
تيم روبنسون وبول رود يلعبان دور البطولة في نوع من الكوميديا التي تُشاهَد من بين أصابع اليَد. إحدى أكثر الخطايا التي لا تُغتفر (ولا تُنسى) التي يمكنك ارتكابها في مرحلة الطفولة، لنقل في الصف السادس تقريباً، تحدث عندما تكون يائساً للانضمام إلى مجموعة أصدقاء جدد. تريد أن تكون «رائعاً» وأن تكون جزءاً من دائرتهم.
لذلك، عندما يُطلِق أحدهم نكتة، تضحك مع الجميع، ثم تضيف تعليقك المضحك، فيُحدِّق بك الجميع: تمّ تجاوز خط غير مرئي. أخذتَ النكتة بعيداً جداً. الآن ماتت النكتة، ومعها حياتك الاجتماعية، سمعتك، وفرصك في أن تكون سعيداً مجدّداً.
هذا الشعور يساهم بشكل كبير في تفسير سبب كون فيلم «الصداقة»، الكوميديا الجديدة القائمة على الإحراج، ويقوم ببطولتها تيم روبنسون وبول رود، مضحكاً في كثير من الأحيان، ومزعجاً دائماً.
أول عمل سينمائي طويل للكاتب والمخرج أندرو دي يونغ يشترك بوضوح في الحمض النووي مع مسلسل روبنسون الكوميدي الناجح على «نتفليكس» I Think You Should Go، ويلعب فيه عادةً دور رجل لا يستطيع ببساطة فهم الإشارات الاجتماعية التي يتبعها الجميع الآخرون من دون عناء. لذا فهو دائماً يفعل شيئاً غريباً، ويكون الأمر مضحكاً لأنّه غير مريح.
هذا يجعل من روبنسون الخيار المثالي، وربما الوحيد، للعب دور البطولة في سيناريو دي يونغ. القصة تدور حول رجل يُدعى كريغ ووترمان، يمتلك كل مظاهر الرجولة والنضج - زوجة جميلة (تامي، تلعب دورها كيت مارا)، ابن مراهق (جاك ديلان غرازر) لا يزال على الأقل يتحدّث معه، وظيفة محترمة، ومنزل لائق - لكنّه لا يزال فعلياً ذلك الطفل في الصف السادس الذي يحاول دخول دائرة الأصدقاء.
لكنّ كريغ، كونه نوعاً معيّناً من الرجال الأميركيِّين البالغين، لا يملك أصدقاء بالمعنى الحقيقي. لديه تامي، التي تبدو طيّبة بشكل لا يُصدّق تجاهه، نظراً لأنّه نوعاً ما أحمق: مَهووس بتجنّب حرق أحداث أفلام «مارفل»، مُخلِص لعلامة تجارية واحدة فقط من الملابس يبدو أنّه يشتريها من مطعم يُدعى «أوشن فيو داينينغ».
زملاؤه في العمل يمزحون مع بعضهم أثناء استراحات التدخين، وهو يراقبهم من نافذة مكتبه، أنفه يكاد يلتصق بالزجاج. ثم، في أحد الأيام، يلتقي بالجار الجديد، أوستن كارمايكل (رود)، الذي يتضح أنّه أروع شخص يمكن أن يتخيّله كريغ. أوستن، مذيع الطقس المحلي، يملك شارباً، يعزف في فرقة موسيقية، يشتري أسلحة أثرية، ويعرف تماماً أي قواعد يجب كسرها للاستمتاع.
فيبدأ كريغ بتطوير نوع من الهوَس بأوستن، ليس مخيفاً تماماً، لكنّه أيضاً ليس طبيعياً تماماً. من خلال قضاء الوقت معه، يستطيع كريغ أن يرى مستقبلاً مختلفاً لنفسه، مستقبلاً يكون فيه رجلاً قوي الشخصية، رائعاً، وقائداً يسعى الجميع للتقرّب منه، يعزف الطبول ويُبهِر مَن حوله. إذا قضى كريغ وقتاً مع أوستن، فسيرغب الناس بأن يكونوا أصدقاءه أيضاً.
