ألمانيا تُصوّت للمحافظين والتغيير
ألمانيا تُصوّت للمحافظين والتغيير
كريستوفر شوتزه وجيم تانكرسلي - نيويورك تايمز
Tuesday, 25-Feb-2025 07:08

فريدريش ميرز وحزبه انتصروا، إيلون ماسك لم يَبدُ مؤثراً على الناخبين، والمزيد من الدروس المستخلصة من تصويت ألماني مبكر يحمل تداعيات كبيرة لأوروبا. مستشارٌ جديد لألمانيا. زعيمها الحالي يغادر السلطة، لكن من المحتمل أن يبقى حزبه، وإن كان بحجم أقل. كما أنّ جهود إدارة ترامب للتأثير على التصويت لا يبدو أنّها أحدثت فرقاً كبيراً.

الانتخابات التي جرت الأحد، وجاءت قبل موعدها بعدة أشهر إثر انهيار الائتلاف الحاكم في أواخر العام الماضي، أفرزت بعض المفاجآت والكثير من الترقّب.

 

بحلول صباح أمس الباكر، بدت النتائج واضحة بما يكفي للإشارة إلى أنّ الديمقراطيِّين المسيحيِّين الوسطيِّين سيكونون قادرين على قيادة ألمانيا مع شريك واحد فقط في الائتلاف، ممّا يُعيد البلاد إلى نظام الحُكم الثنائي الأكثر استقراراً، الذي قادها معظم هذا القرن.

 

ميرز هو المستشار المقبل

 

أكبر نسبة مشاركة للناخبين الألمان منذ عقود منحت أكبر عدد من الأصوات لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي وحليفه البافاري، الاتحاد الاجتماعي المسيحي. وهذا يُرجِّح أنّ المستشار المقبل سيكون فريدريش ميرز، رجل الأعمال الذي يملك طائرته الخاصة ولطالما طمح للمنصب الأعلى.

 

خسر ميرز صراعاً على زعامة حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي في أوائل العقد الأول من الألفية أمام أنغيلا ميركل، التي شغلت منصب المستشارة لمدة 16 عاماً.

 

لكنّ الناخبين أُصيبوا بخيبة أمل من إرثها، بما في ذلك خطّتها غير الموفّقة للاعتماد بشكل أكبر على الغاز الطبيعي الروسي، وقرارها إبقاء حدود ألمانيا مفتوحة في عام 2015، واستقبال ما سيصبح لاحقاً ملايين اللاجئين من سوريا وأفغانستان وغيرها.

 

بعد أن خرج الديمقراطيّون المسيحيّون من السلطة عام 2021، تولّى ميرز قيادة الحزب وقاده نحو اليمين في قضايا مثل الهجرة وغيرها. كان أكثر راحة في حملته الانتخابية عند الحديث عن الاقتصاد، فوعد بتخفيف القيود التنظيمية وخفض الضرائب في محاولة لإنعاش النمو الاقتصادي.

 

ميرز رجل طويل القامة وأحياناً صارم، يتمتع بروح دعابة جافة. وتشير استطلاعات الرأي إلى أنّ حوالي ثلث الألمان فقط يعتقدون أنّه سيكون مستشاراً جيداً. حتى بعض ناخبيه أقرّوا بأنّهم غير متحمّسين له. لكن إذا شكّل حكومة بسرعة، فسيكون لديه فرصة لملء الفراغ القيادي في أوروبا، التي تعاني من توترات في علاقتها مع الولايات المتحدة في ظل إدارة ترامب.

 

ترامب وحلف الناتو كانا على ورقة الاقتراع

 

عندما ألقى نائب الرئيس جي دي فانس خطاباً في مؤتمر ميونيخ للأمن الأسبوع الماضي، منتقداً المؤسسة السياسية الأوروبية لاستبعادها الأحزاب المتطرّفة، أحدث ذلك صدمة أيقظت الحملة الانتخابية التي كانت هادئة نسبياً. وإذا كانت تهديدات ترامب بشنّ حرب تجارية وتقليل الحماية العسكرية قد أثارت بالفعل قلق الألمان، فقد تسبّب الخطاب وتراجع الرئيس لاحقاً عن دعمه لأوكرانيا في حالة من الذعر شبه التام في ألمانيا.

