بفضل ترامب السعودية تحظى بأسبوع ديبلوماسي دولي حافل
بفضل ترامب السعودية تحظى بأسبوع ديبلوماسي دولي حافل
فيفيان يي وإسماعيل نعار- نيويورك تايمز
Friday, 21-Feb-2025 06:49
منذ بضع سنوات فقط، كانت واشنطن تصف السعودية بأنّها «منبوذة» بسبب انتهاكاتها لحقوق الإنسان التي تصدّرت العناوين. قادة الأعمال الغربيّون ألغوا استثماراتهم في المملكة، وتعرّض المشاهير ونجوم الرياضة إلى انتقادات بسبب مشاركتهم في فعاليات هناك.

لكن بفضل نفطها ونفوذها الإقليمي، أثبتت السعودية أنّها مهمّة للغاية. فلا تستطيع إدارة بايدن إقصاءها لفترة طويلة. وبعد بضعة أسابيع فقط من بدء الولاية الثانية للرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي كانت تربطه علاقة وثيقة بالمملكة خلال ولايته الأولى، عادت السعودية لتكون في دائرة الضوء حتى وإن لم يكن نهج ترامب في المنطقة دائماً متماشياً مع رغبات السعوديّين.

 

هذا الأسبوع، تدور كل الجهود الديبلوماسية في الرياض. ومن المتوقع أن يجتمع القادة العرب اليوم لصياغة عرض مضاد يهدف إلى إقناع ترامب بعدم ترحيل نحو مليونَي شخص من غزة إلى مصر والأردن، وعدم تحويل القطاع إلى «ريفييرا الشرق الأوسط».

 

يوم الثلاثاء، اجتمع مسؤولون أميركيّون وروس رفيعو المستوى في الرياض لإجراء محادثات أولية حول إنهاء الحرب في أوكرانيا وإعادة العلاقات إلى طبيعتها، وهو هدف رئيسي آخر من أولويات السياسة الخارجية لترامب. هذه المرّة، قدّمت السعودية صورة مختلفة تماماً، فاستضافت المحادثات على وجبة غداء تضمّنت أطباقاً عربية وغربية، من بينها «سمفونية من الإسكالوب والجمبري والسلمون» وكعكة الكنافة بالجبن، وفق وسائل الإعلام الروسية الرسمية.

 

«بلد السلام»، كان الوسم الذي رافق بعض المنشورات الرسمية عن المحادثات. فيما استخدمت منشورات أخرى وسماً يصف المملكة بأنّها «عاصمة قرارات العالم».

 

خلال لقائه مبعوثي ترامب في الرياض مساء الاثنين، أكّد الأمير محمد بن سلمان لهم: «يسعدنا جداً العمل معكم ومع الرئيس ترامب وإدارته. وأعتقد أنّنا قادرون على تحقيق أشياء إيجابية، سواء للمملكة أو للعديد من دول العالم».

 

كما تحدّث ترامب مساء الأربعاء في قمة استثمارية في «ميامي بيتش»، نظّمتها الصناديق السيادية السعودية، وأشاد بدور الرياض في المحادثات بين روسيا والولايات المتحدة.

 

الأسبوع الديبلوماسي الكبير الذي تعيشه السعودية لم يكن وليد الصدفة. فالقوى العربية التقليدية مثل مصر والعراق وسوريا أضعفتها سنوات من الاضطرابات الداخلية، ممّا أتاح للمملكة، تحت قيادة الأمير محمد، استغلال حجمها وثروتها ومكانتها كحارسة لبعض أقدس المواقع الإسلامية لملء هذا الفراغ.

 

ورأى حسن الحسن، الزميل في معهد الدراسات الاستراتيجية الدولية، أنّ هذه الجهود «تعزّز صورة المملكة كلاعب عالمي مؤثر وقائد إقليمي». وأضاف، أنّ تراجع النفوذ الأميركي عالمياً سمح «لجهات فاعلة مرنة» مثل السعودية بلعب دور أكبر.

 

كما يؤكّد محلّلون مقرّبون من الديوان الملكي، أنّ استراتيجية السعودية في توسيع علاقاتها خارج الولايات المتحدة خلال فترة توترها مع إدارة بايدن أثمرت في المحادثات الأميركية-الروسية.

