الإطفائيّةُ والتَسْخين
الإطفائيّةُ والتَسْخين
جوزف الهاشم
Friday, 06-Jun-2025 06:53

برَّدوها، بعدما سخَّنوها، لعلّهمْ أدركوا أنّنا عانَينا كثيراً من التسخين، فلم يعُد الأمر يحتملُ مزيداً من الجمر.
هل سخَّنها رئيس الحكومة نواف سلام، وتخّنها؟
من حيثُ المضمون: إذا كان ما جاء في البيان الوزاري يُعتَبرُ كُفراً، فهو ينقل الكفرَ وليس بكافر.
من حيثُ الشكل: ربّما شاء رئيس الحكومة أن يستَنْجدَ بأمجادِ عنترة بن شداد، لأنّ السيفَ أثقلُ من الساعد.
وهل سخَّنها رئيس المجلس النيابي نبيه بري؟
من حيث الشكل: لعلّ الأستاذ شاء أن يعتمد أسلوب أبي نواس في مداواة التسخين بالتسخين مخافةَ أن يتحوّل التسخين إلى لَهَب.
من حيث المضمون: إنّ الرئيس بري موصوفٌ بلقَب الإطفائي، والإطفائي لا يخشى احتراق راحته حين يطفئُ أجيج النار.
في النتيجة: كان من شأن أزمة التسخين أن انفرجَتْ عن لقاءات من الودّ: بين الرئيسَيْن، وبين رئيس الحكومة وكتلة الوفاء للمقاومة، حتى انتقل الودّ بالعدوى إلى وزير الخارجية الإيراني، فوجّه إلى رئيس الحكومة اللبناني دعوةً لزيارة إيران.
السجالات بين أهل الحُكم وأهل السياسة، مهما بلغَتْ سخونتها فهي مبرَّرةٌ ديمقراطياً حين تكون البلاد في حالةٍ من التعافي والإستقرار الأمني والسياسي.
أمّا والبلاد تحت وطأةِ الإحتلال، والأرض مشحونةٌ بالبارود، والنفوس مشحونةٌ بالتباينات والإنقسامات، فإنّ الكأس الطافحة بغليان الماء لا تحتمل إلّا ورقةً من الورد.
الرأيُ العام في لبنان باتَ شديدَ الحساسية بالنسبة إلى الأحداث الخطيرة التي تحدّد مصيرَه، ولقد بات محكوماً حصراً أو قسْراً بمزاج القيادات، وإنّ الإنشقاق العمودي المحموم من أعلى إلى أدنى ينعكس على القواعد الشعبية، ويجعلها تترنّح بين النقيض والنقيض، وليس من شأن السياسة في هذه الحال، أنْ تتاجرَ بالشرَّ، كمثل مَن يُهيّجُ الثيران ويجلس على قرونها.
والسجالات بين القيادات مهما بلغت حدّتها وشراستها تظـلّ محكومةً باللياقات، كمثل ما كان بين الرئيس كميل شمعون والزعيم كمال جنبلاط، وهي ليست محظورةً إلّا إذا شكّلت خلَلاً وطنياً فتخطّتْ الشأن السياسي إلى الشأن السيادي.
الرئيس بشارة الخوري كان يتعاطف مع البريطانيِّين، والرئيس إميل إده كان يتعاطف مع الفرنسيِّين، لكن كان تعاطفهما مع المنتدب وصولاً إلى تحقيق مصلحة البلاد.
ولكنّ الإنتدابات والوصايات طالما كانت تستغلّ القيادات اللبنانية بهدف التفرقة، فحين أسَرَ الفرنسيون الرئيس بشارة الخوري ورفاقه في قلعة راشيا، نصّبَ المفوّض الفرنسي «هللو» إميل إده رئيساً، فاتّهمه المندوب البريطاني «سبيرز» بالخيانة وتهريب المخدّرات(1).
الحال المسيحية لا تزال تتخبَّط بالإرث الإنتدابي بين المفوّض السامي الفرنسي والمندوب البريطاني.
وهناك حالة إسلامية تتخبّط بالإرث الإنتدابي المستجدّ.
كيف الخلاص إذاً؟ هل سنظلّ ننقسم على أنفسنا باسم الآخر، ونتراشق بالخطاب التخويني، فإذا هناك لبنانيّون وطنيّون ولبنانيّون خونة، لبنانيّون شهداء ولبنان عملاء؟
وكيف نستطيع الإنصراف إلى بناء الوطن من جديد، وإعمارهِ من جديد؟ إنّنا أولاً: في حاجة إلى فـوجٍ من الإطفائيِّين لا تفرّقهم جنسيّة النار.
وإنّنا ثانياً: في حاجة إلى الإقتداء بقول الشاعر:
فليتَ الذي بيني وبينك عامرٌ وبيني وبين «الهادمين» خرابُ.

1 - من مراسلات «سبيرز» إلى وزارة الخارجية: 11 تشرين الثاني 1943.

theme::common.loader_icon