
كل الأنظار متّجهة إلى مسقط، حيث تنطلق اليوم، المفاوضات الأصعب بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران، وما يمكن أن يتمخّض عنها من ارتدادات تُجمِع التقديرات على أنّها بإيجابيّتها أو سلبيّتها، ستنسحب على الملفات الإقليمية والدولية. ولبنان الذي يحاول أن يرتدي ثوب الخلاص وينهض من أزمة أو أزمات متتالية ومتناسلة من بعضها البعض، أرهقته لسنوات طوال، شأنه شأن الدول التي تعلّق آمالاً كبيرة على أن تورب هذه المفاوضات أبواب الحروب وتنزع فتائل التفجير التي تهدّد منطقة الشرق الأوسط برمّتها، مراهناً على أن يتمخّض عن الصعوبات والتعقيدات الفاصلة بين عدوَّين لدودَين، ما يعاكسها من انفراجات تنسحب عليه وتمكّن العهد الرئاسي من إكمال المسيرة التي بدأها على خطّ النهوض بلبنان والإنتقال به إلى واحة الإنتعاش الذي يتوق إليه كلّ اللبنانيّين.
ممّا لا شكّ فيه، أنّ كلّ الأنتينات واللواقط والمراصد الدولية مركّزة على «الحدث العماني»، توازيها ما يبدو أنّه سباق محموم بين المحلّلين والمعلّقين والقنوات العالمية والشبكات الإعلامية وكبريات الصحف الدولية ومعها العربية، على مقاربة المفاوضات الأميركية- الإيرانية بتحليلات وتقديرات وتوقعات تأرجحت بين الموضوعية والتفاؤل والتشاؤم. وحتى إنّ المنجّمين والمبصّرين وقارئي الفناجين والضاربين بالرمل اصطفّوا في هذا الطابور!
كل الاحتمالات واردة
الأكيد وسط هذا الزحمة، أنّه في مفاوضات بين طرفَين يجمعهما عداء مستحكِم، وتفصل بينهما فوارق عميقة، وملفات شائكة وقضايا معقّدة، من السذاجة الجزم أو الحسم بنتائج مسبقة، أو القول بمفاوضات بيضاء أو سوداء. فلعلّ التوصيف الأكثر ملاءمة لهذه المفاوضات، جاء عبر تفاؤل حذر أبداه مرجع كبير بقوله رداً على سؤال لـ«الجمهورية»، عمّا إذا كان ينحاز إلى القائلين بمفاوضات بيضاء أو القائلين بمفاوضات سوداء: «مجرّد جلوس الأميركيِّين والإيرانيِّين على طاولة المفاوضات، سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة، ورفع مستوى المفاوضين، أمر ينطوي على إيجابيات من حيث الشكل. ويجب ألّا نغفل أنّ الشكل هنا، فيه ما يلامس الجوهر، باعتبار أنّ الطرفَين باتفاقهما على المفاوضات يُعطِيان فرصة جدّية للحلّ السياسي والاتفاق، ويُعبّران بصورة غير مباشرة عن رغبتهما بتجنّب التصعيد والمواجهة».
أمّا من حيث المضمون، يتابع المرجع عينه قائلاً: «فما بين واشنطن وطهران وديان من الخلافات وسنوات طويلة من الصدام والعقوبات، ولذلك لا أقول إنّ المفاوضات سهلة، ولا أقول إنّها ستفشل أو إنّها ستنجح، هي في رأيي مفاوضات رمادية تميل وفق مجرياتها إلى البياض أو السواد، وكل الاحتمالات واردة فيها، وربما تطول هذه المفاوضات بحسب الملفات التي ستُطرح فيها، وربما تكون قصيرة. في كل الأحوال فلننتظر، والعبرة تبقى دائماً في الخواتيم».
تفاؤل ديبلوماسي
في هذا الإطار، أبلغ ديبلوماسي أوروبي رفيع «الجمهورية» قوله، إنّه يتوقع أن تكون المفاوضات الأميركية- الإيرانية شاملة، ولا يتوقع نتائج سريعة، «كونها لن تكون مقتصرة على الملف النووي، بل أمام الأميركيِّين والإيرانيِّين مجموعة كبيرة من ملفات محل تناقض وتعقيد كبير بينهما، ما قد يستوجب جولات متعدّدة من المفاوضات قد تمتد لأجل غير معلوم، وربما لأشهر على أقل تقدير».
وعمّا إذا كان يتوقّع أن تُفضي هذه المفاوضات إلى تفاهمات وإيجابيات، أضاف: «لا أملك الحسم، لكن لديّ ما يجعلني أميل إلى التفاؤل أكثر، فالطرفان جادان. ثم أود أن ألفت الانتباه هنا إلى أنّه خلال الأسابيع الأخيرة كان هناك ما يُشبه الخيط الرفيع بين الحرب واللاحرب، لكنّ ديبلوماسية الغرف المغلقة والقنوات السرّية غير المنظورة تمكّنت من تمتينه. وفي اعتقادي أنّ المساهم الأكبر في ذلك هو إدراك الأطراف لما قد تؤدّي إليه الحرب من تهديد، ليس للسلام الإقليمي بل للسلام العالمي، وهو ما حذّر منه الروس وغيرهم الذين تخوّفوا من كارثة بيئية في منطقة الشرق الأوسط، وإعصار اقتصادي سيضرب العالم بأسره».
ماذا عن لبنان؟
أمّا لبنانياً، فتبرز في هذا السياق، ما تصفها مصادر واسعة الإطلاع «الثابتة» لدى المستويات المسؤولة في الدولة، ولاسيما لدى رئاسة الجمهورية، والتي يُعبِّر عنها رئيس مجلس النواب نبيه بري أيضاً، وهي «التركيز على أولوية دفع عجلة إنهاض البلد إقتصادياً ومالياً، والتسريع بالخطوات والإجراءات الحكومية في هذا المجال، بمعزل عن أي أمر آخر».
