

في فيلم أليكس غارلاند وراي ميندوزا عن فصيلة أميركية في العراق، لا توجد مجازر مصمَّمة بإعجاب أو حوارات ساخرة. هذه هي الفكرة.
أعلى ثناء يمكنني أن أقدّمه لفيلم Warfare، القاسي الذي لا يَلين عن الحياة والموت في المعركة، هو أنّه ليس مثيراً بل حزين غاضب عمداً، وهو في آنٍ معاً مرثي وتحذير. وهذا يتماشى مع هدف هذه القصة الخيالية المستندة إلى وقائع حقيقية، التي تتعقب فصيلة من قوات Navy SEALs الأميركية خلال مهمّة كارثية في العراق.
هناك، تحت جنح ليلة ساكنة خلاف ذلك، تستولي القوات على منزل يبدو عادياً، تضع سكّانه تحت الحراسة، وتراقب المنطقة. ثم يجلس الرجال ويقفون ويتجوّلون بقلق أحياناً محدّقين من النوافذ باسم قضية لا يشرحها أحد صراحة.
من بين الذين لا يَشرحون أياً من هذا، الكاتبان والمخرجان أليكس غارلاند وراي ميندوزا. كان Civil War (2024) آخر أفلام غارلاند، شريحة غريبة وواقعية بشكل غير مريح من الخيال التأمّلي تدور أحداثها في الولايات المتحدة التي مزّقتها الحرب، وقد عمل ميندوزا، العضو السابق في قوات SEALs، مستشاراً عسكرياً فيه. وأدّى ذلك إلى صداقة، والآن إلى Warfare، الذي يستند إلى عملية حقيقية في عام 2006 شارك فيها ميندوزا.
في ذلك الوقت، كان الأميركيون يحاولون السيطرة على الرمادي، عاصمة محافظة الأنبار. بحلول ذلك الحين، كانت الحرب قد دخلت عامها الثالث، وقُدّر عدد القتلى العراقيِّين بـ600 ألف، فيما كانت الوفيات الأميركية على وشك أن تصل إلى 3 آلاف.
تدور معظم أحداث Warfare في الزمن الحقيقي داخل مبنى مكوّن من طابقين، حيث كان السكان، ومن بينهم أطفال عدة، نائمين عندما اقتحمه الأميركيون. محتشدون في غرفة نوم واحدة تحت مراقبة حرّاس يتناوَبون، لا يُذكر أسماء العراقيِّين (على حدّ ما أتذكر)، ولا يُميَّزون. أمّا العسكريّون فكانوا أكثر تميّزاً، إلى حدٍ كبير لأنّ بعضهم يؤدّي أدوارهم ممثلون معروفون نوعاً ما - ويل بولتر بدور النقيب إريك، قائد العملية المبدئية - أو يملكون سمات مميّزة، مثل الشارب الكثيف على وجه إليوت (كوزمو جارفيز)، القناص الأول (الفيلم مُهدى إلى إليوت ميلر الحقيقي، الذي نجا بطريقة ما من العملية).
يبرع غارلاند جداً في بناء التشويق، وهو ماهر تحديداً في تحويل المساحات الهادئة إلى مناطق رعب لا تهدأ. يبدأ Warfare بانفجار من العبث الصاخب، حيث يحتشد رجال يرتدون الزي العسكري حول شاشة مراقبة صغيرة لمشاهدة فيديو موسيقي مبتذلٍ للغاية لأغنية الرقص Call on Me. يدور الفيديو في ما يُفترض أنّه استوديو تمارين إيروبيك من حقبة الثمانينات، ويضمّ حشداً من النساء ذوات الشعر الكثيف والأفخاذ المشدودة (ورجل مسكين واحد)، وهنّ يتمططن ويرقصن وكأنهنّ يستعدن لماراثون جماعي شهواني. إنّه مشهد يتفرّج عليه الرجال جماعياً بمتعة وصخب، ويؤكّد أنّك دخلت عالما محدّداً للرجال، عالماً يصمت بشكل مريب بعد دقائق في بلدة بلا اسم.
