محادثات مستقبل سوريا تُخيِّب آمال المشاركين
محادثات مستقبل سوريا تُخيِّب آمال المشاركين
كريستينا غولدباوم- نيويورك تايمز
Thursday, 27-Feb-2025 05:57

قُدِّم «الحوار الوطني» الذي استمرّ يومَين في دمشق على أنّه بداية عملية لبناء حكومة شاملة، لكنّ بعض المشاركين غادروا المؤتمر وهم يَشعرون بخيبة أمل. فقد رُوِّج له باعتباره الخطوة الأولى نحو تأسيس حكومة تمثيلية مع خروج سوريا من عقود من الديكتاتورية التي حكمت من قِبل عائلة واحدة. لكن بالنسبة إلى البعض، فإنّ «الحوار الوطني» الذي طال انتظاره وانتهى مساء الثلاثاء، لم يرقَ إلى مستوى تلك الوعود. وبدلاً من ذلك، زاد المؤتمر الذي استمر يومَين من المخاوف بشأن مدى انفتاح الحكام الإسلاميِّين الجدد للبلاد على إنشاء عملية سياسية شاملة حقيقية.

أوضح إبراهيم دراجي، أستاذ القانون في جامعة دمشق وأحد مئات المشاركين في المؤتمر: «لدينا العديد من الاعتراضات على كيفية سَير الحدث. لا توجد شفافية، ولا معايير واضحة لِمَن دُعِيَ. كنت أستاذًا في القانون منذ 22 عاماً، ويمكنني أن أخبركم أنّه ليس حواراً وطنياً حقيقياً».

 

مع انطلاق المؤتمر يوم الاثنين، كانت لدى المشاركين الذين اجتمعوا في القصر الرئاسي في العاصمة دمشق، آمال كبيرة في أنّهم سيكونون جزءاً من حدث تاريخي ويساهمون في رسم ملامح الفصل السياسي الجديد في سوريا.

 

قبل أشهر عدة، تعهّد التحالف المتمرّد الذي استولى على السلطة بعد الإطاحة بالحاكم المستبد بشار الأسد بتأسيس حكومة تمثيلية. وأعلنوا أنّ الخطوة الأولى ستكون عقد اجتماع بارز يجمع شخصيات قيادية من جميع أنحاء البلاد مع المتمرّدين المنتصرين لرسم مسار جديد للأمة المنقسمة.

 

على رغم من الأهداف الطموحة، نُظِّم المؤتمر على عجل، وأُرسلت الدعوات قبل يوم أو يومَين فقط من بدايته، وحضر قادة المجتمع والأكاديميِّون والشخصيات الدينية، لكن لم تُدعَ مجموعات رئيسة مثل «قسد»، الميليشيا الكردية المدعومة من الولايات المتحدة المسيطرة على معظم شمال شرق سوريا.

 

وأعلن قادة المتمرّدين أنّ التوصيات التي أصدرها المؤتمر - وشملت احترام الحرّيات الشخصية وحقوق المرأة - ليست ملزِمة. ولم يكن واضحاً مدى تأثيرها، إن وجد، على الحكومة الناشئة.

 

تمرّ سوريا بفترة انتقالية لم يكن من الممكن تصوّرها من قبل، بعد أن حكمتها عائلة الأسد لأكثر من 50 عاماً. ويتولّى قيادة الانتقال الرئيس الموقت أحمد الشرع، قائد «هيئة تحرير الشام» في الهجوم الذي أطاح بالأسد في أوائل كانون الأول.

 

يواجه الشرع تحدّيات هائلة بينما يحاول توحيد بلد تمزّق نسيجه الاجتماعي واقتصاده بسبب حرب أهلية استمرّت حوالى 14 عاماً.

 

وفي نواحٍ كثيرة، يعكس المؤتمر الذي نُظِّمَ على عجل يوم الثلاثاء الأولويات المتنافسة التي يتعامل معها الشرع أثناء محاولته إقامة حكومة فعّالة. ويتعرّض إلى ضغوط لتأسيس حكومة معترف بها دولياً بسرعة، لتعزيز جهوده في التفاوض على مساعدات مالية تحتاجها البلاد بشدّة من المجتمع الدولي. وقد ربط العديد من القادة العرب والغربيين إقامة علاقات كاملة مع الحكومة السورية الجديدة - بما في ذلك رفع العقوبات الغربية التي دمّرت الاقتصاد - بإنشاء عملية سياسية شاملة تعكس التنوّع العرقي والديني في سوريا.

