ترامب وماكرون: صداقة قديمة لكن يختلفان بشأن أوكرانيا
ترامب وماكرون: صداقة قديمة لكن يختلفان بشأن أوكرانيا
بيتر بايكر - نيويورك تايمز
Wednesday, 26-Feb-2025 05:50

في اجتماع في البيت الأبيض، رفض الرئيس الأميركي دونالد ترامب وصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنّه ديكتاتور، بينما صرَّح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بصراحة بأنّ «المعتدي هو روسيا».

أظهر ترامب ونظيره ماكرون مشاهد ودية خلال أول اجتماع لهما منذ تنصيب ترامب الشهر الماضي، لكن على رغم من العناق والمصافحات الحميمية، لم يتمكنا من إخفاء الانقسام المتزايد بين الولايات المتحدة وأوروبا بشأن حرب أوكرانيا.

 

في الاجتماع الذي عُقد في الذكرى الثالثة للغزو الروسي واسع النطاق لأوكرانيا، بدا الزعيمان عازمَين على تجنّب حدوث شرخ علني، فتبادلا المجاملات. ومع ذلك، تبايَنت وُجهات نظرهما بشكل كبير بشأن أسباب الحرب، ودور كل طرف في الصراع، وإمكانية إنهائه.

 

وجاء الاجتماع فيما انقسمت الولايات المتحدة وفرنسا بشكل حاد في الأمم المتحدة بشأن قرار يُدين العدوان الروسي. وبينما وقفت أوروبا ومعظم دول العالم إلى جانب أوكرانيا، عارضت إدارة ترامب القرار إلى جانب روسيا وكوريا الشمالية وبيلاروسيا، ما وضع الولايات المتحدة في معسكر نادراً ما كانت فيه عبر تاريخ الأمم المتحدة.

 

كان الانقسام العميق واضحاً في العواصم على جانبَي الأطلسي. ففي حين أُضيء برج إيفل في باريس، وبوابة براندنبورغ في برلين، ومباني الاتحاد الأوروبي في بروكسل بألوان العلم الأوكراني تعبيراً عن التضامن، لم يُبدِ البيت الأبيض أي جهد لإظهار دعمه. وفيما زار العديد من قادة العالم كييف للوقوف إلى جانب القادة الأوكرانيِّين، ركّز ترامب على عقد صفقة للاستحواذ على الموارد الطبيعية الأوكرانية كتعويض عن المساعدات العسكرية.

 

ويعتقد ترامب: «أنّه أُحرِز تقدّم كبير» في جهوده للتفاوض على السلام مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، «أجرينا محادثات جيدة جداً مع روسيا وآخرين، ونحاول إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا».

وأشار ترامب أيضاً إلى أنّه قد يزور موسكو في حال التوصّل إلى اتفاق سلام، متوقعاً حدوث ذلك في غضون أسابيع. وسيكون بذلك أول رئيس أميركي يزور روسيا منذ أكثر من عقد، ممّا سيُعتبر مكسباً كبيراً لبوتين، الذي يواجه مذكرة اعتقال دولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب.

 

على رغم من أنّ ماكرون وصف ترامب بـ»العزيز دونالد» واستخدم كلمات مثل «الصداقة والأجندة المشتركة» مراراً وتكراراً، إلّا أنّه عبّر برفق وأدب عن وجهة نظر مختلفة بشأن الحرب.

وأوضح الرئيس الفرنسي خلال مؤتمر صحافي مشترك في القاعة الشرقية بالبيت الأبيض: «يجب ألّا تعني هذه السلامة استسلام أوكرانيا، أو وقفاً لإطلاق النار من دون ضمانات. يجب أن يضمن هذا السلام سيادة أوكرانيا».

 

لم يذكر ترامب أي ضمانات أو سيادة أوكرانيا، ورفض وصف بوتين بأنّه ديكتاتور، وادّعى زَيفاً أنّ الولايات المتحدة أنفقت على الحرب 3 أضعاف ما أنفقته أوروبا. من جانبه، حرص ماكرون على عدم استفزاز ترامب، لكنّه أوضح أنّ روسيا هي المسؤولة عن الحرب، وليس أوكرانيا، وصحّح تصريحات ترامب بشأن المساعدات الأوروبية.