 

ووفقاً لاستطلاع رأي نُشر بعد ظهر الأحد، فإنّ 65% من الناخبين الألمان قلقون من أنّ بلادهم عاجزة أمام الرئيس ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

 

خلال مناظرة ما بعد الانتخابات ليلة الأحد بين القادة السياسيِّين، تطرّق ميرز إلى التهديد الذي تواجهه ألمانيا وأوروبا بسبب الإدارة الأميركية الجديدة.

 

وتساءل: «أصبح واضحاً أنّ الأميركيين، أو على الأقل جزء منهم، هذه الحكومة، غير مكترثين إلى حَدٍ كبير بمصير أوروبا. أنا فضولي جداً لمعرفة كيف سنتعامل مع قمة الناتو في نهاية حزيران. هل ما زلنا نتحدّث عن الناتو بوضعه الحالي، أم أنّنا بحاجة إلى إنشاء قدرة دفاعية أوروبية مستقلة بشكل أسرع بكثير؟».

 

ماسك لم يبدُ مؤثِراً على الناخبين

 

حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرّف ضاعف حصته من الأصوات مقارنةً بانتخابات قبل 4 سنوات، مستفيداً بشكل أساسي من استقطاب الناخبين الغاضبين من قضايا الهجرة. وفي شرق ألمانيا، حلّ في المرتبة الأولى متفوّقاً على حزب ميرز. مع ذلك، بدا أنّ حصة حزب «البديل من أجل ألمانيا» من الأصوات كانت أقل من ذروته في استطلاعات الرأي قبل عام. كان العديد من المحلّلين يتوقعون نتيجة أقوى للحزب، بعد سلسلة من الأحداث التي زادت من بروزه وسلّطت الضوء على قضيّته الرئيسية.

 

حصل الحزب على دعم علني من نائب الرئيس الأميركي فانس، كما تلقّى تأييداً من الملياردير والمستشار المقرّب من ترامب، إيلون ماسك. كما سعى الحزب إلى استغلال سلسلة من الهجمات القاتلة التي نفّذها مهاجرون خلال الأشهر الأخيرة، بما في ذلك في الأيام الأخيرة من الحملة الانتخابية.

 

لكنّ التأثير لم يتحقق كما كان متوقعاً. بل إنّ ردّ الفعل على الهجمات الأخيرة والدعم الذي تلقّاه الحزب من مسؤولي ترامب ربما حفّزا موجة متأخّرة من الدعم لحزب «دي لينكه» اليساري المتطرّف، الذي خاض حملته على منصة مؤيّدة للهجرة، وفق بعض الناخبين.

 

مفاجأة الليلة

 

قبل شهرَين، كان حزب «دي لينكه» يحتضر. إذ غادرت عضوته الأكثر شهرة، سارة فاغنكنشت، العام الماضي وأسست حزباً جديداً أكثر ودية تجاه روسيا وأكثر صرامة بشأن الهجرة. تبعها الكثيرون، معتقدين أنّها تمثل المستقبل. ظل «دي لينكه» يتأرجح عند نسبة 3%. لكن فعاليات حملته الانتخابية بدأت تجذب العديد من الشباب لدرجة أنّها أصبحت أشبه بمهرجانات راقصة أكثر منها تجمّعات سياسية. كما تحوّل قادة الحزب إلى نجوم على وسائل التواصل الاجتماعي.

 

شولتس يرحل، لكنّ حزبه يستمر

 

على رغم من أنّ استطلاعات الرأي توقعت حصوله على المركز الثالث، أصرّ المستشار أولاف شولتس حتى اللحظة الأخيرة على أنّه سيحتفظ بمنصبه بطريقة ما. لكنّه كان مخطئاً.

 

حصل الحزب الديمقراطي الاشتراكي، على نسبة 16% فقط، وهي أدنى نسبة له على الإطلاق، ليحتل المركز الثالث. وبينما سيواصل شولتس مهامه كمستشار موقت حتى يؤدّي ميرز اليمين، فمِن المتوقع على نطاق واسع أن ينسحب من الحياة السياسية. لكنّ حزبه سيستمر. فمن المرجح جداً أن يعود إلى دوره التقليدي كشريك أصغر في حكومة يقودها المحافظون. ودعم ما يُسمّى بـ«الائتلاف الكبير» المستشارة ميركل خلال 3 فترات من أصل 4، وقد يكون الخيار الأضمن لميرز لتشكيل حكومة مستقرة في وقت مضطرب تمر فيه ألمانيا.

theme::common.loader_icon