات ساخرة (واقعية!) حول الزواج. غير أنّ سونغ بارعة أكثر في طرح الأفكار عن الحُبّ والرومانسية والزواج، وما يعنيه أن نعيش ونُحِبّ في عصر خُفِّض فيه كل شيء إلى قيمته السوقية، من أن توفِّق بين هذه العناصر وتخلق منها كلاً مقنعاً. كما أنّها تدرج حبكة فرعية تتعلق باعتداء جنسي، وهي جديرة بالثناء سياسياً أكثر منها ناجحة سردياً.

 

theme::common.loader_icon