في البداية، ينجح الأمر. لكنّك تعرف بالفعل أنّ كريغ سيُفسد كل شيء، بطريقته الخاصة التي توازي كابوس الصف السادس، ومن هناك تبدأ «الصداقة» في الدخول في منطقة سريالية بشكل متزايد.
الكوميديا المحرجة تتطلّب جرعة من الواقعية، الإحساس المزعج بأنّ الأمور، مهما بدت غريبة، إلّا أنّها تُصيب المُشاهِد في صميمه. وهذا ما يتحقق هنا من خلال العادية المطلقة. كريغ رجل متوقع بشكل عميق، يملك طموحات قليلة وأفكاراً أصلية أقل. (في رحلة مخدّرات، قيل له إنّها ستكشف له عن معنى الحياة، يرى نفسه يطلب شطيرة من مطعم Subway). هو ليس سيئاً في وظيفته، ولم يُدمِّر حياته. إنّه فقط مزعج.
بعبارة أخرى، نحن نعرف هذا الرجل بالتأكيد. وعلى الأرجح، نحاول جاهدين منذ المرحلة المتوسطة ألّا نكون مثله. لكنّ أداء روبنسون، الذي يبدو أحياناً وكأنّه أُسقِط من بُعدٍ موازٍ يختلف عن واقعنا بنسبة 3% فقط، يُضفي على كريغ طابعاً يُشبه قنبلة مَوقوتة تنفجر بشكل غير منتظم. لم يُطوِّر حياة داخلية، فهو محض تفاعل وردود فعل: الخجل أو الاستفزاز قد يجعله ينهار، أو ينفجر، أو يفعل شيئاً ثالثاً لا يمكن تصوّره.
وهذا يؤدي، في بعض الأحيان، إلى فيلم يبدو وكأنّه يدور في حلقات مفرغة، لا يذهب إلى أي مكان لفترات طويلة، مع تزايد إحباط كريغ. ومع ذلك، فإنّ هذه الطاقة نفسها هي التي تحافظ على قابلية المشاهَدة في الفيلم، حتى في فترات الركود، خصوصاً بوجود رود ليُقدّم توازناً بشخصيّته الجذابة والواثقة التي تأخذ أحياناً منعطفاً غريباً. كل شيء قد يحدث، بالتحديد لأنّ لا شيء تقريباً يحدث. هؤلاء رجال عاديّون، يعيشون في منازل متوسطة الطراز في ضواحي سكنية لا يحدث فيها الكثير. يمكن أن يكونوا أي أحد. ربما يكونون نحن.
من الناحية التقنية، يدور الفيلم حول الصداقة بين الرجال، وعن العديد من عناصر الحياة الحديثة التي تتآمر لتُبقي الرجال وحيدين، بدءاً من الخوف من عدم تأدية الرجولة بشكل صحيح، وصولاً إلى غياب الأماكن التي يمكن للرجل العادي في الضواحي أن يكوّن فيها صداقة. ومع ذلك، شعرتُ أنّ الفيلم أقرب إلى نسخة مطوّلة من ذلك السؤال البلاغي الشائع المازح: «هل الرجال بخير؟».
بعض الرجال بخير، كما يقترح الفيلم، لكنّهم شخصيات ثانوية. أمّا أولئك المختلون فهم مَن يُجبِرون الجميع على الاستمرار في النظر إليهم، سماعهم، والتفاعل معهم. رجال مثل كريغ لم يتلقّوا الرسالة على ما يبدو.
رجال مثل أوستن تمكنوا من التخلّص من دوافعهم الأكثر إحراجاً في مرحلة ما من حياتهم، لكنّهم خائفون من انكشاف أمرهم. وعندما تجتمع هذه العناصر في علاقة صداقة، تكون النتائج مدمّرة. هؤلاء الرجال وحيدون جداً. ولحسن الحظ، في فيلم، هم أيضاً مضحكون للغاية.