 

خلال السنوات الأخيرة، عزّزت السعودية علاقاتها الإقتصادية مع الصين، وامتنعت عن الانحياز لأي طرف في الحرب الأوكرانية. فسمحت لها هذه الحيادية بالتوسط في عمليات تبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا، وكذلك بين روسيا والولايات المتحدة، واستضافة كلٍّ من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إلّا أنّ زيلينسكي ألغى زيارة كانت مقرّرة إلى السعودية يوم الأربعاء احتجاجاً على استبعاده من محادثات اليوم السابق.

 

التطبيع والعلاقات الأميركية-السعودية

كما أصبحت السعودية محوراً رئيسياً في مساعي إسرائيل لتطبيع العلاقات مع جيرانها العرب، ممّا منح المملكة نفوذاً لدفع الولايات المتحدة إلى توقيع اتفاقية دفاعية معها. ومع تصاعد الهجوم الإسرائيلي على غزة بعد هجوم «حماس» في 7 تشرين الأول 2023، شدّدت السعودية أكثر على ربط أي اتفاق تطبيع بمسار يقود إلى إقامة دولة فلسطينية، وهو مطلب ظلّ قائماً في العالم العربي لعقود.

 

استمرار المحادثات السعودية مع الولايات المتحدة وإسرائيل حول التطبيع، إلى جانب حقيقة أنّها ستكون طرفاً رئيساً في تمويل إعادة إعمار غزة، يجعل منها الوسيط المثالي لعقد اجتماع اليوم، يضمّ مصر والأردن والإمارات وقطر، لمناقشة خطة إعادة إعمار القطاع، التي يأملون أن تكون بديلاً لمقترحات ترامب.

 

وكانت إدارة بايدن قد بدأت في الدفع نحو اتفاق شامل بين السعودية وإسرائيل والولايات المتحدة، على رغم من أنّ بايدن، خلال حملته الانتخابية، وصف السعودية بأنّها «منبوذة» بسبب استهداف المدنيّين في اليمن واغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي، الذي كان مقيماً في ولاية فرجينيا وكاتباً في صحيفة «واشنطن بوست».

 

لكن في النهاية، كان ترامب هو مَن رفع مكانة السعودية إلى مستوى «الشريك المَوثوق والصديق» في الساحة الدولية.

وأوضح حسين إبيش، الباحث في معهد دول الخليج العربية في واشنطن: «ترامب يعترف بهم كقادة العرب، وهذا ما كانوا يسعون إليه. تحت إدارة ترامب، يحصلون على هذا الاعتراف».

 

اختيار السعودية لاستضافة محادثات روسيا-الولايات المتحدة كان بمثابة انتصار ديبلوماسي غير مشروط للمملكة. ومع ذلك، فإنّ عودة ترامب إلى البيت الأبيض قد تعرقل أولوية سعودية أخرى: تأمين اتفاق دفاعي ودعم أميركي لبرنامج نووي مدني مقابل التطبيع مع إسرائيل.

 

طرد الفلسطينيّين قسراً من غزة، كما يقترح ترامب، لن يكون فقط جريمة حرب وانتهاكاً للقانون الدولي، بل سيقضي أيضاً على أي أمل متبقٍّ في قيام دولة فلسطينية. ومع أنّ الشعب السعودي يَدعم بقوة إقامة دولة فلسطينية، أظهرت تصرّفات الأمير محمد أنّه لا يمكنه تجاهل هذه المشاعر. وردّت الحكومة السعودية على مقترح ترامب بإعلان أنّها لن تطبّع مع إسرائيل من دون إقامة دولة فلسطينية.

 

على رغم من التحدّيات، يبدو أنّ السعوديّين استغلوا اجتماعاتهم هذا الأسبوع مع مسؤولي إدارة ترامب لتعزيز مصالحهم. فقد التقى الأمير محمد بوزير الخارجية ماركو روبيو، ومستشار الأمن القومي مايكل والتز، والمبعوث الخاص للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، رجل الأعمال والصديق المقرّب لترامب، الذي لعب دوراً بارزاً في المحادثات الأميركية-الروسية.

theme::common.loader_icon