وبحسب المصادر عينها، فإنّ المستويات المسؤولة في الدولة تأمل أن تنجح المفاوضات، ولا تملك أكثر من ذلك، إلّا أنّها تتقاطع جميعها على حقيقة أنّ واقع لبنان لا يحتمل ترف تضييع الوقت، أو التباطؤ في الإنجاز في انتظار ما ستؤول إليه المفاوضات. ونقلت عن أحد الرؤساء قوله: «المطلوب إكمال المسار الإنقاذي، فإن كانت نتائج المفاوضات سلبية، يكون لبنان قد جمّع عوامل تحصينه، وأمّا إذا ما جاءت إيجابية وانتهت إلى اتفاق بين الأميركيِّين والإيرانيِّين، فهذا الاتفاق إن حصل ستمتد ارتداداته حتماً على مساحة الإقليم ولبنان من ضمن هذه المساحة بالتأكيد، وبالتالي تكون هذه الارتدادات الإيجابية قيمة مضافة ودافعة أكثر لنا إلى مزيد من التقدّم والانجاز في لبنان».
عوامل التحصين
أمّا عوامل التحصين، فيعتبرها مرجع سياسي «مسؤولية مشتركة بين الرئاسات الثلاث والحكومة ومجلس النواب وكل القوى السياسية»، ويُلخّصها لـ«الجمهورية» كما يلي:
أولاً، الشروع بصورة عاجلة في ورشة عمل حكومية واسعة وبصورة مكثفة للإيفاء بكل الالتزامات والوعود التي قُطِعت، ولاسيما في مجال إعادة إعمار ما هدّمه العدوان الإسرائيلي.
ثانياً، الانتهاء الفوري من مرحلة الوعود الكلامية إلى المرحلة التطبيقية، عبر توجيه رسالة عملية عاجلة إلى الداخل اللبناني، وكذلك إلى المجتمع الدولي بصورة خاصة، بجرعة كبيرة من الخطوات الإصلاحية الجدّية ذات الصدقية الأكيدة.
ثالثاً، الانتقال من التغنّي بآلية التعيينات، إلى ترجمتها بإنجاز التعيينات الضرورية والملحّة للقطاعات المرتبطة بالشأن الإصلاحي. وإصدار المراسيم التطبيقية لمجموعة القوانين الإصلاحية التي أقرّها مجلس النواب قبل سنوات، وعُطِّل تنفيذها في العهد السابق لدواعٍ سياسية وكيدية، على رغم من أنّ من شأنها أن تُحدِث نقلة نوعية في المجال الإصلاحي.
رابعاً، إقرار مجموعة القوانين الجديدة المطلوبة في المجال الإصلاحي التي من شأنها تسريع إنضاج التفاهمات وبرامج التعاون مع المؤسسات المالية الدولية، ولاسيما القانونان المتعلقان بالسرّية المصرفية وإعادة هيكلة المصارف، ليس على النحو الذي يُبرّئها من دورها الخبيث خلال الأزمة وتلاعبها بالعملة الوطنية وتهريب الأموال إلى الخارج، وصولاً إلى التشبيح الذي اعتمدته على الدولة وحجز غير قانوني وغير أخلاقي وغير إنساني، وبمعنى أدق سرقة موصوفة لأموال المودعين.
خامساً، إقرار قانون «كابيتال كونترول» عصري وحديث. مع الحفاظ على أموال المودعين، واتخاذ الخطوات العملية العاجلة في إعادة هذه الحقوق إلى أصحابها، وليس بالطريقة التي تُروّج لها بعض المصارف من خلال طروحات بتقسيط أموال المودعين على مدى 10 سنوات أو 20 سنة ما يعني تذويبها بشكل كامل.
سادساً، اتخاذ الخطوات العاجلة في مجال مكافحة الفساد، مع محاسبة بمفعول رجعي لكل المرتكبين، واسترداد الأموال المنهوبة من مختليسها.
العامل الإسرائيلي
على أنّه في موازاة ضرورات التحصين الإصلاحي والإقتصادي والمالي، تبرز ضرورة تفوقها، تؤكّد عليها مصادر رفيعة في «الثنائي»، وتتجلّى في الارتفاع إلى أعلى درجات اليقظة والحذر من العامل الإسرائيلي، في ظل محاولاته المتكرّرة لإرباك الوضع اللبناني ونسف اتفاق وقف إطلاق النار. والمسؤولية في هذا المجال، كما تقول المصادر، تقع على السلطة السياسية في توفير كل الوسائل لمنع الإسرائيلي من تحقيق غايته، بالتوازي مع إعلان الاستنفار الديبلوماسي مع الدول المعتبرة صديقة، وفي مقدّمها الولايات المتحدة الأميركية، لردع إسرائيل ونزع فتيل التصعيد الذي تشعله. وإن كانت التجربة الديبلوماسية المعتمدة منذ إعلان وقف إطلاق النار في تشرين الثاني الماضي، حيث لم يُقابل الجهد الديبلوماسي مع الأصدقاء، ولاسيما الدول الراعية لاتفاق وقف إطلاق النار، باستجابة جدّية تمنع تفلّت إسرائيل من هذا الاتفاق ويوقف اعتداءاتها وخروقاتها.
أمّا موجبات الحذر، فتردّها المصادر الرفيعة إلى أنّ إسرائيل، باعتبارها الدافع إلى الضربة الأميركية لإيران وإنهاء ملفّها النووي وتغيير النظام فيها، هي أكثر المتضرّرين من المفاوضات بين واشنطن وطهران ووصولها إلى تفاهمات بين البلدَين، ما يعزّز الخشية من أن يُقدِم العقل الشيطاني الذي يحكمها على خطوات عدوانية، ولاسيما على جبهة لبنان، ويشي بذلك اعتداءاتها التي صعّدتها بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة، وترافقت مع مزاعم حول نشاطات عسكرية لـ»حزب الله» خارج منطقة جنوبي الليطاني، وآخرها على سبيل المثال، ادّعاؤها بإعادة الحزب إحياء منشأة عسكرية في الشويفات، في محاولة واضحة تسعى من خلالها إلى منح نفسها مبرّرات واهية للقيام بعدوان».
