يوم روسيا الوطني
يوم روسيا الوطني
القاضي محمد وسام المرتضى

وزير الثقافة السابق

Friday, 13-Jun-2025 07:44

يوم روسيا الوطني عيدٌ رسميٌّ من أعياد الدولة، يقع في الثاني عشر من حزيران من كل عام. وفيه يحتفل الشعب الروسي بذكرى الاستقلال وإعلان سيادة دولة الاتحاد. هذا على الصعيد الوطني الداخلي. لكن على الصعيد العالمي، وخصوصاً في البُعد الثقافي الحضاري، يمكن القول إنّ أيام السنة كلّها هي أيام روسية، نظراً للأثر الكبير والفاعل الذي تركته الثقافة الروسية في مسار الحضارة الإنسانية. الفنون، الآداب، الفلسفات، التقاليد والقيم، الإنجازات العلمية والطبية، وحتى المواقف السياسية، ولا سيما الحرص على مناصرة حقوق الأمم في الحرّية والسيادة، وفي إرساء دعائم السلام القائم على الحق... كلّها معطيات مليئة بالإسهامات الروسية المباشرة في بناء العالم كما يجب أن يكون، أي عالم الإنسان والحداثة. من هنا يمكن القول إنّ أيام السنة كلّها أيامٌ روسية، ما دامت روسيا، قيادةً وشعباً، ناهضةً بهذه الأعباء والقيم الإنسانية الكبرى.

ولا شك في أنّ عالم اليوم، منذ ما بعد الحرب العالمية الأولى، أصبحت فيه مصالح الدول الكبرى واسعةً ومتزايدة. وهذا جعل الشعوب الضعيفة نُهبةً لأطماعها، فتمّ الاستيلاء على مناطق كثيرة في العالم، إمّا بالاحتلال العسكري أو بالسطوة الاقتصادية، أو بالاستفادة من بعض عوامل التفرقة داخل المجتمعات الضعيفة لنشر الفتن وإيقاظ العصبيات، من أجل الاستيلاء على خيرات الآخرين. ولم يكن شيء ليردع تمادي هذه السطوة عند الدول الكبرى إلّا أمران: تطبيق قواعد القانون الدولي تطبيقاً رضائياً، أو نشوء نوع من التوازن في العلاقات الدولية يفرض تطبيق أحكام هذا القانون، ويؤدّي بالتالي إلى تحقيق العدالة القانونية والسياسية والاجتماعية بين جميع الشعوب والأمم. وما من أحد جدير بأن يقوم بهذا الدور أكثر من روسيا الاتحادية، نظراً لما تختزنه من تراث وقدرات. ونحن في الشرق الأوسط نشهد لهذه الحقيقة كل يوم، عندما نرى مقدار الظلم والتفلّت من القانون ومن المشاعر الإنسانية، في الاعتداءات الإسرائيلية الدموية على شعوب المنطقة. من هنا، نعم يجب تعميم التجربة الروسية المناهضة للهيمنة والأحادية القطبية.

 

والتراث الروسي الضارب في أعماق التاريخ اتّسم كله بالبُعد الإنساني. يكفي أن نذكّر بأعلامه الكبار مثل بوشكين، دوستويفسكي، تولستوي، تشيخوف، تورغينيف، بولغاكوف، غوركي وليرمنتوف... والكثير الكثير ممَّن قرأنا أعمالهم مترجمةً إلى اللغة العربية. فإنّ النقاد ودارسي الآداب يُجمِعون على البُعد الإنساني في الأدب الروسي، وهذا ناشئٌ من طبيعة الشعب الروسي وتوقه الدائم إلى عيش الحرّية، والكفاح من أجلها كفاحاً أسطورياً. وهو ناشئٌ كذلك من تشبّث هذا الشعب بالقِيَم الإنسانية والعائلية والأخلاقية الإيمانية، التي اكتنزها على مرّ العصور. والمقارنة بين ما يشهده العالم الغربي من تفلّت، وما يتمسّك به الشعب الروسي على هذا المستوى يؤكّد أنّ حفظ القِيَم أصبح واجب ومسؤولية أهل الإيمان، ومنهم وفي مقدّمهم روسيا الاتحادية. وأنا عندما كنتُ وزيراً في الحكومة السابقة، وفي عزّ احتدام النقاش حول موضوع القِيَم والتراخي في احترامها تحت عناوين عديدة، استعنتُ بالتشريعات الروسية واقترحتُ اعتماد ما يُشبهها في لبنان، حفظاً لقِيَمنا وتقاليدنا العائلية.

 

ومثلما قلتُ سابقاً: إنّ إسهامات الشعب الروسي في بناء الحضارة الإنسانية بتراثها المعنوي والمادي على السواء، كثيرة وعميقة وجوهرية. وعندما يُكرِّم الرئيس الروسي «أبطال العمل في روسيا» فهذا يعكس مقدار الاهتمام الرسمي بالحفاظ على الدور الروسي في مسار الحضارة. وهذا يشكّل بصورة من الصور تعبيراً عن مواجهة الأحادية القطبية، فكما في السياسة كذلك في معطيات الحضارة، ليس لأحدٍ أن يستأثر بفاعلية الدور الحضاري. وهو يشكّل من جهة ثانية تعبيراً حياً عن أنّ الاهتمام الروسي منصرفٌ إلى بناء العلم والتنمية والسلام، وأنّ القائمين بذلك هم أبطال روسيا الحقيقيّون، وأنّ الحرب التي تُفرض على روسيا اليوم، ليس هدفها إلّا تقويض الدور الروسي في هذا المضمار الحضاري الإنساني.

 

مباركٌ لروسيا الاتحادية، قيادةً وشعباً، يومها الوطني، ودامت الصداقة اللبنانية الروسية.

theme::common.loader_icon