الـ«الباكس أميريكانا»: نظام عالمي جديد يتشكّل!؟
الـ«الباكس أميريكانا»: نظام عالمي جديد يتشكّل!؟
اخبار مباشرة
جوزف القصيفي نقيب محرري الصحافة
Monday, 12-May-2025 07:22

يبدو أنّ نظاماً عالمياً جديداً هو في طور النشوء مع التحولات البادية في السياسة الأميركية من إيران إلى اليمن، مروراً بالعراق وسوريا وصولاً إلى فلسطين المحتلة.

وفي المعلومات، أن هناك تقدّماً في المفاوضات الأميركية - الإيرانية في شأن الملف النووي، وتفاهمات مع الحوثيين في اليمن واستثناء السفن والبوارج الأميركية التجارية والحربية من الاستهداف، من دون أن تشمل هذه التفاهمات إسرائيل التي لن تكون في منجى من صواريخ «أنصار الله» البالستية. أما في سوريا، فإنّ التقارير الديبلوماسية تشير إلى أنّ الرئيس أحمد الشرع سلّم كل أوراقه إلى الإدارة الأميركية التي تواكب خطواته وترعاها، وهو يرجع إليها في كل شاردة وواردة، حتى أنّ الدول الراغبة في تقديم مساعدات مادية أو عينية لأي قطاع من القطاعات لا بدّ من استئذان واشنطن والحصول منها على الضوء الأخضر.

 

وفي العراق «فرملت» التنظيمات المنضوية في «الحشد الشعبي» حركتها من دون أن تتخلّى عن جاهزيتها. وفي لبنان بات واضحاً أنّ الأمر لـ«أميركا» في عدد من الملفات الأساسية، سواء في المجالين العسكري والأمني أو في المجالات المالية والاقتصادية، وملفي إعادة الإعمار وترسيم الحدود. وفي ما يتصل بالحرب على غزة، فإنّ إدارة الرئيس دونالد ترامب تستعجل الوصول إلى حل ينهي الاعتداء الصهيوني على القطاع، والاتفاق على ترتيبات لإدارة جديدة فيه تناط بها إعادة إعماره من دون أن يكون لحركة «حماس» أي دور، مقابل وقف عمليات اغتيال قادتها وكوادرها وملاحقتهم.

 

هذا الواقع وضع إسرائيل في موقف حرج، لأنّ هذا التحول الأميركي لن يجد تربة خصبة، ولا طريقاً سالكاً إذا لم تتخلّ تل أبيب عن تهديداتها بقصف المفاعل النووي في إيران، ووقف حرب الإبادة ضدّ الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وسياسة القضم الجغرافي في جنوب سوريا، ووقف الاعتداءات المتواصلة على جنوب لبنان والبقاع، وهي قد امتدت أحياناً لتبلغ الضاحية الجنوبية لبيروت. ولا يبدو بنيامين نتنياهو مرتاحاً إلى تحرك دونالد ترامب ولا نياته، خصوصاً زيارته المرتقبة إلى الشرق الاوسط، حيث انّه ينظر إليها بارتياب، لأنّ الرئيس الأميركي لن يجاري مخططاته «على العمياني»، وهو يريد الموازنة بين التزام واشنطن التاريخي والاستراتيجي بدولة إسرائيل وهواجس الدول المحيطة بها، خصوصاً أنّ المعلومات تشير إلى أنّ طموحات ترامب في حاجة إلى تمويل ضخم ستوفره دول عربية، ترى في المظلة الأميركية وقاية لها من أي نزاع إقليمي كبير بين إيران وإسرائيل، فتقع بين «المطرقة والسندان». لذلك فإنّ الولايات المتحدة الأميركية لن تجعل في هذه المرحلة على الأقل من موضوع «التطبيع» أولوية، وهي رأت أنّ الشرع تسرّع في تصريحه الذي أعرب فيه عن استعداده للسير في هذا الخيار. وفي لبنان هناك استحالة في حمل الحكومة على السير في هذا التوجّه، فيما خرق اتفاق وقف النار لا يزال مستمراً، واحتلال التلال الخمس قائماً، والنقاط الحدودية المُختَلف في شأنها سارياً.

 

والواضح أنّ الحملات التي تشنّها جهات محلية في شأن نزع سلاح «حزب الله»، هي من باب الفولكلور الدعائي، لأنّ رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون أخذ الأمر على عاتقه، وتعهّد بمعالجته كونه بالغ الحساسية، وازداد تعقيداً مع نشوب الأحداث في حمص والساحل السوري وجرمانا وصحنايا والسويداء، والتي طاولت العلويين والدروز والشيعة والمسيحيين، ما رفع نسبة المخاوف والهواجس إلى حدودها القصوى. وبالتالي، فإنّ عون يعطي الأولوية لموضوع السلاح، ولكنه لا يريد «سلقه» أو تعريضه للانتكاسة، وهو لم يقطع الحوار مع «حزب الله»، وإنّ المؤشرات لدى الأخير تؤكّد وجود إيجابية ملحوظة. وهناك عينة منها في جنوب الليطاني، حيث أنّ التجاوب كبير من المقاومة مع وحدات الجيش المنتشرة في تلك المنطقة، والانضباط الواضح في سلوكه الميداني. لذلك فإنّ هناك حرصاً رسمياً على التصدّي لكل محاولة إيقاع بين الجيش اللبناني و«حزب الله».

 

في هذا الجو تتحرّك فرنسا انطلاقاً من إصرارها على الاحتفاظ بدور معين في منطقة تعرفها جيداً، ولها فيه وجود تاريخي منذ غابر العصور، وخصوصاً في بلد الارز، ونفوذها اليوم ليس كما كان عليه من قبل، لكن نواة حضورها في مختلف المجالات لا تزال موجودة، وهي واعية تماماً أنّها غير قادرة على منافسة واشنطن ومجاراتها، ولكنها رسمت لنفسها دوراً تصرّ على أدائه نظراً لحضورها المتعدد الوجه والمتجذّر في كل من لبنان وسوريا. ولن يكون هذا الدور صدامياً مع الإدارة الأميركية، بل متمماً له في بعض النواحي، سواء حصل تنسيق أو لم يحصل. وواشنطن ستكون في المرحلة المقبلة، ولأمد لا يمكن تقديره آنياً، سيدة اللعبة في منطقة الشرق الاوسط، وستكون سفارتها في عوكر هي المنصة الرئيس التي ستتولّى تنفيذ سياساتها في هذه المنطقة، لأنّ بلداً بحجم لبنان لا يحتاج إلى سفارة بهذه الضخامة، لو لن يُعهد اليها دور «الرادار» الإقليمي الذي سيكون المزود الأول للإدارة الأميركية بالمعطيات والمعلومات التي تعينها على رسم سياستها الخارجية في الشرق العربي، ومغربه، إضافة إلى البلدين الإقليميين الواسعي النفوذ: إيران وتركيا. هذه الصورة مستقاة من قراءة واقعية لمسار السياسة الأميركية في المنطقة.

 

ولكن، هل كل ما يسعى إليه المخططون هو قابل للتنفيذ، أم أنّ دونه عقبات؟

لا يمكن الجزم بالنتائج حالاً، مما يعني الانتظار بعض الوقت للحكم على نجاحهم أو إخفاقهم.

theme::common.loader_icon