استبعاد التصعيد
إلى ذلك، وعلى رغم من اقتناعه بوجوب الحذر الدائم من إسرائيل، يعتبر مرجع أمني أنّ اعتداءات إسرائيل على لبنان منذ اتفاق وقف إطلاق النار، دافعها داخلي بشكل أساسي، والهدف الأساس منها هو تطمين سكان مستوطنات الشمال وحثهم على العودة إليها، فيما هم يمتنعون حتى الآن، وقد كان هذا الأمر أحد أهداف حرب الـ66 يوماً على لبنان ولم يتحقق بالشكل الذي أرادته إسرائيل، لاسيما أنّ آخر الإحصاءات الإسرائيلية تتحدّث عن نسبة عودة للمستوطنين تتراوح بين 10 و15% إلى المستوطنات على رغم من إخلاء «حزب الله» لمنطقة جنوب الليطاني.
ورداً على سؤال لـ»الجمهورية»، استبعد المرجع عينه لجوء إسرائيل إلى تصعيد كبير لأسباب متعدّدة، أولها الـ»فيتو» الأميركي على استئناف الحرب. وثانيها الأزمة السياسية المتصاعدة داخل المستويات السياسية في إسرائيل، وحتى في داخل حكومة بنيامين نتنياهو. وثالثها أنّ الجيش الإسرائيلي نصفه متفرّغ للحرب في غزة ونصفه الآخر صار في سوريا. ورابعها أنّ إسرائيل ما زالت مقتنعة بقدرة «حزب الله» على مواجهتها وإيذائها، والإعلام الإسرائيلي يشير إلى ذلك بوضوح.
كبسة رئاسية
محلياً، سُجِّلت أمس، كبسة رئاسية للنافعة، إذ قام رئيس الجمهورية جوزاف عون بزيارة إلى مبنى مصلحة تسجيل السيارات والآليات في الدكوانة، يُرافقه وزير الداخلية أحمد الحجار. وتوجّه الرئيس عون بكلمة إلى أصحاب المعاملات في المصلحة: «أنا هنا أتيتُ لأعرف مشكلاتكم. والمطلوب منكم إبلاغي بالصعوبات التي تواجهكم، وأقول لكم مَن يُغطّي الفساد هو مشارك فيه، فكونوا أنتم عيوننا، وأنا ووزير الداخلية هنا لمساعدتكم».
كذلك، قام الرئيس عون بزيارة إلى مرفأ بيروت ورافقه وزير الأشغال العامة والنقل فايز رسامني، فالتقى المدير العام للجمارك العميد ريمون خوري، وتفقّد سير العمل في الجمارك وفي المراكز الأمنية. وشدّد الرئيس عون خلال الزيارة على ضرورة «انتظام الرقابة الجمركية على البضائع المستوردة واستيفاء الرسوم بعدالة وعدم التهاون مع من يرتكب المخالفات».
على الصعيد الحكومي، أكّد رئيس الحكومة نواف سلام، أنّ الحكومة ماضية في تطبيق برنامج الإصلاح وإقرار مشاريع القوانين المالية التي تخوّل لبنان الوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي. وشدّد خلال استقباله وفداً من البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، على أنّ الإصلاحات هي مصلحة أساسية للبنان واللبنانيِّين، لوضع الدولة على طريق التنمية. وقد أكّد الوفد خلال اللقاء استعداد البنك لدعم لبنان ومساعدته فور تحقيق الإصلاحات المطلوبة وتوقيعه الاتفاق مع صندوق النقد.










لذلك فإنّ توقعات روبيو الشديدة السواد حول المستقبل القريب لسوريا قد تكون بدّدت المشهد الواعد الذي خرج من السعودية قبل أيام معدودة. يومها ضجّت التسريبات حول التزام الشرع بالتطبيع مع إسرائيل، وبأنّ اجتماعات سرّية عُقدت في أذربيجان بين وفدين سوري وإسرائيلي في حضور وفد تركي في إطار ترتيب المشهد المقبل. أما المصادر الديبلوماسية الأميركية، فلم تتردّد في الكشف عن طلب ترامب ضرورة قيام سلطات دمشق ببسط سيطرتها الكاملة على سوريا، عبر إنهاء أي وجود لأي تنظيم مسلح خارج إطار الدولة السورية، واقتلاع المجموعات الإرهابية التي تتغلغل في سوريا، مستفيدة من الظرف الإنتقالي، مثل 'داعش'. ووفق هذه التسريبات، فإنّ الشرع أكّد قدرة أجهزته على تحقيق هذين الهدفين. لكن كلام روبيو يوحي بالعكس. فهو اعتبر أنّ في ظل التحدّيات التي تواجهها سوريا، قد نكون على بعد أسابيع من حرب أهلية شاملة ذات أبعاد مدمّرة تؤدي فعلياً إلى تقسيم البلاد.
وجاء كلام وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف ليزيد من منسوب الخطر القائم. فهو اعتبر أنّ بلاده تشعر بقلق عميق إزاء وجود نيات لتطهير عرقي حقيقي وعمليات قتل جماعي للناس، تقوم به الجماعات المتشدّدة وعلى أساس جنسيتهم وانتمائهم الديني.
وعلى أرض الواقع، فإنّ التطورات الأمنية تبعث على القلق وسط غموض للمسار المستقبلي للأوضاع. فشكوى لافروف ترافقت مع هجوم نادر تعرّضت له قاعدة حميميم الجوية العسكرية وبقيت تفاصيلها غير واضحة بسبب تكتم السلطات الروسية حولها. لكن الوسائل الإعلامية تحدثت عن سقوط قتلى في صفوف الجيش الروسي إثر محاولة تنظيم إرهابي لاقتحام القاعدة العسكرية الروسية.