 

وأعلن الاتحاد الأوروبي، الذي رفع بعض العقوبات عن سوريا بعد استيلاء المتمرّدين على السلطة، عن تعليق قيود إضافية على البنوك السورية وقطاعات الطاقة والنقل. لكنّ المسؤولين الأوروبيِّين أكّدوا أنّ هذا التخفيف سيُلغى إذا شكّل المتمرّدون حكومة لا تتماشى مع القِيَم الأوروبية.

 

على رغم من أنّ التعبير عن المعارضة السياسية (كان سابقاً بمثابة حُكم بالإعدام) أصبح ممكناً الآن، إلّا أنّ توقعات السوريِّين بإحداث تغيير جذري قد تضاءلت في الأسابيع الأخيرة، إذ جمع الشرع معظم السيطرة الحكومية في يدَيه أو في أيدي حلفائه المقرّبين.

 

وأوضح إبراهيم الأسيل، الأستاذ المساعد للعلوم السياسية في جامعة جورج واشنطن: «يبدو أنّ هناك تراجعاً عن الوعود الأولية، سواء في ما يتعلق بالعملية السياسية الجديدة أو بما يمكن أن يؤدّي إليه الحوار الوطني. توقعاتنا لم تكن مرتفعة جداً، لكن ما حدث كان مُخيِّباً للآمال أكثر حتى من التوقعات المتواضعة».

 

مع ذلك، اعتبرت دانا شبات (30 عاماً)، طبيبة عيون من دمشق: «لم نشارك في الحياة السياسية أو الشؤون العامة منذ أكثر من 50 عاماً. لستُ متأكّدة ممّا كنتُ أتوقّعه، لكن على الأقل لدينا الفرصة (حتى لو كانت صغيرة) للتعبير عن آرائنا بشأن الحكومة».

 

رداً على الانتقادات الموجّهة إلى المؤتمر، أوضح حسن الدغيم، المتحدّث باسم اللجنة التحضيرية للحدث، في مقابلة، أنّ جلسات الثلاثاء كانت مجرّد بداية لعملية سياسية مستمرة وشاملة ستشمل «مجموعة واسعة من الخبراء».

 

حتى الآن، لم تُقدِّم اللجنة التحضيرية ولا الشرع خطةً مفصّلة لمواصلة الحوار أو لوضع دستور جديد أو لإنشاء نظام للعدالة الانتقالية، وهو مطلب عام من السوريِّين الساعين إلى محاسبة النظام السابق على جرائمه.

 

خلال كلمته، كرّر الشرع دعوته للسوريِّين إلى «الوقوف معاً في وحدة» والمساعدة في إعادة بناء أمّتهم. لكن كان هناك تحوّل طفيف في لهجته مقارنةً بأول خطاب له بعد تعيينه رئيساً، عندما قدّم وعوداً شاملة حول المشاركة السياسية الحقيقية لجميع السوريين.

 

وأضاف الشرع: «لا ينبغي للقادة استيراد أنظمة لا تتماشى مع وضع البلاد أو تنفيذ أحلام سياسية غير مناسبة. كما تتقبّلون هذا النصر منا، أطلب منكم بلطف أيضاً قبول الأساليب التي استُخدِمت لتحقيقه»، في إشارة إلى نهج المتمرّدين في إقامة الحكومة منذ استيلائهم على السلطة.

 

بالنسبة إلى الكثيرين، كانت هذه التعليقات بمثابة رسالة واضحة: حتى لو كان الفصل القادم في سوريا سيكون شاملاً، فإنّه سيظل بعيداً من الإصلاح الديمقراطي الذي طالما حلم به كثيرون.

 

وسيكون الاختبار الكبير التالي للسلطات السورية الجديدة في الأيام المقبلة، عندما يُتوقع أن يُشكّل الشرع حكومة موقتة - وما إذا كانت ستضمّ ممثلين خارج دائرة الموالين له- ستتولّى إدارة البلاد في السنوات المقبلة حتى إجراء انتخابات.

theme::common.loader_icon