 

أثناء حديثه مع الصحافيِّين في المكتب البيضاوي قبل المؤتمر الصحافي، تهرَّب ترامب، الذي اعتبر الأسبوع الماضي أنّ أوكرانيا «بدأت» الحرب ووصف رئيسها المنتخب شعبياً، فولوديمير زيلينسكي، بأنّه «ديكتاتور بلا انتخابات»، من استخدام هذا المصطلح لبوتين، الذي حكم بصفته مستبداً على مدار رُبع قرن. فأكّد ترامب: «أنا لا أستخدم هذه الكلمات باستخفاف».

 

في المقابل، عبّر ماكرون عن وجهة النظر السائدة في أوروبا، وكانت حتى الآن سائدة في الولايات المتحدة، بأنّ: «هذه مسؤولية روسيا لأنّ المعتدي هو روسيا».

في إحدى اللحظات، كرّر ترامب الادعاء بأنّ الولايات المتحدة أنفقت 350 مليار دولار لمساعدة أوكرانيا «من دون أن تجني شيئاً في المقابل»، بينما أنفقت أوروبا 100 مليار دولار فقط. لكن وفقاً لمعهد كيل للاقتصاد العالمي، خصّصت أوروبا 138 مليار دولار للمجهود الحربي، مقارنةً بـ119 مليار دولار قدّمتها الولايات المتحدة.

 

كما شوَّه ترامب طبيعة المساعدات الأوروبية، قائلاً: «أوروبا تُقرض المال لأوكرانيا، ويستعيدون أموالهم». فتدخّل ماكرون بسرعة في الحديث باللغة الإنكليزية ووضع يده على ذراع ترامب، مُصحِّحاً: «لا، في الواقع، لنكن صريحين، نحن دفعنا. قدّمنا أموالاً حقيقية، لنكن واضحين». وأوضح أنّ المساعدات شملت مِنحاً وقروضاً وضمانات قروض، تماماً كما فعلت الولايات المتحدة. ابتسم ترامب، لكنّه بدا مُشكِّكاً ولوّح بيده كما لو أنّه غير مقتنع.

 

فشل ترامب في التوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب في غضون 24 ساعة أو قبل تنصيبه، كما وعد خلال حملته الانتخابية، لكنّه يؤكّد أنّ المحادثات مع بوتين قد تُنهي الحرب «في غضون أسابيع، إذا كنا أذكياء. إذا لم نكن أذكياء، فستستمر الحرب وسنفقد شباباً رائعين وجميلين».

 

وشدّد الرئيس الأميركي على مطلبه بأن تتنازل أوكرانيا عن مئات المليارات من الدولارات من حقوقها في الموارد المعدنية لسداد المساعدات العسكرية الأميركية، وهو ما رفضه زيلينسكي. إلّا أنّ وزير الخزانة، سكوت بيسنت، أوضح أنّ المفاوضين الأميركيِّين والأوكرانيِّين «قريبون جداً» من التوصّل إلى اتفاق، مشيراً إلى أنّه على وشك الاكتمال. وأوضح ترامب أنّ زيلينسكي قد يزور واشنطن قريباً للتوقيع.

 

عودة ترامب إلى السلطة تهزّ العلاقات مع الحلفاء الأوروبيِّين، إذ يُهدّد بفرض تعريفات جمركية على سلعهم الاستهلاكية، ويُطالبهم بزيادة الإنفاق العسكري، ويتخذ موقفاً مغايِراً لهم بشأن أوكرانيا. وازدادت التوترات بعد خطاب ألقاه نائب الرئيس جي دي فانس في ميونيخ، وزعم أنّ أكبر تهديد أمني للأوروبيِّين ليس روسيا أو الصين، بل سياساتهم السياسية والثقافية.

theme::common.loader_icon