وبالتأكيد فإنّ القلق من انفلات الأوضاع داخل سوريا ليس محصوراً بهذه الحادثة فقط. فعدا الجوانب الدموية التي رافقت أحداث الساحل السوري أولاً ومن ثم الأحداث مع الدروز، بدا أنّ هنالك نمواً مضطرداً لتنظيمات تتبنّى السلوك العنفي المتشدّد وسط تسجيل تهريب أسلحة إلى الداخل السوري. وهو واقع يشبه ولو من بعيد الواقع العراقي بعد إسقاط صدام حسين وبسط واشنطن نفوذها عليه. فالمصادر الرسمية السورية كانت قد تحدثت عن مصادرة شحنات أسلحة تتضمن مضادات للدروع وأخرى مزودة مناظير ليلية بالقرب من مدينة البوكمال شرق سوريا، وتحديداً بالقرب من الحدود مع العراق. وهنا يأتي السؤال الأهم عن الجهة التي تقوم بإمرار الأسلحة إلى داخل سوريا والقادرة على امتلاك هذا النوع من الأسلحة.
وخلال الأشهر الماضية شهدت سوريا 'ولادة' عدد من التنظيمات الدينية المتشدّدة، والتي تتوخّى الأساليب العنفية لتحقيق أفكارها. وأبرز ما سُجّل ولادة تنظيم حمل اسم 'سرايا أنصار السنّة'، والذي تبنّى عشرات العمليات التي هدفت إلى القتل والتصفية الجسدية. وفي أحد بياناته أعلن التنظيم في وضوح، أنّ هدفه 'النصيرية' و'الروافض' أينما وجدوا على الأراضي السورية، وأنّ التنظيم لن يترك لهم فرصة ليعيدوا بناء مجدهم. طبعاً فالبيان يتحدث هنا عن العلويين. وتابع البيان بأنّ الهجمات ستكون وفق أسلوب 'الذئاب المنفردة'، وأنّه ليس لدى التنظيم أي مكان ثابت يتمركز فيه، ولا مقرات ومكاتب، 'فنحن قوة لامركزية'.
والسؤال الذي لا بدّ منه هو حول طريقة تأمين هذا التنظيم الشبحي وغيره من التنظيمات التمويل المطلوب له، خصوصاً في ظلّ واقع إقتصادي ومعيشي مزرٍ في سوريا، وهو ما تعاني منه وبمقدار كبير القوات العسكرية التابعة لحكومة الشرع. ما يعني أنّ هذا التمويل يأتي من خارج الحدود، وأنّ الهدف هو دفع سوريا إلى الفوضى العارمة. ومنذ أيام معدودة انفجرت سيارة مفخخة وسط مدينة الميادين في شرق سوريا مستهدفة مركز شرطة المدينة. ويأتي ذلك بعد الحملة التي قام بها جهاز الأمن العام على خلايا تابعة لتنظيم 'داعش' عند ضواحي حلب. وبالتالي فإنّ من المنطقي الربط بين العمليتين.
واستطراداً، فإنّ النمو السريع للخلايا العنفية مع تأمين مصادر تسليحها وتمويلها من خارج الحدود، يدفعان إلى التساؤل عمّا إذا كان هنالك من مشروع كبير يهدف لأخذ سوريا إلى فوضى يمكن استثمارها في إطار كسر القواعد الجديدة التي رست عليها سوريا، وإلى دفع الوضع في اتجاه إجراء فرز داخلي كامل على نار حامية. وهنا يصبح الملف المتعلق بالتطبيع مع إسرائيل وقوداً لحمّام الدم الآتي أكثر منه نافذة خلاص إقتصادية.
وبالتالي فإنّ الدعوات القائلة بوجوب الإندفاع وذهاب لبنان إلى البدء بإجراءات التطبيع مع إسرائيل تطرح كثيراً من علامات الإستفهام. فهو إما لا يفقه بما فيه الكفاية التركيبة اللبنانية ودقة ما تختزنه من تناقضات وتعقيدات، أو أنّه يدفع بالوضع اللبناني إلى أتون الفوضى مجدداً. ومن دعا إلى التمثل بالخطوة التي قام بها الشرع من 'الزاوية'، فهو لن يتأخّر في العودة عن دعوته مع انكشاف المخاطر الأمنية التي باتت تحوط بسوريا.
في الأمس فتحت زيارة رئيس السلطة الفلسطينية للبنان ملف السلاح الفلسطيني في المخيمات، وهي بداية ممتازة ولو أنّها ليست المرّة الأولى. ذلك أنّ قراراً مشابهاً كان أعلنه عباس لدى زيارته لبنان في تموز 2013، ولكنه بقي حبراً على ورق. صحيح أنّ الظروف اللبنانية الداخلية اختلفت وكذلك المعادلة الإقليمية العريضة إضافة إلى الواقع الفلسطيني بعد الحرب المدمّرة في غزة، إلّا أنّ التسويات الكبرى لا تزال غائبة. فالتسوية الفلسطينية في غزة تراوح مكانها وسط استمرار تدفق شلال الدم. وكذلك التسوية الأميركية ـ الإيرانية لا تزال تخضع لمناورات الطرفين. وفي وقت بدت طهران 'غير ممنونة' للموقع الذي احتلته السعودية بعد زيارة ترامب لها، رفع المرشد خامنئي من سقف 'تشاؤمه' حيال احتمالات التوصل إلى اتفاق مع إدارة ترامب. وتلت هذا الكلام تسريبات أميركية عبر وسائل الإعلام، بأنّ إسرائيل تجهّز نفسها لضرب منشآت نووية إيرانية، وهي تعمل على ذلك بنحو منفرد.