تُسَيطر وحدة SEAL على المنزل العراقي بسرعة، مخترقة طابقاً علوياً مغلقاً بالطوب، حيث يتمركز معظمهم. في إحدى الغرف، يستلقي إليوت، محدّقاً بعينَين نصف مغمّضتَين ووجه يتصبّب عرقاً، على بطنه فوق منصة موقتة، يُراقب الشارع من خلال فتحة متعرّجة كبيرة اخترقت الحائط. ومع مرور الدقائق، يواصل الرجال الانتظار، يستمعون إلى أوامر عبر الراديو ويراقبون لقطات المراقبة.
من حين إلى آخر، يُدوِّن إليوت ملاحظة، مثل القناص الثاني فرانك (تايلور جون سميث). يتولّى فرانك المهمّة موقتاً عندما يحتاج إليوت لاستبدال علبة تبغه والتبوّل في زجاجة ماء فارغة - أمر أشك أنّ جون واين فعله يوماً.
فيلم The Green Berets (1968)، كان أدنى مستوى في مسيرة جون واين، فهو فيلم حرب متعصّب تدور أحداثه في فيتنام، أسقطته ريني تا أدلر في مراجعتها في «نيويورك تايمز» بعبارة لا تُنسى، واصفة إياه بأنّه «لا يُوصَف، غبي جداً، فاسد وزائف جداً» إلى درجة أنّها رأت فيه دعوة إلى الحزن على «ما آلَ إليه جهاز صناعة الخيال في هذا البلد».
على مدار نصف قرن لاحق، واصل الجهاز عمله، وأحياناً ازدهر، بينما كان يطلق عدداً أقل من أنواع الأفلام المتنوّعة. حين عُرض The Green Berets، كانت الاستوديوهات لا تزال تُقدّم تنوّعاً حقيقياً في الأنواع، بما في ذلك الأفلام الموسيقية. في أيامنا، قد يبدو أنّ الخيار الوحيد في صالات العرض هو نوع من أفلام الحرب المليئة بمقاتلين يرتدون لباس الأبطال الخارقين، أو بزات رجال الشرطة، أو غير ذلك.
لقد أصبح صانعو الأفلام الأميركيون بارعين جداً في تصوير الحرب (موهبة زادتها المؤثرات الرقمية) حتى أصبح من الممكن أن يبدو كل إصدار جديد مناسبة أخرى للاستمتاع بالموت والدمار. وبقدر ما يبدو ذلك معاكساً للفطرة، يدفع غارلاند وميندوزا ضدّ هذا التوجّه في Warfare، من خلال تجريد المشاهد من أي متعة افتراضية في رؤية شخصيات تقتل. وهذا أصعب ممّا قد يبدو عليه، جزئياً لأنّ العنف يكاد يكون طبيعياً على الشاشة.
على الأقل هكذا يمكن أن يبدو بعد أكثر من قرن من أفلام الويسترن، المغامرات، عصابات الجريمة، التحقيقات البوليسية، والأبطال الخارقين، سواء تميّزت بمجازر بلا دماء أو بنفاثات شرايين مضاءة ومصوّرة بعناية.
الأداء في Warfare مقنّع ومضبوط، إلّا عندما يصرخ الرجال الجرحى من الألم: يموت واحد على الأقل، ويتعرّض آخرون إلى جروح شنيعة. لكن لا توجد مجازر مصمّمة بإعجاب في Warfare، ولا مونولوغات تستحق الجوائز. هناك قتال والمزيد من القتال، انفجارات، دخان، فوضى، وجدّية عميقة كامنة قد تبدو نادرة في الأفلام الأميركية المعاصرة.
في لحظة ما، تصرخ امرأة: «لماذا؟»، وهو في النهاية السؤال الوحيد الذي يبدو جديراً بالطرح عندما يُرسل مَن في السلطة أبناء الآخرين ليموتوا. وأعتقد أنّ غارلاند وميندوزا يطرحانه أيضاً. أشك أنّ جون واين كان سيُحب Warfare.








