إلى المطران إلياس عوده: ضمير بيروت وصوت الحق في زمن الإنهيار
إلى المطران إلياس عوده: ضمير بيروت وصوت الحق في زمن الإنهيار
د. ميراي زيادة
Thursday, 13-Mar-2025 06:41
في زمنٍ يتناقص فيه عدد الأصوات الحرّة، ويكاد الصمت يُصبح لغة السياسيِّين، يبرز المطران إلياس عوده كصوتٍ صارخٍ في وجه الفساد، لا يخشى المواجهة ولا يتردّد في تسمية الأمور بمسمياتها. فمنذ عقود، لم يكن متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس مجرّد رجل دينٍ يُدير شؤون كنيسته، بل كان رمزاً وطنياً تتجاوز مواقفه البُعد الكنسي لتلامس جوهر الأزمة اللبنانية، فتصبح عظاته رسائل سياسية ووطنية، تدعو إلى الإصلاح ومحاربة الفساد، وتُحرّك الرأي العام بأكثر ممّا تفعل خُطَب السياسيِّين.

يُعرف المطران عوده بجرأته الفريدة في مقاربة الشأن العام. لم يكن يوماً أسير الديبلوماسية الكلامية، بل كان وما زال رجل مواقف واضحة، صادقة، لا تعرف التلاعب بالألفاظ. ففي كل مناسبة وطنية أو دينية، يتحدّث بكلامٍ مباشر إلى المسؤولين، لا مجاملة فيه ولا تملّق.

 

في واحدةٍ من عظاته الشهيرة، خاطب السياسيِّين قائلاً: "ألا تُثبِت المماطلة في اتخاذ القرارات المهمّة أنّ دولتنا مائتة ومميتة في آنٍ؟".

هذه الجملة وحدها كانت كفيلة بإحداث صدمة في الأوساط السياسية، إذ عكست حقيقة الواقع اللبناني المرير، حيث يُسَيطر الشلل الإداري على مؤسسات الدولة، بينما يدفع المواطن وحده الثمن.

 

أمّا في مناسبة أخرى، فأكّد قائلاً: "لا مستقبل لبلد بلا عدالة وقانون، ولا يمكن أن تستمر الدولة في حماية الفاسدين على حساب الشعب". إنّها كلمات ليست غريبة على رجل لطالما رفع صوته بوجه الفساد، مطالباً بدولة القانون والمؤسسات، حيث تكون العدالة فوق الجميع.

 

الكنيسة والوطن: رؤية المطران عوده لمستقبل لبنان

لطالما أكّد المطران عوده أنّ الكنيسة ليست مجرّد مؤسسة دينية، بل هي شريك في بناء المجتمع، ودورها لا يقتصر على العظات الروحية، بل يمتد ليشمل الدفاع عن الحق، ومساندة الشعب في مواجهة الظلم. وهو يرفض أن تكون الكنيسة مجرّد "شاهد صامت" على ما يجري في البلاد، بل يرى أنّ من واجبها أن تكون شريكاً في التغيير.

وبينما يكتفي كثيرٌ من رجال الدين بمواقف حذرة، فإنّ المطران عوده يضع نفسه دائماً في الخط الأمامي لمعارك الإصلاح، حتى وإن كلّفه ذلك التعرّض إلى الانتقاد أو المواجهة مع أصحاب النفوذ.

 

لماذا يُزعج المطران السياسيِّين؟

ليس سراً أنّ خُطَب المطران عوده تُثير الجدل في الأوساط السياسية، فهو رجل يقول الحقيقة من دون أن يخشى العواقب. ولذلك، يجد السياسيّون صعوبة في تجاهل كلامه، إذ يُدركون أنّ صَوته مسموع، ليس فقط داخل أوساط الطائفة الأرثوذكسية، بل على مستوى وطني شامل.

هو رجل دين، لكنّه أقرب إلى ضمير الشعب، فحين يتحدّث، يشعر المواطن أنّ هناك مَن يُعبّر عن آلامه، ويدافع عن حقوقه، ويَرفض المساومة على مستقبله.

تراه في ظل تفاقم الأزمات الاقتصادية والسياسية، لا يزال يُصرّ على ضرورة بناء دولة المؤسسات، حيث لا تكون السلطة حكراً على طبقة محدّدة، بل تكون في خدمة المواطنين جميعاً. وهو يرفض أي شكل من أشكال التبعية السياسية، سواء كانت داخلية أم خارجية، ويطالب بقيادات سياسية وطنية حقيقية تُعيد لبنان إلى مساره الصحيح متحلياً بـ:

- جرأة في قول الحقيقة: لا يخاف المواجهة ولا يُساوم على المبادئ.

- استقلالية تامة: لا ينتمي إلى أي جهة سياسية، بل يتحدّث باسم الشعب.

- إيمان بلبنان الدولة المدنية: يرفض الطائفية السياسية ويدعو إلى حُكم القانون.

- إلتزام بقضايا الناس: خطبه ليست مجرّد كلمات، بل تعكس هموم المواطنين.

بناءً على ذلك، سيبقى المطران إلياس عوده ضمير بيروت، وصَوت الحق في زمنٍ يحاول فيه كثيرون إسكات الحقيقة.

theme::common.loader_icon