لكن الواضح أنّ ما يحصل يدخل في إطار المناورات التفاوضية لا التحذيرات أو التهديدات الجدّية. فلا الظروف الخارجية توحي بأنّ الأجواء مهيأة للذهاب إلى المواجهات العسكرية، ولا الأوضاع الداخلية لكلا البلدين تملك 'رفاهية' الإنزلاق في اتجاه الحروب. ما يعني أنّ التفاهم هو الخيار المحتوم. لكن السؤال هو متى وكيف ستكون هذه التفاهمات؟
وبالتالي، فإنّ الأجواء التمهيدية لزيارة الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس، والتي تتحدث عن مطالب يتعلق بعضها بالتطبيع مع إسرائيل وسط سقوف عالية قد لا تبدو واقعية، خصوصاً إذا ما نظرنا إلى المستجدات في سوريا وكلام روبيو.
لكن اللافت ما ردّده أحد الخبراء في السياسة الأميركية. فرداً على سؤال عمّا إذا كانت واشنطن تعتقد فعلاً أنّ لبنان قادر على السير في التطبيع مع إسرائيل، كان جوابه بأنّه لا يعتقد ذلك. قد يكون لواشنطن مطلب آخر يختبئ خلف مطلب التطبيع، وقد يتمّ الكشف عنه في التوقيت المناسب. أما الآن فالتركيز الحقيقي هو حول إعادة بناء ركائز الدولة اللبنانية، ولكن على أسس صحيحة وسليمة هذه المرّة.


حتى كتابة هذه السطور لم يتبلّغ أي مرجع رئاسي او حكومي أو ديبلوماسي أي موعد لزيارة اورتاغوس لبيروت، وكل ما في الأمر انّ على جدول أعمالها زيارة للبنان كانت مبرمجة على وقع النتائج المترتبة من زيارة ترامب للخليج العربي. وقيل بنحو غير رسمي إنّها ستجول في عواصم عدة بعد مغادرتها قطر، حيث شاركت في «منتدى قطر الإقتصادي» في الدوحة، من دون أن تدخل المراجع الديبلوماسية الأميركية في أي تفاصيل أخرى.
ولمّا أصرّ محدث المسؤول الأميركي على معرفة الموعد التقريبي قال إنّ نهاية الأسبوع الجاري قد تحمل خبراً مفيداً عن الموعد المحتمل للزيارة وترتيب مواعيدها، بحيث أنّها لن تقتصر هذه المرّة على لقاءاتها مع المسؤولين الكبار كما جرت العادة، إنما في نيتها مرافقة الجنرال الأميركي الجديد مايكل جي ليني الذي عُيّن خلفاً للجنرال جاسبر جيفرز، إلى اجتماع يُعقد في مقرّ قيادة القوات الدولية «اليونيفيل» في الناقورة بعد طول غياب.
على هذه الخلفيات، قالت المصادر العليمة بكثير مما ما زال مخفياً على اللبنانيين، إنّ الاجتماع المنتظر ليس نهائياً ما لم تتوافر ظروف انعقاده، وهو رهن أن تجري الأمور التي تسهّل انعقاده كما تمّ التخطيط له، وخصوصاً ما هو مطلوب لجهة الإسراع في التخلّي عن السلاح غير الشرعي. وهو سيكون الاجتماع الأول للرئيس الجديد للجنة مع ممثلي الأطراف الأربعة الآخرين فرنسا، لبنان، إسرائيل و»اليونيفيل» والذي سيشكّل إشارة واضحة إلى انطلاق عملها مجدداً بعد فترة من الجمود امتدت منذ آخر اجتماع لها في 8 آذار الماضي، والذي عُدّ فاشلاً بكل المقاييس نتيجة تعثر البرنامج الذي أُقرّ لانسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي من بعض التلال المحتلة في الجنوب، والتي ما زالت تحتفظ بها. وكان ذلك قبل أن تتوالى العراقيل التي لم تتمكن اللجنة من تجاوزها، وزاد من تعقيداتها ما تركه الجنرال جيفرز من تداعيات نتيجة تصرفاته التي لم يجد لها البعض أي تفسير، وخصوصاً عندما تردّد في اتخاذ المواقف الصارمة التي طُلبت منه، متجاهلاً الإعتراض الفرنسي المتشدّد على التعنت الإسرائيلي ومعه ممثلي «اليونيفيل» ولبنان على حدّ سواء، الذي تجاوز بمواقفه المتشدّدة ما رافقها من عنجهية مرفوضة لدى أعضاء اللجنة.
وعند دخولها في التفاصيل تكشف المصادر عينها، أنّ اللجنة ومنذ تشكيلها بعد تفاهم 27 تشرين الاول العام الماضي، لم تنجز بعد الحدّ الأدنى مما هو مطلوب منها من خطوات عملية كانت ستؤدي إلى انفراج ملحوظ في الداخل اللبناني وسقوط المهل التي حُدّدت للانسحاب الإسرائيلي من القرى المحتلة. وهي عملية كان يمكن ان تكون لها انعكاساتها الإيجابية على مستوى تزخيم الإتصالات مع مسؤولي «حزب الله» خصوصاً و»الثنائي الشيعي» عموماً، من موضوع التخلّي عن الأسلحة المنتشرة خارج الجنوب ووقف الإعتراضات المتكرّرة على دوريات «اليونيفيل» في الجنوب والتي من المفترض أن تقوم بمهماتها لضبط الوضع الأمني على قاعدة انّ الجنوب، ولا سيما منه منطقة جنوب الليطاني، باتت خالية من مخازن أسلحة الحزب ومواقعه، وصارت في عهدة الجيش و»اليونيفيل». وهو أمر نزل برداً على قيادة «اليونيفيل» ومسؤولين آخرين نتيجة تجدّد مضايقات «حزب الأهالي» التي تقود إلى التشكيك بأنّ الجنوب ما زال يحتوي أسلحة تطاردها الطائرات الإسرائيلية او تتحجج بها تحت شعار ضرب «منشآت حزبية»، بعدما قيل إنّه تمّ تفكيك اكثر من 500 موقع عسكري للحزب كان وجودها يبرر رفض «جيش النساء» دخول دوريات «اليونيفيل» إلى قلب القرى الجنوبية، عدا عن العمليات العسكرية التي نفّذتها قوات الاحتلال عند قولها انّها تنسف الأنفاق التي كانت محفورة تحت المنازل في أعماق القرى الجنوبية التي دُمّرت.
ولا تقف المخاوف من زيارة اورتاغوس عند هذه الملاحظات التي يمكن تجاوزها، إن وجد قرار سياسي يتخذه الحزب بلا أي تردّد في ما يتعلق بمصير سلاحه تجاوباً مع دعوة رئيس الجمهورية إلى برنامج واضح لإقفال هذا الملف نهائياً. وهي خطوة تمّ ربطها بما قالته اورتاغوس قبل أيام أمام «منتدى قطر الاقتصادي»، عندما قالت في وضوح «إنّ المسؤولين في لبنان أنجزوا في الأشهر الستة الماضية أكثر مما فعلوا على الأرجح طوال السنوات الخمس عشرة الماضية، ولكن لا يزال أمامهم الكثير». وهو أمر يُنبئ بأنّها ستكون في زيارتها المقبلة اكثر تشدّداً في هذا المطلب بما لا يتوقعه المسؤولون قبيل وصولها إلى بيروت. وقد بدا ذلك واضحاً عندما قالت بما لا يتناسب وتريث المسؤولين اللبنانيين في شأن السلاح ما حرفيته: «إنّ الولايات المتحدة دعت إلى نزع السلاح الكامل لحزب الله، وإنّ هذا لا يعني جنوب الليطاني فقط، بل في أنحاء البلاد كافة». وما زاد في الطين بلّة انّها وجّهت الدعوة إلى «القيادة اللبنانية إلى اتخاذ قرار في هذا الشأن».
عند هذه المعطيات، تتفهّم المراجع الديبلوماسية القلق اللبناني من زيارة اورتاغوس المقبلة، لأنّها ستكون أكثر صلابة، وقد تعود إلى خطابها الأول عندما نطقت بعبارات خارجة عن الأصول الديبلوماسية في التعبير عن موقفها الذي يمكن أن يحيي النقاش حول شياطين التفاصيل، وهو أمر بات أكثر رجحاناً بعد زيارة ترامب الخليجية ومسلسل الزلازل التي تسببت بها، ولا سيما منها قراراته الأخيرة التي يمكن للإدارة الأميركية ان تستثمر فيها كثيراً مما تريده على غير مستوى. فقرارها في شأن رفع العقوبات عن سوريا ومحاسبة أذرع إيران خارج حدودها الجغرافية، هو منطق لا يزال ينطبق على الوضع في لبنان وفق النظرة الأميركية للأمور بتفاصيلها، ومعها دول الخليج العربي والأوروبيون الذين انخرطوا في برامج رفع العقوبات عن سوريا بعد الولايات المتحدة، وهي التي ربطت كل أشكال المساعدات والقروض بمصير هذا السلاح، بطريقة أكثر فظاظة على حدّ ما نُقل عن مسؤولين أميركيين يواكبون خطواتها في لبنان والمنطقة.

تترقّب الأوساط السياسية ما سيتلقفه لبنان من نتائج، بعد اللقاءات الأميركية - السعودية - السورية، بمشاركة تركية في الرياض. وتبدي خشيتها من تداعيات سلبية على الوضع اللبناني إذا لم تحسم الحكومة اللبنانية خياراتها في ما يتعلق بالملفات التي تطرحها إدارة دونالد ترامب، بدءاً برؤيتها لتطبيق قرار وقف النار، وصولاً إلى خيارات التسوية والحلول السلمية مع إسرائيل.
وتتوقف مصادر سياسية عبر «الجمهورية»، عند مؤشر ظهر قبل يومين وربما يكون ذا مغزى سياسياً خاصاً، وهو فرض واشنطن عقوبات جديدة على «حزب الله» وبيئته. فتوقيت هذه العقوبات، في نظر المصادر، مدروس لتوجيه رسالة إلى «الحزب»، ومن خلاله إلى الحكومة اللبنانية، مفادها أنّ مسار الانفراج الذي يبديه عدد من الأطراف الإقليميين استعدادهم للانخراط فيه، لا تسري مفاعيله على لبنان بالضرورة، وعلى العكس قد يؤدي إلى رفع مستوى الضغط على الحكومة اللبنانية و«الحزب» اللذين عليهما أن يتلقفا الرسالة الأميركية على محمل الجدّ.
المعادلة الزمنية
إلى ذلك، قالت مصادر مطلعة لـ«الجمهورية»، إنّ الموقف الإقليمي والدولي في التعاطي مع لبنان يركّز على المقايضة بين حصرية السلاح وإعادة الإعمار، وذلك وفق معادلة زمنية. ويرى أصحاب هذا الموقف انّه يجب أن يتمّ الضغط على «حزب الله» لكي يبادر إلى القبول بهذه الحصرية، لأنّه إذا ماطل ربما يكون يراهن على الوقت لحصول متغيّرات في الظروف الداخلية والإقليمية والدولية، تمكّنه من التملّص من أي التزام في هذا الصدد.
وأضافت هذه المصادر، انّ رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون يتعاطى مع هذا الملف بهدوء بما لا يؤدي إلى حصول أي صدام حوله. لكن قسماً من السلطة وقوى سياسية يقاربون هذا الملف بطريقة مختلفة، ويعتبرون أنّ الظروف في المنطقة تغيّرت، وأنّه يجب الاستفادة من الدعم الأميركي لإقفال هذا الملف ووضع حدّ للتفلّت الإسرائيلي.
ولكن المصادر نفسها أكّدت أنّ «حزب الله» أبدى مرونة وانفتاحاً لمعالجة هذا الامر، كذلك أكّد الانفتاح على العرب وتشجيع حضورهم إلى لبنان، بدليل ما أعلنه أمينه العام الشيخ نعيم قاسم في إطلالته الأخيرة، مؤكّداً «الحرص على مصالح العرب في مقابل حرصهم على مصالحنا». وأشارت إلى انّ «حزب الله» هو في موقع المعتدى عليه وهناك قسم من الارض ما زال محتلاً ويعمل الإسرائيلي على تحويله منطقة عازلة، ما يدلّ إلى انّه سيستمر في احتلاله خلافاً لوقف النار وللقرار الدولي 1701.
لا يجب التسرّع
وأكّد الرئيس عون العائد من الفاتيكان بعد مشاركته في الاحتفال بانطلاق البابا لاوون الجديد في عمله الحبري، أنّه «لا يمكن حصر موضوع السلاح ضمن مدة زمنية، ولا يجب العمل بتسرّع»، مشدّدًا على «أنّ الحوار يحلّ كل المشكلات وليس فقط موضوع السلاح».
وعن زيارة أورتاغوس للبنان، قال عون: «نتواصل مع أميركا دائمًا من أجل الضغط على إسرائيل»، مشيرًا إلى «أننا نتوقع زيارة من أورتاغوس إلى لبنان». وقال إنّ «رفع العقوبات عن سوريا خطوة جبّارة ومقدّرة ولها تبعات إيجابية على سوريا ولبنان»، أضاف: «أزيلت الأسباب التي فرضت على السوريين النزوح إلى لبنان، ونحن نعمل مع الدولة السورية وبالتعاون مع المنظمات الدولية من أجل عودة النازحين إلى سوريا، ويجب العمل على إعادتهم». وأكّد أنّ «الحدود اللبنانية ـ السورية تحت سيطرة الجيش اللبناني بالكامل».
وقال عون في مقابلة مع قناة «ON TV» المصرية عشية زيارته إلى القاهرة، إنّ «مصر تلعب دورًا قياديًا في المنطقة، وهي تتفهم ظروف لبنان». وأشار إلى أنّ «مصر شريك أساسي في المحافظة على الاستقرار»، مضيفًا: «سنبحث مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي العلاقات الثنائية والتطورات في المنطقة، وسنبحث في ملف إعادة الإعمار وملف الطاقة ودعم الجيش وزيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب».
إلى ذلك، شدّد عون على «أننا عدنا إلى العالم العربي»، موضحًا أنّ الدول تريد الإصلاحات الاقتصادية والاستقرار الأمني لعودة الاستثمارات. وكشف «أننا نتوقع رفع حظر السفر عن السعوديين قريبًا».
وعن العلاقة مع إيران، أوضح أنّه «لدينا علاقة ديبلوماسية جيدة مع إيران. وإذا وصلت المفاوضات الأميركية- الإيرانية إلى نتيجة فإنّ ذلك سيؤثر على المنطقة ولبنان»، وقال: «طلبنا من الإيرانيين أن يكون تواصلهم مع الدولة. ولا نقبل بتدخّل أي دولة بالشؤون الداخلية».
وأكّد عدم التزام إسرائيل باتفاق وقف إطلاق النار، مشيرًا إلى استمرار الاتصالات الديبلوماسية من أجل الضغط على إسرائيل. مشددًا على أنّ احتلال إسرائيل للنقاط الخمس يمنع انتشار الجيش اللبناني على الحدود. وقال إنّ «مسألة التطبيع مع إسرائيل غير موجودة، ونسعى إلى اتفاقية هدنة»، لافتًا إلى «أننا طالبنا بمفاوضات غير مباشرة برعاية أميركية في شأن الحدود البرية كما حصل في الحدود البحرية»، موضحًا أنّ التركيز على السلاح يتركّز على جنوب الليطاني. وأضاف: «حزب الله يمثل شريحة لبنانية، وهناك رسائل تُنقل بيننا في إطار موضوع السلاح»، مشيرًا إلى أنّ وضع «حزب الله» الأمني لا يسمح بعقد لقاءات، مضيفًا: «من حق حزب الله المشاركة السياسية لكن السلاح بيد الدولة». وأشار إلى أنّه سيتمّ البحث في موضوع سلاح المخيمات الفلسطينية مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
وقد عاد عون واللبنانية الاولى السيدة نعمت عون من روما مساء أمس، بعدما حضرا القداس الحبري الاول للحبر الأعظم البابا لاوون الرابع عشر، كما قدّما إليه التهاني بانتخابه على رأس الكنيسة الكاثوليكية. ومن المقرّر أن يغادر عون اليوم إلى القاهرة في زيارة رسمية تلبية لدعوة نظيره المصري.
الانتخابات البلدية
على صعيد الانتخابات البلدية، أُقفلت صناديق الاقتراع في محافظات بيروت، البقاع، وبعلبك - الهرمل، بعد يوم انتخابيّ طويل لاختيار المجالس البلدية والاختيارية، اتّسم بأجواء تنافسية تفاوت خلالها الإقبال بين المناطق، وسُجّلت فيه بعض الإشكالات الإدارية المحدودة، فيما غابت الحوادث الأمنية الجدّية. وبلغ عدد الشكاوى الواردة إلى وزارة الداخلية 387 معظمها شكاوى إدارية تمّت معالجتها.
ووفق النسب الأولية، بلغ عدد المقترعين في محافظات بيروت، البقاع وبعلبك - الهرمل، في الإنتخابات البلدية والاختيارية، بحسب أرقام وزارة الداخلية والبلديات: بيروت: 21.03%، زحلة: 46.25%، البقاع الغربي: 42.95%، راشيا: 37.06%، الهرمل 35.70%، بعلبك: 48.81%.
وفيما بدأت نتائج الانتخابات بالظهور ابتداءً من ليل أمس، يُنتظر ان تصدر نتائج بلدية بيروت ومختاريها اليوم، في وقت ستصدر نتائج بلديات المدن الكبرى والبلدات البقاعية ايضاً وتباعاً. وقد دلّت النتائج الاولية في بيروت التي جاءت نتائج الاقتراع فيها متدنية، إلى تقدّم للائحة «بيروت بتجمعنا» التي ترفع شعار المناصفة في المجلس البلدي الجديد على بقية اللوائح، وهي لائحة يدعمها النائب فؤاد مخزومي وثنائي حركة «أمل» و«حزب الله» و«التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» و«الحزب التقدمي الاشتراكي». فيما فازت لائحة «قلب زحلة» التي تدعمها «القوات اللبنانية» على اللائحة المنافسة «رؤيا وقرار» التي يدعمها رئيس حزب الكتائب سامي الجميل.
سلام واثق
وأكّد رئيس الحكومة نواف سلام أنّ «الانتخابات البلدية والاختيارية هي عملية إنماء لبيروت». وقال، بعد الإدلاء بصوته في بئر حسن ومن ثم جولته على عدد من مراكز الاقتراع حاضاً على كثافة الاقتراع: «أنا واثق أنّ أهلي في المدينة سيضمنون تمثيل الجميع في المجلس البلدي»، لافتاً إلى أنّ «بيروت بحاجة إلى الإنماء، وحيادية الحكومة في الانتخابات تأمّنت وخياري كمواطن هو لإنماء المدينة».
وأضاف: «أحضّ الجميع على الإقبال على الاقتراع»، مشدّداً على أنّه «يجب أن نتعلّم من الأخطاء التي ارتُكبت في طرابلس والشمال»، معتبراً أنّ «تأخّر عملية الفرز في بيروت أمر وارد لكن ليس كثيرًا».
وقال عن نسبة الاقتراع المنخفضة: «هذا واقع، ولكن لا نزال في فترة قبل الظهر، نأمل أن ترتفع نسبة الاقبال، فهذه الفرصة الوحيدة لأهالي بيروت كي يعبّروا عن خياراتهم الإنمائية. وأناشدهم مرّة ثانية الإقبال على التصويت بكثافة، فبيروت في حاجة إلى إنماء كبير في كل ما يتعلق بشؤونها الحياتية، من زحمة السير إلى الحفر إلى النفايات وغيرها من القضايا التي تدخل في نطاق العمل البلدي».
وعن المحافظة على التنوع في بيروت أشار سلام إلى أنّ «تاريخ المدينة يشير إلى محافظتها على التنوع وما يهمّه هو أن يتمثل الجميع في المجلس البلدي كما يجب»، معتبراً أنّ «بيروت كانت تاريخياً حاضنة للجميع وستبقى كذلك، وأنا على ثقة بأنّ الجميع سيتمثل في المجلس البلدي».
وعن الفيديوهات الاستفزازية التي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي تدعو إلى عدم السير بالمناصفة، اجاب سلام: «هذه فيديوهات استفزازية وهدفها مغرض».
سئل: هل التحدّي تأمين المناصفة او إنماء حقيقي وفاعل لبيروت؟
فأجاب: «لماذا يجب ان يتناقض هذان الهدفان؟ لا تناقض بينهما ابداً».
وزير الداخلية
وفي ختام المرحلة الثالثة من الانتخابات البلدية التي جرت امس في البقاع وبعلبك الهرمل وبيروت، اكّد وزير الداخلية أحمد الحجار «اننا لم ننهِ بعد توزيع مراكز الاقتراع في الجنوب»، مشدّداً على «انّ تأكيد السيادة يكون بإنجاز العملية الانتخابية في الجنوب كله». واضاف: «سنواكب العملية الانتخابية في الجنوب قبل وأثناء وبعد ولن نترك أهلنا». وقال: « اليوم الانتخابي كان جيداً، وهناك مركز اقتراع واحد لا تزال العملية الانتخابية مستمرة فيه». ولفت إلى انّ عمليات فرز الأصوات في بيروت تتمّ على أحسن ما يرام، وهناك رضى تام من المندوبين. كما انّ الاشكالات تمّت معالجتها وتمّ ضبط عمليات رشاوى وتوقيف عدد من الاشخاص.
بيروت والمناصفة
وأكّدت أوساط سياسية بيروتية لـ«الجمهورية»، انّ المحك الأساسي بالنسبة إلى انتخابات بيروت هو إيصال مجلس بلدي على أساس المناصفة التي شكّلت هاجساً ضاغطاً رافق العملية الانتخابية حتى إقفال صناديق الاقتراع.
وأشارت الأوساط إلى «انّ تحقيق المناصفة اذا حصل سيشكّل انتصاراً وطنياً وسيغطي على نسبة الاقتراع المنخفضة، علماً انّ هذه النسبة قريبة من تلك التي سُجّلت عام 2016 حين كان تيار «المستقبل» لا يزال حاضراً في المعادلتين السياسية والانتخابية».
ونبّهت الاوساط إلى «انّ أي إخفاق في ضمان المناصفة سيؤدي إلى تسعير الجمر الطائفي وسيعزز الهواجس المشروعة وغير المشروعة وسيؤجج الخطاب المتطرّف وسيعطي الداعين إلى تقسيم العاصمة بلدياً ذريعة للتمسك بطرحهم ولمحاولة تشريعه من خلال الدفع نحو تعديل قانون الانتخابات البلدية». واعتبرت «انّ نتائج معركة العاصمة وسياقاتها ستخضع إلى التشريح لدى القوى السياسية، للبناء على المؤشرات والاستنتاجات المستقاة، في إطار الاستعداد للاستحقاق النيابي في ايار 2026».
